لا حلول في الافق، والصراع على غاز لبنان سيدخل البلد في المجهول والجوع والفوضى، كما ادخل كل الدول التي فتحت ملفات استغلال ثرواتها الوطنية من الغاز، بدءأ من سوريا الى العراق وليبيا والصومال والسودان والجزائر حاليا ومعظم دول العالم الثالث، وربما كان الصراع الاشرس على سوريا ولبنان كونهما يتحكمان بافضل ممرات النفط الى العالم وتحديدا الى اوروبا، وهذا ما سيفاقم الصراع الاقليمي والدولي على مرافئ المنطقة، بعد ان سيطر الروس على الموانئ السورية بكل فروعها الى “ابد الابدين “، ويحاولون بكل ما يملكون من القوة والنفوذ الدخول الى لبنان، هذا ما كشفه بوضوح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال الاجتماع مع نظيره اللبناني عبدالله بو حبيب عن بدء شركة “روس نفط “بتنفيذ المشروع الكبير في منشآت طرابلس، وفق عقد مُوقّع مع ادارة وتشغيل منشآت النفط لتوسيعها وتطويرها مع وجود مخططات عديدة وجديدة لمرفأ طرابلس.
وفي المعلومات ان وفدا اميركيا حضر الى بيروت يومها وبشكل عاجل، واعلن رفضه بشدة توقيع العقود مع الشركة الروسية مطالبا بالغائه، وهدد بعقوبات واجراءات بحق لبنان لعدم تقديره مخاطر ما قام به، ولم تأخذ الحكومة بالتحذيرات الاميركية، وقد وقع العقد فترة تولي وزراء التيار الوطني الحر وزارة الطاقة، وفي عز التحالف بين باسيل وسعد الحريري، وفي عهود الوزراء الذين تعرضوا للعقوبات الاميركية. وحسب المعلومات الاميركية، فان هناك عمولات ” تفتح النفس” وراء توقيع العقد الروسي.
وفي المعلومات ايضا، ان وفدا ماليا واقتصاديا روسيا يضم اكبر الشركات الروسية سيزور لبنان اوائل كانون الاول حاملا عروضا عملاقة لتطوير البنى التحتية اللبنانية، وتحديدا في مجالات الكهرباء والبيئة والطاقة مع كفالة مالية بقيمة مليار و200 مليون دولار توضع في مصرف لبنان، ويكون التنفيذ بطريقة bot ولاتكلف خزينة الدولة اية اموال، في موازاة وصول عروض من شركات صينية في مجال السياحة والصحة.
وتؤكد المصادر العليمة والمتابعة، انه في مقابل الزحف الروسي – الصيني نحو لبنان والخليج ومصر وتركيا وجنوب السودان وصولا الى كيان العدو، فان واشنطن لن تقف “مكتوفة اليدين ” امام هذه المحاولات،ودخلت بقوة على ملف الغاز وترسيم الحدود البحرية لحفظ مصالحها ومصالح كيان العدو، ولن تسمح للشركة الفرنسية ” توتال ” والشركات الروسية والصينية والايطالية باي استثمارات في الغاز اللبناني بحرا وبرا، وستشرف على ملف الترسيم بشكل مباشر عبر مبعوثها هوتشيكان، ولن يرفع الحصار الكامل عن لبنان الا بعد قبول الحكومة اللبنانية بشروطها للترسيم والغاء العقد مع الشركة الروسية لتطوير منشآت طرابلس .
هذا التوجه الاميركي لاقدرة للدولة اللبنانية على القبول به، بعد ان رسم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الخطوط الحمراء في هذا الملف، جازما بتدخل الحزب فورا، اذا رأى ان كيان العدو بدأ باستثمار الغاز في المناطق المتنازع عليها، كما ان موقف الجيش اللبناني يتلاقى مع موقف حزب الله بالدفاع عن كل ليترمن الغاز اللبناني، وطالما لم يحدد المبعوث الاميركي للترسيم تاريخ عودته بشكل رسمي والقبول بالحقوق اللبنانية في كامل المساحة النفطية ومن ضمهم حقل ” قانا “، فان ابواب الحلول ستبقى مقفلة كليا، والحصار سيكون شاملا وتصاعديا عبر حجب كل ا لمساعدات وعرقلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بالتزامن مع اجراءات خليجية قد تصل الى وقف التحاوبل المالية وابعاد عائلات، حتى ان مسؤولا خليجيا قال بوضوح لاعلاميين اثناء زيارته الاخيرة لدمشق: ” الانفتاح الخليجي على سوريا لايشمل لبنان”، وحسب المصادر العليمة، ان “الكباش ” سيتصاعد حتى ايجاد تسوية لملف الغاز ترضي الاطراف الثلاثة..
والسؤال هل اخطأ لبنان بفتح ملفه النفطي في ظل عزم قدرته على تحمل النتائج؟ وكم كان صريحا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عندما قال: “يبدو انه من غير المسموح للبنان استخراج غازه”.
وفي المعلومات، ان ما يتعرض له لبنان هو نتيجة قرار اميركي واضح رافض لمسارات عمل الحكم و الحكومة اللبنانية المتناغمة مع اجراءات حزب الله في كل الملفات، وتحديدا النفطية، واكبر دليل على ان الحصار قرار اميركي، قيام السفيرة الاميركية بالاتصال بالرئيس ميشال عون وابلاغه رفع الحظر عن وصول الغاز المصري عبر سوريا بعد ساعات على اعلان حزب الله استيراد الغاز الايراني. ومن المتوقع ان يعلن السيد حسن نصرالله في كلمته الجمعة عن وصول بواخر جديدة من المازوت الايراني للمواطنين اللبنانيين مع بدء فصل الشتاء، وسيشمل التوزيع كل المناطق اللبنانية.
الاجراءات الحكومية
وفي ظل هذه الاجواء، فان الاجراءات الحكومية لتحسين الاوضاع المعيشية تدور في حلقة مفرغة، والناس لاتلمس اية نتائج في ظل الارتفاع الجنوني للدولار الذي وصل الى مشارف ال 25 الف ليرة، وسيواصل ارتفاعه الى مستويات قياسية في ظل غياب المعالجات الجدية، ونتيجة لذلك، فان البطاقة التمويلية لن تأخذ طريقها الى التنفيذ، رغم تحديد وزير الشؤون الاجتماعية اوائل العام الجديد لانطلاقها، علما ان الوزير السابق رمزي المشرفية وعد بالدفع في ايلول الماضي، فلا 90 دولارا ستدفع للمعلمين، رغم طلب وزارة التربية ارقام الحسابات المصرفية من المعلمين للقيام بالتحويلات، اما منحة النصف راتب للموظفين والمساعدات الاجتماعية قبل الاعياد وال 66 الفا بدل النقل ستدفع بعد ان بدأ مصرف لبنان بطبع اطنان جديدة من العملة اللبنانية، وهذا ما يفاقم العجز ويرفع الدولار الى مستويات قياسية، مما يبخر كل الاجراءات الايجابية للحكومة، ويفتح البلد على كل الاحتمالات وكلها “مرّ وسواد “، رغم ان رابطة موظفي القطاع العام اعلنت رفضها لاجراءات الحكومة وقررت العودة الى الاضراب المفتوح، وهذا ما يؤدي الى شلل الدولة وتوقف انجاز معاملات المواطنين، فيما وقع وزير العمل مصطفى بيرم مرسوم رفع بدل النقل اليومي لموظفي القطاع الخاص الى 65 الفا.
تزايد اصابات الكورونا
وفي زحمة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والمالية وغلاء الاسعار والمشتقات النفطية، عاد ملف كورونا يقض مضاجع كل اللبنانيين مع الارتفاع المتزايد للاصابات وتراجع الاجراءات الصحية، وتحديدا في المستشفيات الحكومية وفقدان الادوية، مما يعرض البلد لازمة كبيرة وخطيرة، خصوصا ان القطاع الصحي يعاني الفوضى الكبيرة مع جنون اسعار الادوية وفقدان معظمها، هل يعقل ان المستشفيات الحكومية تطلب 5 ملايين الى 10ملايين كتأمين من المريض للحصول على “سرير “؟ هذا بالاضافة الى رفض الاطباء اجراء اي عملية اذا لم يحصل على بدل مالي مسبق من المريض، بحجة ان المؤسسات الضامنة تدفع مستحقاتهم على سعر 1500 ليرة للدولار، اين وزارة الصحة مما يحصل؟ واين اجراءاتها؟ الا يكفي المواطن ما يتعرض له في هذه الايام السوداء؟
مطمر الناعمة
في موازاة ذلك، عاش اهالي عاليه والشحار الغربي “كابوسا” حقيقيا جراء توقف احد الشركات عن سحب غاز “الميتان” من النفايات المطمورة في مطمر الناعمة، بسبب انتهاء عقدها مع مجلس الانماء والاعمار، وعملت على سحب آلياتها وموظفيها، مما هدد المنطقة بانفجار مواز لحجم انفجار مرفأ بيروت، وقد ادت الاتصالات الى اعادة سحب الميتان بشكل مؤقت حتى توقيع العقود الجديدة، فيما المطمر يلزمه معالجة شاملة، لان انبعاث الميتان نشر الامراض السرطانية في قرى المنطقة باعداد كبيرة حسب تقارير لمنظمات صحية دولية، علما ان الميتان المنبعث من مطمر الناعمة يوفر طاقة كهربائية لمعظم قرى عالية دون اي تكلفة مالية على الدولة، وهذا ما اعلنه وزير البيئة ناصر ياسين.
مجلس الوزراء
اما بالنسبة لجلسات الحكومة، فلا جديد في هذا الملف، والمواقف على حالها رغم التسريبات الايجابية، فالثنائي الشيعي ما زال على موقفه باقالة القاضي طارق البيطار اولا، ومحاكمة الرؤساء والوزراء امام اللجنة النيابية في المجلس النيابي، وهذا من صلاحيته، قبل عقد جلسات الحكومة، ولاعلاقة لاستقالة الوزير قراداحي بعودة اجتماعات مجلس الوزراء، والثنائي الشيعي لن يحضر اي جلسة قبل تحقيق مطلبه، ويجزم ان الرئيس ميقاتي لن يدعو لجلسة في غياب المكوّن الشيعي، علما ان قوى 8 آذار تملك الثلث المعطل عبرالوزراء الشيعة و”المردة” و”القومي” وارسلان، فيما الرئيسين عون وميقاتي يرفضان اي اجراءات خارج مجلس القضاء الاعلى والهيئة العامة لمحكمة التمييز، ولذلك ازمة الفراغ الحكومي طويلة ومفتوحة، واجتماع الرؤساء الثلاثة كان للصورة فقط، ولم يخرج بصيغة محددة، مما فاقم الخلافات بين بعبدا وعين التينة بانتظار عودة ميقاتي من زيارته للفاتيكان وعودة الرئيس عون من قطر.
اما في مجال التحقيقات في قضية انفجار المرفأ، فقد تابعت مختلف الاوساط السياسية والقضائية والامنية ما عرضته قناة ” الميادين” عن الانفجار، وبالوثائق لسير الباخرة المحمّلة بنيترات الالمنيوم من جورجيا وصولا الى بيروت، والاخطاء التي وقعت، والمسؤوليات ودور اليونيفيل، ودعت هذه الاوساط الى ضم الوثائق التي عرضت الى ملف التحقيقات لاهميتها في الوصول الى الحقيقة.
الانتخابات النيابية
وعلى صعيد آخر، فان التحضيرات للانتخابات النيابية ما زالت خجولة جدا، والقوى السياسية في دائرة الاستطلاع، والثابت الوحيد في الاستحقاق اذا حصل، وحدة الثنائي الشيعي اولا وثانيا، وفي المرتبة الثالثة يأتي التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وعلى نفس المستوى التحالف مع “المردة” وارسلان و”القومي” وعبد الرحيم مراد وفيصل كرامي ووهاب وجهاد الصمد وغيرهم، لكن قوى 8 آذار تعاني من حجم الخلاف بين الرئيسين عون وبري وباسيل وفرنجية، اضافة الى الهامش الواسع لبري بالتعاون مع الحريري وجنبلاط في بيروت والجبل والبقاع الغربي وحاصبيا، نتيجة العلاقة المتينة والصلبة بين بري وجنبلاط مهما تعددت الاسباب والتباينات، وهذا ما يعرّض 8 آذار للتصدع وخسارة مواقع نيابية، اذا كانت المعركة على الاكثرية النيابية والاصرار الدولي على تشليح حزب الله هذه الورقة، وعندها كيف يتعامل بري وفرنجية في ظل الحرب الكونية على حزب الله؟
وفي المقابل، فان التحالف بين الحريري وجعجع وجنبلاط ليس محسوما بعد، علما ان القانون الانتخابي عبر الصوت التفضيلي لايسمح لاي طرف بمساعدة الطرف الآخر على اللائحة الا من خلال تأمين “الحاصل الانتخابى”. وفي المعلومات المؤكدة ان الحريري ابلغ تيمور جنبلاط في الامارات انه لم يحسم قراره بالترشح شخصيا بعد، ولم يحدد تاريخ عودته الى لبنان، وهو ينتظر التطورات ويدرس الخيارات، لكن “تيار المستقبل” سيخوض الاستحقاق بالتحالف مع الاشتراكي في اقليم الخروب والبقاع الغربي وحاصبيا وبيروت اذا قرر خوض الاستحقاق، اما الاشتراكي فاعلن انه يحترم موقف الحريري وينتظر حسم خياره الذي سيتبلور منتصف كانون الاول، واذا كان قرار الحريري ايجاببا سيعود الى بيروت واذا كان الاعتكاف سيبقى في الامارات وعلى ضوء ذلك تحدد الخيارات النهائية.
وفي المعلومات، ان الحريري خارج الحسابات السعودية الداعمة للتحالف بين نواف سلام وسمير جعجع، وتسعى الرياض لضم جنبلاط الى التحالف والمجتمع المدني والكتائب وكل قوى 14 آذار للحصول على الاكثرية النيابية او الثلث الضامن لمنع حزب الله من تسمية الرئيس القادم وممارسة نفس السيناريو الذي مارسه حزب الله حتى امّن وصول العماد عون، وتسال المصادر العليمة، كيف سيتصرف جنبلاط اذا لم يترشح الحريري ؟ وهل يتحالف مع جعجع ويكسر الجرة مع 8 آذار ؟ ترد المصادر بالتأكيد، ان هم جنبلاط الاول والاخير مصلحة الدروز العليا، ويناور تحت هذا السقف، و اكد في جولاته الاخيرة في الجبل على ترشيح اكرم شهيب في عالية، ولم يطرح اي اسم درزي آخر للمقعد الدرزي الثاني، مما يعني ترك المقعد شاغرا لارسلان، حرصا على وحدة الدروز بشرط حفاظ جنبلاط على المقعد الدرزي لفيصل الصايغ في بيروت، و لم يتطرق جنبلاط الى النائب الدرزي الثاني في الشوف الذي سيرافق تيمور الى الندوة النياببة، وان كان يفضله من “الرفاق” كما قال، اما بالنسبة للنائب الدرزي في حاصبيا فلن يخرج عن” خاطر ” بري، وفي البقاع الغربي سيكون التحالف مع “المستقبل” وبري، وبالتالي يفضل جنبلاط ان تكون التحالفات على “القطعة “، علما ان وائل ابو فاعور وهادي ابو الحسن وبلال العبدالله من الاسماء المحسومة، كما ان النائب نعمة طعمة لم يحسم موقفه بعد، وفي المقلب الآخر، فان قوى 8 آذار في الجبل بدأوأ اجتماعاتهم الدورية لتمتين تحالفهم الانتخابي الذي يضم ارسلان والتيار الوطني الحر وحزب الله و”القومي” و”التوحيد”، لكن “حركة امل” لم تنضم للاجتماعات بعد.
وبالنسبة للمجتمع المدني، فان اللقاءات في السفارة الاميركية لممثلي الجمعيات المدنية تركز على ازالة التباينات وتوحيد الصفوف وخوض لانتخابات بلوائح موحدة في كل لبنان، مع دعم دولي مطلق، والمساعدة لتصحيح السلبيات التي ظهرت في انتخابات نقابة المحامين، كما ان جمعيات المجتمع المدني بدأوا نشاطاتهم في كل المناطق، ويستخدمون في البعض منها اسلوب المساعدات الاجتماعية كاحزاب السلطة.
وتجزم المصادر العليمة، ان شكل التحالفات النهائي لن يتبلور قبل اوائل آذار في ظل عدم اسقاط تأجيل الانتخابات من الحسابات نتيجة الصراعات بين القوى السياسية والفلتان، وهذا ما قد يعرّض لبنان لعقوبات شاملة تطال كل اركان الطبقة السياسية، وصولا الى حجز اموالهم وممتلكاتهم اذا حاولوا تأجيل الانتخابات، في ظل الاصرار الدولي على تشليح حزب الله الاكثرية من خلال الاستحقاق النيابي، علما ان كبار العاملين في مراكز الدراسات يؤكدون ان التغييرات ستكون طفيفة جدا، و قد تصيب كتلتي المستقبل والتيار الوطني باضرار طفيفة لصالح المجتمع المدني، مع حفاظ الثنائي الشيعي وجنبلاط وجعجع على حصصهم بالكامل، ولذلك فان لوحة المجلس النيابي القادم لن تتبدل عن اللوحة الحالية وسيكون رئيس الجمهورية القادم نتاج التواففات السياسية بين الكتل وليس عبر معادلة “غالب ومغاوب” كما تريدها الرياض.
ولذلك وحسب المصادر العليمة، فان ما يجري اكبر من الحرتقات والتحقيقات، وكلام الوزير قرداحي، وجوهره، الصراع على الغاز واي لبنان نريد؟ وحتى تنقشع الصورة سيبقى البلد على صفيح ساخن ومُعرّض لكل الاحتمالات دون اسقاط عامل التسويات.