.. أتت استقالة قرداحي أمس من باب “تحصيل الحاصل ولزوم ما يلزم” كما أكدت مصادر معنية، موضحةً أنّ أهميتها تكمن في أنها “حرّرت الحكومة من عبء كان يثقل كاهلها عربياً وخليجياً، وكان لا بدّ من التخفف منه على قاعدة أن تأتي الاستقالة متأخرة أفضل من ألا تأتي”. ولفتت في هذا السياق إلى أنّ قرداحي نفسه أقرّ بالأمس أنّ بقاءه في الحكومة “أصبح عبثياً” لكنه على ما بدا من تسليمه أخيراً بوجوب الإقدام على خطوة الاستقالة، سعى إلى محاولة “تسليفها إلى الفرنسيين فقدّمها عملياً إلى الرئيس إيمانويل ماكرون وليس إلى الرئيس نجيب ميقاتي، وإن كان الأخير هو فعلياً من “ربح المليون” جراء التخلّص من قرداحي على أمل بأن تعيد استقالته فتح أبواب السعودية في وجهه”.
وبمجرد وضع رئيسي الجمهورية والحكومة اليد على كتاب الاستقالة، سارع الرئيس ميشال عون إلى إبداء تمنياته بأن “تضع حداً للخلل الذي اعترى العلاقات اللبنانية – الخليجية”، وتعاطى معها الرئيس ميقاتي بوصفها “كانت ضرورية” غير أنه كان أكثر واقعية في مقاربة المفاعيل المرتقبة منها من خلال إشارته إلى أنها تفتح مجرد “باب لمعالجة إشكالية العلاقة مع الأشقاء في المملكة ودول الخليج بعد تراكمات وتباينات حصلت في السنوات الماضية”.
وفي بيان رسمي أصدره لمناسبة استقالة قرداحي، وحمل في توقيته ومضامينه “متمّمات حكومية” مطلوبة منه عشية زيارة الرئيس الفرنسي إلى السعودية، جدد ميقاتي “الحرص على النأي بالنفس عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وفي أي نزاع عربي- عربي”، مؤكداً عزم حكومته على “التشدد في إتخاذ الاجراءات الكفيلة بضبط الحدود البحرية والبرية ومنع كل أنواع تهريب الممنوعات الذي يضر بأمن الدول العربية الشقيقة وخصوصيتها، ولا سيما منها دول الخليج والسعودية بشكل خاص”. ودعا في الوقت عينه “كل الأطراف اللبنانية الى وضع المصلحة اللبنانية فوق كل إعتبار، وعدم الاساءة بأي شكل من الأشكال الى الدول الشقيقة والصديقة أو التدخل في شؤونها”، في مناشدة واضحة لـ”حزب الله”، أعقبها بمناشدة أخرى طالب فيها الحزب من دون أن يسميه بضرورة “العودة إلى طاولة مجلس الوزراء للقيام بتنفيذ ما هو مطلوب من الحكومة في هذا الظرف الصعب”.
وإذا كان رئيس الحكومة ختم بيانه بإبداء “أسفنا لما حصل سابقاً وأن يكون صفحة من الماضي قد طويت”، متطلعاً الى “اعادة العلاقات الطبيعية” مع السعودية ودول الخليج، أصبحت كل آمال ميقاتي في هذا الصدد معقودة على وساطة الرئيس الفرنسي مع السعوديين بعدما تمكّن من أن يحمل معه ورقة استقالة قرداحي كبادرة حسن نوايا حكومية إزاء المملكة. لكن وعلى الرغم من ذلك، فإنّ ما ينتظر ماكرون في الرياض هو “مهمة لبنانية شاقة” وفق توصيف أوساط مواكبة، مذكرةً بأنّ وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان كان قد شدد علناً على أنّ “الأزمة هي ليست مع لبنان إنما هي في لبنان”، ربطاً بإحكام “حزب الله” قبضته على مفاصل القرار في الدولة، فضلاً عن إشكاليات جوهرية تتصل بمسألة تهريب المخدرات إلى المملكة عبر الموانئ اللبنانية. وفي ضوء ذلك، توقعت الأوساط “أن تشكل استقالة قرداحي مدخلاً لماكرون لكي يفاتح القيادة السعودية بالملف اللبناني، لكنه حكماً سيسمع موقفاً واضحاً بضرورة أن تتجه المعالجات اللبنانية نحو جذور المشكلة وعدم الاكتفاء بقشورها”.
وكان الرئيس الفرنسي قد عبّر أمس عن أمله في أن يتمكن من “تحقيق تقدم في (ملف) لبنان خلال الساعات المقبلة”، مكتفياً في تعليقه من الإمارات العربية المتحدة على نبأ استقالة قرداحي بالقول: “أبقى حذراً لكن رغبتي على الصعيد الاقتصادي والسياسي هي التمكّن من إعادة إشراك جميع دول الخليج في العلاقة مع لبنان”، واستدرك مضيفاً: “لم نصل بعد الى نهاية الطريق، لكنني آمل في أن تتيح الساعات المقبلة لنا إحراز تقدم” في إشارة إلى محادثاته المرتقبة في السعودية.