لم يكن التوصيف الشديد الواقعيّة الذي أطلقه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على واقع حكومته بقوله من قصر بعبدا “ان الحكومة ماشية لكن مجلس الوزراء لا يجتمع”، سوى رسم لمعادلة التطبيع او التطبّع القسري للعهد والحكومة وسائر الشركاء في السلطة مع قرار التعطيل النصفي الذي فرضه الثنائي الشيعي على الجميع بمقاطعة وزرائه مجلس الوزراء من دون تطوير المقاطعة إلى فرط الحكومة. إذا، من هنا تفهم الحركة الكثيفة المتزايدة للاجتماعات واللقاءات الوزارية المتواصلة والموصولة في السرايا الحكومية التي يراد لها ان تترجم معادلة التعويض عن مجالس الوزراء باللجان الوزارية ومعالجة الملفات بالممكن المتاح، بما يعني ضمناً ان البلاد قد تكون امام ترجمة هذه المعادلة لمدة مفتوحة طويلة تخوّف كثيرون في الداخل والخارج من ان تتمدّد حتى الانتخابات النيابية، إذا أجريت في موعدها الذي لم يبت بعد. وإذا كانت معظم الآراء تتفق على توصيف معادلة ميقاتي بانها واقعية، فان ذلك لا يطمس إطلاقاً الجانب الآخر الخطير لها الذي يتمثل في التسليم لإرادة تعطيلية يفرضها فريق سياسي حزبي على جميع الافرقاء بغية فرض مقايضة لم يتمكن بعد من انتزاع التسليم بها لأن من شأنها القضاء تماماً على القضاء وفصل السلطات.
اذ لم ينجح المسعى الاخير للرئيس ميقاتي بزيارته عين التينة قبل بعبدا بمعالجة استقالة الوزير جورج قرداحي تسهيلاً للمهمة التي ينوي الرئيس الفرنسي القيام بها مع المملكة العربية السعودية. وعلم ان قرداحي زار ميقاتي اول من أمس والبحث تناول مخرج الاستقالة التي يتمنى الرئيس الفرنسي حملها كورقة في مسعاه مع المسؤولين السعوديين في زيارته المقبلة.
لكن وفق المعلومات ايضاً ان “حزب الله” ما زال معترضاً على استقالة قرداحي، فيما الرئيس نبيه بري والمردة لا يمانعان بها في حال جاءت بمبادرة من قرداحي نفسه.
وفي موضوع مجلس الوزراء، علم ان ميقاتي وعون يريدان تحييد مجلس الوزراء عن الإشكال القضائي، واستئناف الجلسات، الا ان الفريق الشيعي ما زال متمسكاً بمعالجة قضية المحقق العدلي قبل اي شيء آخر. وفي آخر لقاء بينهما، ابلغ عون ميقاتي انه لم يعد يقبل بالموافقات الاستثنائية ولن يوقع عليها بعد الآن طالما ان الحكومة غير مستقيلة ويمكنها الاجتماع واتخاذ القرارات المطلوب اقرارها في مجلس الوزراء. وهذا القرار قد يؤثر على استحقاقات ملحّة وأبرزها المتعلقة بإجراء الانتخابات النيابية بدءاً من تأليف الهيئة الناظمة. وقال انه اضطر لتمرير بعض الموافقات الاستثنائية (عددها اربعة أبرزها صرف اعتمادات للأدوية المزمنة والمستعصية) ولا يمكنه الاستمرار بهذه الموافقات التي تصدر عن حكومة تصريف اعمال، فيما الحكومة مكتملة الاوصاف انما معطلة. ويصرّ عون على وقف هذه الموافقات وعلى العودة إلى مجلس الوزراء.
اما استقالة قرداحي فقد اقتربت كما تؤكد بعض المصادر ولا بد من حصولها عاجلاً ام اجلاً كمدخل للحل المنشود مع بعض دول الخليج. وتؤكد المصادر الرئاسية ان لا خطر على الانتخابات فوفق قانون الانتخاب الحالي، تستمر هيئة الاشراف على الانتخابات القائمة طالما لم تشكل هيئة جديدة. وتؤكد المصادر ان عون يرفض المقايضات بموضوع البيطار، أما إذا رغب مجلس النواب بتحمل مسؤوليته وان يقوم بعمله سواء بأن يقدم عريضة اتهام او ان يؤلف لجنة تحقيق فهذا شأنه، بينما بعبدا من جهتها، ترفض اي مقايضة في أي ملف أكان بقانون الانتخاب او بالمجلس الدستوري او بتعيينات او بتشكيلات او بإقالات. وبموضوع القاضي بيطار، كان الرئيس عون واضحاً بكلامه التلفزيوني في هذا الصدد.
من هنا تقول المصادر الرئاسية، ان الموافقات الاستثنائية توقفت بالمبدأ، والامل بأن تعاود الحكومة اجتماعاتها ولا خوف على الانتخابات ولا على هيئة الاشراف على الانتخابات وفق القانون الانتخابي الجديد.
التريث
ولكن ميقاتي عاد وأعلن امس من السرايا انه “يتريث مجددا في الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء على أمل أن يقتنع الجميع بإبعاد المجلس عن كل ما لا شأن له به، خصوصا وأننا كنا توافقنا على أن القضاء مستقل، وأن اي اشكالية تحل في القضاء ووفق أحكام الدستور، من دون أي تدخّل سياسي”. وأكد خلال رعايته إطلاق منصة دعم البطاقة التمويلية والمشروع الطارئ لشبكة الأمان الاجتماعية، أنه “سعى وما زال يسعى للوصول إلى حل، ويدعم اي خطوة تؤدي إلى تقريب وجهات النظر مراهنا على الحكمة والوعي لدى الجميع لدقة المرحلة وضرورة تكثيف العمل لانجاز الملفات الاساسية لحل الازمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.” وشدد على “ان العمل الحكومي مستمر بوتيرة متصاعدة ومكثفة، في سباق مع الوقت، لانجاز الملفات المطلوبة ماليا واقتصاديا وخدماتيا واجتماعيا”. وأكد “ان ما نحن بصدده اليوم يظهر حجم الكارثة التي نحن فيها ووجوب الاقلاع عن سياسة التعطيل وفرض الشروط”.
ماكرون في دبي
في سياق متصل أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين ان الرئيس ماكرون يصل فجر غد الجمعة إلى دبي حيث يبدأ جولته الخليجية التي تقوده إلى الدوحة مساء الجمعة ويلتقي اميرها الشيخ تميم بن حمد ثم ينتقل صباح السبت إلى جدة للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وتوقعت مصادر الرئاسة الفرنسية ان يتم توقيع اتفاقات عدة في الامارات. ورفض الوزير الاماراتي انور قرقاش في حديث للصحافة المواكبة للزيارة الكشف عن العقود التي سيتم توقيعها في الامارات قائلا انه لن يكشف عن هدية عيد الميلاد الاماراتية إلى الرئيس ماكرون. وتجدر الاشارة إلى ان فرنسا تتفاوض لبيع طائرات رافال إلى الامارات منذ عهد الرئيس ساركوزي. كما توقعت مصادر الرئاسة الفرنسية ان يتم توقيع عقود بين الشركات الفرنسية والاماراتية.
وتعول باريس اهمية كبرى على زيارة ماكرون للسعودية لمحاولة اقناع ولي العهد بتليين موقفه ازاء رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ودعم حكومته. ولكن باريس تريد اقناع السعودية بالانخراط في دعم لبنان ومساعدته على تجنب الانهيار. وعلمت “النهار” من مصادر فرنسية مطلعة ان لقاء ماكرون والبابا فرنسيس الاسبوع الماضي تركز حول القلق البابوي من مغادرة مسيحيي لبنان بسبب الوضع وان ماكرون أكد للبابا انه سيناقش مع دول الخليج ماذا يمكن القيام به لانقاذ لبنان واخراجه من الأزمة المميتة. ويتردد في باريس في اوساط مسؤولة انه يجري التفكير في تنظيم مؤتمر لبناني بين جميع الاطراف على غرار ما تم في اجتماع سان كلو في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ولكن ما زالت مجرد افكار يجري تداولها وماكرون عازم على جس نبض ولي العهد السعودي حول موضوع لبنان والمقاطعة الديبلوماسية السعودية للبلد اذ ان باريس تعتبر انه من الخطأ ترك لبنان إلى محور “حزب الله ” وإيران.