لم تتغير القراءات التي تنتهي بتوقع نتائج إيجابية لمفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني، لكن أصحاب هذه القراءات المتمسكون باسنتاجهم بحتمية التوصل إلى اتفاق في نهاية التفاوض يتوقعون صعوداً وهبوطاً في مناخات المفاوضات، على إيقاع الملفات الساخنة وتحول منصة فيينا إلى صندوق بريد للرسائل في هذه الملفات، وفيما أكدت المصادر الدبلوماسية المتابعة عن قرب للمسار التفاوضي جدية الأوراق التقنية التي يتقدم بها الفريقان الإيراني والأميركي، لوضع ترتيبات إلغاء العقوبات وما يعادلها في عودة إيران لموجباتها، في ظل تأكيد المفاوضين بأنهم جاؤوا لإنتاج اتفاق لا لتثبيت الفشل، بدا المستوى السياسي أشد توتراً، فنقل عن الإيرانيين قولهم للأوروبيين، إن العودة الكاملة للالتزامات الإيرانية يعادلها التراجع الكامل عن العقوبات الأميركية، وأن كل محاولة للحفاظ على بعض العقوبات بذرائع دستورية وقانونية أميركية سيقابلها تمسك إيراني بالحفاظ على مكتسبات إيرانية تحققت من خارج الإتفاق للبرنامج النووي، كتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة أو الحفاظ على كميات من اليورانيوم المخصب على درجات مرتفعة، ضمن معادلة التوازن والتزامن. بينما قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنه غير متفائل بما يجري في المفاوضات، ورد الإيرانيون بأنهم لا يثقون بالأميركيين ووعودهم، وقالت مصادر متابعة للمسار التفاوضي إن مناخ التوتر الذي خيم أمس على فيينا جاء تحت تأثير تصاعد التوتر الروسي- الأميركي حول الوضع في أوكرانيا، والتجاذب حول التحضيرات لقمة مفترضة للرئيسين الأميركي جو بايدن وفلاديمير بوتين.
بينما ظهر من كلام وزيري الخارجي سيرغي لافروف وأنتوني بلينكن أن فرص التوصل لإتفاق حول أوكرانيا لا تزال بعيدة، في ظل إتهامات أوروبية لروسيا بالتحضير لعملية عسكرية تهدف لوضع اليد على مناطق شرق أوكرانيا، تمهيداً لضمها على طريقة شبه جزيرة القرم، وفرض ذلك كأمر واقع، بالإستفادة من مناخ التراجع الأميركي بعد الإنسحاب من أفغانستان.
على خلفية مسار فيينا التفاوضي بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محاولة استثمار بدء المفاوضات لتعزيز دور فرنسا في الملفات الإقليمية من خلال قيادة مبادرات تبريد الملفات الساخنة في المنطقة، فتحركت الدبلوماسية الفرنسية على المرجعيات اللبنانية، وخصوصاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية وقيادة حزب الله، للضغط باتجاه وضع إستقالة الوزير جورج قرداحي ورقة قوة بيد الرئيس ماكرون خلال زيارته القريبة إلى السعودية، ليتمكن من الحصول على موافقة سعودية على تجميد أي إجراءات تصعيدية بحق لبنان واللبنانيين العاملين في السعودية في شكل خاص، ويتسنى لماكرون طلب تشكيل لجان أمنية ودبلوماسية لبنانية- سعودية تعلن فرنسا استعدادها لرعايتها والمشاركة فيها لمناقشة قضايا الخلاف وبلورة حلول لها، آملة الحصول على موافقة سعودية في ظل تشجيع أميركي، تقول المصادر الفرنسية إنها تبلغته في إطار التحضير لزيارة ماكرون.
وكما في لبنان في العراق، حيث قام ماكرون بالاتصال برئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي وبرئيس التيار الصدري السيد مقتدى الصدر طالباً تسهيل الاجتماع الذي ضم أمس في بغداد قادة التشكيلات السياسية التي فرقت بينها نتائج الانتخابات، وضم الاجتماع إضافة إلى الصدر، نور المالكي رئيس كتلة دولة القانون ورئيس كتلة الفتح هادي العامري بالإضافة إلى الشيخ قيس الخزعلي وفالح الفياض والسيد عمار الحكيم، وخرج الاجتماع بإعلان الصدر دعوته لحكومة غالبية وطنية، بعدما كان قد أعلن أن الحكومة المقبلة ستكون صدرية.
في لبنان أعلن الوزير جورج قرداحي أنه سيعقد مؤتمراً صحافياً اليوم يشرح خلاله سياق تقديم استقالته، تسهيلاً لمهمة الرئيس الفرنسي عشية زيارته إلى السعودية.
وعشية زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية، برزت ملامح حلحلة للأزمة الدبلوماسية مع السعودية من خلال توجه وزير الإعلام جورج قرداحي لتقديم استقالته اليوم بعد تدخل فرنسي رفيع المستوى لإيجاد حل للأزمة الحكومية تسبق وصول ماكرون إلى الرياض.
وحتى مساء الأمس كان الجمود مسيطراً على الواقع السياسي وخاصة الحكومي، ليعود خيار الاستقالة إلى الواجهة ويحرك الأزمة الحكومية نحو الحلحلة، وأفادت المعلومات أن قرداحي يتجه إلى إعلان استقالته من الحكومة خلال مؤتمر صحافي وذلك بعد لقاء جمعه بالرئيس ميقاتي الأربعاء الماضي ونزولاً عند طلب الفرنسيين لحل الأزمة قبل لقاء ماكرون بولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ولفتت المعلومات إلى أن “تيار المردة يبحث عن اسم البديل الذي سيخلف قرداحي ومن الأسماء المطر وحة عضو المكتب السياسي في تيار المردة فيرا يمين، وحتى تعيين شخصية بديلة سيكون وزير التربية عباس الحلبي وزيراً للإعلام بالوكالة”.
وفيما لفتت مصادر السراي الحكومي إلى أن ميقاتي لم يتبلغ رسمياً أي شيء عن استقالة قرداحي، وهو كان طلب من الأخير الاستقالة خلال لقاء الأربعاء. أكد قرداحي في حديث تلفزيوني إلى أن “استقالتي هي لإعطاء دفع إيجابي، لمبادرة الرئيس الفرنسي، معلنًا “أنني سأعقد مؤتمراً صحافياً، عند الواحدة بعد الظهر اليوم في وزارة الإعلام”.
وأشارت مصادر مطلعة لقناة الـ”أو تي في” إلى أن “اتصالاً سجل أول أمس “الأربعاء” بين قرداحي ورئيس الجمهورية ميشال عون، بمبادرة من الأول الذي شكر عون على موقفه تجاهه الذي أعلنه في قطر وثمّنه، حيث لم يطالبه بالاستقالة”. ولفتت المصادر إلى أن “عون جدد موقفه على مسامع قرداحي، حيث طالبه بدراسة الموضوع والقيام بما يتناسب مع مصلحة لبنان، وبدوره أكد قرداحي أنه سيفعل ما هو بمصلحة لبنان”.
وفيما لم يصدر المردة ولا حزب الله أي موقف رسمي حيال خيار الاستقالة، أشارت مصادر نيابية في فريق ثنائي أمل وحزب الله لـ”البناء” إلى أن استقالة قرداحي قد تكون الباب لحل الأزمة مع السعودية، ويتم العمل عليه منذ يومين، لكن وفق خطة واضحة تضمن المصلحة الوطنية”. لكن المصادر دعت إلى عدم استباق الأحداث وانتظار نتيجة المشاورات التي تكثفت خلال اليومين الماضيين وستتفعل أكثر خلال الساعات المقبلة للتوصل إلى حل يرضي الجميع”، موضحة أن استقالة قرداحي لا يعني حل الأزمة الحكومية التي تتطلب الاتفاق مع الثنائي أمل وحزب الله والمردة على خريطة للحل حيال أزمة تنحي المحقق العدلي في تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار.
وبحسب معلومات “البناء” فقد أجرى ماكرون مروحة اتصالات بعدد من الدول الفاعلة في الساحة اللبنانية، لا سيما مع الإمارات ومصر والسعودية وحصل تواصل مع إيران وحزب الله لإيجاد مخرج ملائم للازمة، على أن يكون بيد ماكرون ورقة تفاوض تمكنه من الضغط على السعودية لتجميد اجراءاتها ضد لبنان، وفتح حوار مع لبنان حول المشكلات التي تواجه العلاقة بينهما، وبهذا السياق ستأتي استقالة قرداحي، موضحة أن ماكرون على قناعة بأن زيارته إلى السعودية لن تجدي نفعاً بحل الأزمة بلا استقالة قرداحي.
وربطت مصادر سياسية ما بين بداية حلحلة الأزمة بين لبنان والسعودية، وبين انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات بين إيران والدول الكبرى والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الملف النووي الإيراني، لافتة إلى أن السعودية ربطت ما بين الأزمة مع لبنان وبين ملفات أساسية بالنسبة إليها على مستوى المنطقة لا سيما أمن المملكة لجهة التهديد اليمني، وثانياً أمن الخليج في شكل عام والعلاقة مع محيطها، لا سيما إيران ونفوذها ومصالحها في العراق وسورية ولبنان.
وقال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم لـ”التلفزيون العربي” إنَّ “المشكلة تكمن في عقلية السعودية التي ترغب في التحكم في المسار السياسي في لبنان”، وأكد قاسم أنه كلبنانيين “لم نفتعل مشكلة مع السعودية والمبادرة كانت من المملكة نفسها، ولم يصلنا حتى الآن أي موقف سعودي يبيّن مخرجاً حقيقياً لما افتعلته المملكة”.
لكنه أضاف “نؤيد كل قرار يتخذه وزير الإعلام جورج قرداحي، وعند التوصل إلى حلّ مقبول لجميع الأطراف يمكن إستئناف إنعقاد إجتماعات مجلس الوزراء، وندعو إلى الإسراع في إجتماع الحكومة بمعالجة أسباب توقف إجتماعات مجلس الوزراء”.
ولفت قاسم إلى أن “حلفاء حزب الله تعرضوا لاستهداف سياسي واضح من المحقق العدلي طارق البيطار مقابل تحييد أشخاص آخرين، وعلى الحكومة أن تقوم بدور معين لمعالجة تسلط المحقق العدلي في تحقيق إنفجار مرفأ بيروت”.
من جهتها، رأت كتلة “الوفاء للمقاومة” في بيان عقب اجتماعها الدوري بمقرها في حارة حريك، أن “الأزمة الحكومية الراهنة في البلاد، كشفت المزيد من مواطن الخلل التي تحتاج إلى معالجة قانونية ووفاقية”، معتبرة أن “غياب الرؤية الوطنية الواحدة، وتفاوت النظرة إلى الثوابت الحاكمة هما منشأ أغلب الاختلافات حول مقاربة القضايا والمستجدات اليومية التي نواجهها في حياتنا السياسية والعامة.
أما ازدواجية المعايير فهي سبب الإطاحة بالنظام العام وبالقوانين التي تحكم بموجبها السلطات. ومع تنامي الفساد، وانعدام الثقة وحصول الانقسام يأتي الاستقواء بالخارج كعامل إضافي لتعميق الشرخ وتوسيع هوة التباينات”.
واعتبرت الكتلة أن “أوضح أسباب الأزمات المتوالية التي تعصف بالبلاد، محاولة التذاكي لمخالفة الدستور تارة وتجاوز ثوابت الوفاق الوطني تارة أخرى، وخلف ذلك كله تغليب المصالح الشخصية أو الفئوية على مصالح العباد والبلاد واعتماد الاستنسابية في تنفيذ ما جرى التفاهم والتوافق حوله”، لافتة إلى أن “مقاربة الحل في قضية المحقق العدلي يجب أن تكون تحت سقف الدستور، كما أن مقاربة الأزمة السعودية المفتعلة لا تصح بالمجاملة ولا بالاستخفاف بسيادتنا وكرامتنا الوطنية، مع تأكيدنا على أهمية وضرورة تسوية العلاقات اللبنانية مع الدول لا سيما منها الدول العربية الشقيقة. وإلى أن يحصل تعديل للدستور، لن يكون من صلاحيات المحقق العدلي مقاضاة الوزراء ورؤساء الحكومات تحت ضغط قوى خارجية أو موجة انفعال مفهومة تحاول قوى في الداخل استثمارها لمآرب سياسية خاصة”. وأشارت إلى أنه “بمعزل عن أداء المحقق التسييسي والاستنسابي، الذي لا يجوز السكوت عنه، أو التغاضي عن الإجراء القانوني والإداري إزاءه، فإن المخرج للأزمة الحكومية الراهنة يبدأ من العودة إلى الدستور واحترام الأصول الدستورية”.
وأفادت أوساط مطلعة على الاتصالات فيما يتعلق بأزمة تنحية بيطار، إلى أنه “كان من المفترض أن يكون الحل بيد القضاء، وميقاتي عول على ما يمكن أن يقوم به رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، ولكن القضاء ذهب نحو خطوات تصعيدية وعطل الأمر ولم يحل الأزمة”.
وتابعت: “مجلس النواب لا يستطيع أن يأخذ الكرة إلى ملعبه، لأنه لا يمكن تحقيق الأغلبية 65 نائباً لأن تكتل لبنان القوي والحزب الإشتراكي وتيار المستقبل لن يصوتوا، وميقاتي لم ييأس لا سيما أن هناك رغبة خارجية وداخلية باستمرار حكومته”.
فيما أشارت مصادر “البناء” إلى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يجري مرواحة اتصالات لا سيما مع كتلتي المستقبل والتيار الوطني الحر لتأمين نصاب نيابي لعقد جلسة تشريعية وتأمين التصويت لصالح تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تأخذ مهمة إجراء التحقيقات اللازمة، والادعاء على الرؤساء والوزراء المدعى عليهم من قبل المحقق العدلي السابق فادي صوان والحالي طارق البيطار، وإحالتهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمتهم”.
ورجحت المصادر أن يدعو رئيس المجلس إلى جلسة نيابية الأسبوع المقبل وعلى جدول أعمالها بنود اقتصادية ومالية ومصرفية، لا سيما قانون الكابيتال كونترول وتحقيقات المرفأ.
في سياق ذلك، عقدت لجنة المال والموازنة، برئاسة النائب إبراهيم كنعان جلسة في المجلس النيابي لمتابعة درس اقتراح القانون المتعلق بالفائدة على الديون والقروض الصناعية والزراعية والسياحية والمرسوم الرامي إلى ترقية رتباء في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى رتبة ملازم.
على صعيد آخر، وفيما قرر وزير التربية تمديد العطلة المدرسية في عيدي الميلاد ورأس السنة الميلادية بسبب ارتفاع نسبة الاصابات بوباء كورونا، دعا الرئيس عون إلى الإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشار الوباء من جديد والتجاوب مع الحملات المنظمة للتلقيح ورفع منسوب التدابير الوقائية الضرورية، وجهوزية المستشفيات الحكومية والخاصة لمواجهة أي طارىْ.
وعرض عون الوضع الصحي العام في البلاد مع نقيب أطباء لبنان في بيروت شرف أبو شرف الذي اطلعه على الواقع الراهن، مشدداً على ضرورة وضع البلاد في حالة تأهب قصوى لمواجهة تجدد انتشار وباء كورونا والمتحولة الجديدة التي ظهرت في عدد من الدول، لا سيما منها الدول العربية.