بعكس كثير من البلدان التي بدأت تتخذ إجراءات صارمة للتعامل مع متحور «كورونا» الجديد (أوميكرون)، من خلال إقفال حدودها كما تدرس إمكانية فرض منع للتجول خلال الاعياد المقبلة أو حتى فرض إقفال عام، يحاول لبنان المأزوم على الأصعدة كافة، خصوصاً مالياً واقتصادياً أن يوائم ما بين أزمته الاقتصادية والأزمة الصحية التي تعاني منها كل دول العالم المتمثلة بفيروس «كورونا».
فرغم ارتفاع الإصابات اليومية في الآونة الأخيرة، قررت الحكومة اللبنانية تشديد الإجراءات المتخذة خلال شهر الاعياد الحالي، للحؤول دون ارتفاع إضافي بعدد الإصابات، من دون أن تفرض تدابير صارمة، كما فعلت في العامين الماضيين في عيدي الميلاد ورأس السنة، بعد تحذيرات كثيرة تلقتها من أن فرض إقفال المؤسسات التجارية، خصوصاً المطاعم والفنادق والملاهي التي تنتظر هذا الشهر لتعوض بعض خساراتها المتراكمة منذ عامين، سيكون بمثابة الضربة القاضية لما تبقى من مؤسسات تصارع للبقاء.
وكان الأمين العام للهيئات الاقتصادية نقولا شماس أعلن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن «60 في المائة من المؤسسات والمحال التجارية أقفلت في لبنان منذ عام 2019»، مرجحاً: «إذا استمر الوضع على ما هو عليه، ولم تقم الحكومة بالإصلاحات المنشودة، أن تفوق النسبة 70 في المائة حتى آخر السنة». ومع تعثر عمل مجلس الوزراء وتعليق جلساته نتيجة الأزمة السياسية – القضائية التي ترزح تحتها البلاد، وارتفاع سعر صرف الدولار بشكل غير مسبوق، خلال الأسبوعين الماضيين، إضافة للأزمة المستجدة مع دول الخليج، يتوقع اقتصاديون أن تتجه عشرات المؤسسات للإقفال، نهاية العام الحالي، بعدما كانت تحاول الصمود منذ عام 2019، معوّلة على حلول سريعة تتخذها الحكومة فيتم لجم الارتفاع الجنوني بسعر صرف الدولار، وضخ بعض الدولارات في الاقتصاد اللبناني للنهوض من جديد.
ويشدد رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير على أن الاقتصاد في لبنان «لم يعد يحتمل أن يُرشَق بوردة؛ فكيف الحال فرض إقفال عام بسبب متحور (كورونا) الجديد»، معتبراً أنه «لطالما شكل شهر ديسمبر (كانون الأول) 30 في المائة من الناتج المحلي»، مضيفاً: «وان كنا لا نتوقع أن تكون النسبة كما كانت عليه قبل الأزمة، فإننا نعول على حركة، خاصة أن الكثير من اللبنانيين المغتربين يُفترض أن يقضوا عطلة العيد في بلدهم». ويشير شقير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «مقاطعة السياح الخليجيين للبنان خلال فترة العيد أمر مفروغ منه، طالما لم يتم السير بتسوية تعيد العلاقات مع دول الخليج إلى ما كانت عليه»، معتبراً أنه «لو كان الوزير جورج قرداحي يمتلك ذرة ضمير وطني لكان تقدم باستقالته منذ اليوم الأول للأزمة»، مضيفاً: «كثيرون لا يدركون حجم الضرر الذي تسببه الأزمة مع المملكة، وهو ضرر لا شك لا يقتصر على خسائر الاستيراد والتصدير بل يطال بشكل أساسي صناعة الخدمات».
من جهتها، ترى الباحثة في الشأنين الاقتصادي والمالي والأستاذة الجامعية الدكتورة ليال منصور أن «بعض المسؤولين الذين يدفعون باتجاه الإقفال العام خلال فترة الأعياد يعتقدون أنه سيكون أقل تكلفة على الدولة، من حيث بدل النقل كما أنه قد يلجم التضخم ويبطئ وتيرة ارتفاع سعر الصرف، خاصة أن هناك ترقباً لمزيد من الارتفاع في الشهر الأخير من العام»، لافتة إلى أن «الإقفال العام أو أي إجراءات صارمة خلال هذا الشهر سيكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد، خصوصاً على التجار، لكن مفعولها لن يكون مدمراً على باقي اللبنانيين الذين يتكل قسم كبير منهم على التحويلات الخارجية». وتضيف: «نحن نتكل في فترة الأعياد على مجيء المغتربين للإنفاق داخل لبنان، لأن اقتصار مساهمتهم على التحويلات لن يكون كافياً، لأن أهاليهم لا يصرفون كامل ما يصل إليهم، إنما يفضلون صرف قسم من التحويلات». وتشدد منصور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على وجوب «حل الأزمة مع دول الخليج نظراً لتداعياتها الكبيرة على الاقتصاد اللبناني، التي لا تقتصر على التصدير، إنما بشكل أساسي على عامل الثقة التي تمنحنا إياه العلاقة مع السعودية ودول الخليج، الذي يسهل الحصول على ثقة عالمية».