قدّم وزير الاعلام جورج قرداحي استقالته، تزامنا مع الجولة التي بدأها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للامارات وقطر والسعودية لعلها تخفف من حدة الازمة الخليجية – اللبنانية. وهذه الاستقالة تشكل دينامية وتفتح ابواب حلول، فهل ستتفاعل السعودية بطريقة مختلفة مع لبنان بعد الاستقالة ؟
وفي هذا النطاق، كان شرط الرئيس الفرنسي الاساسي ان يقدم قرداحي استقالته، ليتمكن من التفاوض مع المملكة العربية السعودية على الملف اللبناني، والحصول على ورقة حسن نيات من قبل لبنان الرسمي. وهذه الاستقالة تعزز وضع ماكرون من ان يكون له دور مع المملكة من اجل تهدئة الامور، وفتح قنوات للحوار حول العلاقة المستقبلية بين السعودية ولبنان. وحتى اللحظة لا يزال ماكرون يعمل ضمن المبادرة الفرنسية، رغم ان اتجهاتها اختلفت وتعددت، انما ما حصل ويحصل هو جزء لا يتجزأ من الدور الفرنسي في لبنان الحريص على الاستقرار اللبناني. وعليه، امام هذا الواقع، حصلت استقالة وزير الاعلام، وتوقيتها يدل على انه كان مطلب فرنسي. وفي هذا المسار، لا يمكن ضمان اي شيء، ولكن باريس ستضع كل جهدها بان يبقى لبنان ضمن مرحلة انتقالية، خصوصا على مستوى الحكومة التي سيتركز عملها على ملفين: وضع لبنان المالي والاقتصادي وثانيا الانتخابات النيابية.
هل استقالة القرداحي ستعيد الزخم للعلاقة اللبنانية – السعودية؟
بداية، تعامل الاعلام العربي التابع للسعودية ببرودة مع خبر استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، حيث اعتبرته قرار عادي. فهل ستغيرالسعودية تعاملها مع لبنان بعد استقالة قرداحي؟ من جهته، يراهن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على تحسين العلاقات اللبنانية – السعودية من خلال ادائه في الحكومة، الذي سيؤدي الى تعاون سعودي معه وفقا لاوساط سياسية مطلعة. وانطلاقا من ذلك، سيوجه ميقاتي دعوة لاجتماع مجلس الوزراء مطلع الاسبوع المقبل.
في المقابل، تسود وجهتا نظر داخل فريق 8 آذار، تقول احداها ان الاستقالة لزوم ما لا يلزم، وان السعودية ستطلب المزيد من التنازلات المجانية، واستقالة قرداحي مجانية بالطريقة التي تمت فيها.
بينما تقول وجهة نظر اخرى، انها ترفع تهمة تعطيل البلد عن كاهل فرنجية وحزب الله و8 آذار، وترمي الكرة في ملعب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وكل من طالب قرداحي بالاستقالة، وبالتالي عليهم ان يثبتوا انهم قادرون على حل الازمة مع السعودية بعد الاستقالة.
من هو البديل عن جورج قرداحي؟
اشارت اوساط بارزة في 8 آذار الى ان خلفيات استقالة قرداحي والساعات الاخيرة والتي افضت الى اعلانها امس، على لسان قرداحي نفسه، لا تزال قيد الكتمان وفي عهدة رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، والذي سيعلن موقفاً مما جرى من الاثنين وحتى يوم الاستقالة.
وفي المداولات، يتردد اسم القيادية في «المردة» فيرا يمين لتكون خليفة قرداحي، رغم تكتم «المردة» ايضاً، عن الاسم البديل لقرداحي.
حلول لم تتبلور لانهاء ازمة البيطار
على صعيد متصل، كشفت اوساط وزارية لـ «الديار» ان مجموعة اتصالات ولقاءات حصلت ادت الى استقالة قرداحي للتوصل الى مخرج نهائي للمسائل الداخلية العالقة ابرزها قضية القاضي طارق البيطار، الا ان الاوساط الوزارية اوضحت ان الصيغة لم تكتمل بعد، وذلك للخلاف الحاصل على الحلول المطروحة.
ولفتت هذه الاوساط الى ان لقاءات عدة جمعت بين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ومستشار الامين العام لحزب الله حسين خليل، كما حصلت اتصالات عدة بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وفريق الرئيس نبيه بري لحلحلة ازمة القاضي البيطار، غير ان جميعها لم تؤد الى النتيجة المطلوبة. وفي التفاصيل، تناولت الاوساط الوزارية الحلول المطروحة من بينها:
– تشكيل هيئة اتهامية من المجلس النيابي، الا ان هذا الحل دفن في مهده.
– كان هناك حل يقضي باجراء تعديلات على اسماء القضاة في مجلس القضاء الاعلى، لكن هذا الحل فشل ايضا حيث تمسك بري بالقاضي علي ابراهيم، اما الرئيس عون فقد رفض المس برئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود. وهنا تضاربت المعلومات حول موقف العهد والوطني الحر من سهيل عبود، حيث قالت هذه المعلومات ان عبود اوقف مع القاضي البيطار في تحقيقات المرفأ مسؤولين محسوبين على التيار الوطني الحر.
– اما الاقتراح الذي يظهر انه الاكثر حظا من بين كل الاقتراحات، فهو قيام الرئيس بري بتفعيل لجنة محاكمة الرؤساء والوزراء، وبذلك يكون الحل بسحب مذكرات التوقيف من يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار الى هذه اللجنة. من هنا دعا بري لجلسة يوم الثلثاء المقبل ويحاول اقناع «تكتل لبنان القوي» بحضور الجلسة لتأمين النصاب، ويترك باسيل حرية القرار لنوابه بالتوصيت مع او ضد، مقابل تصويت المغتربين اللبنانيين لستة نواب في ست قارات وليس لـ 128 نائبا في الداخل اللبناني كما يرغب تكتل لبنان القوي.
كما كشفت الاوساط الوزارية، انه اذا صوّت «لبنان القوي» فرئيس مجلس النواب سيسهل اقرار دورة ضباط 1994 التي تعرف بدورة العماد ميشال عون. هذا الامر قد يشمل ايضا تحالفات انتخابية بين حركة امل والتيار الوطني الحر في عدة دوائر في لبنان، باستثاء جزين والبقاع الغربي. وفي الحقيقة، تؤكد الاوساط الوزارية ان الثنائي الشيعي يحبذ اولا واخيرا فكرة تفعيل لجنة محاكمة الرؤساء والوزراء من البرلمان، لان ذلك يشكل مكسبا للطائفة الشيعية، بما ان بري هو رئيس المجلس النيابي وبطبيعة الحال سيكون له دورا بارزا في هذا الشأن.
ولكن حتى اللحظة، كل هذه الاقتراحات لا تزال حبرا على ورق، وبالتالي الصيغة النهائية لمسألة القاضي البيطار، الذي لا يمكن ازاحته من القضاء بل فقط بنقل مهامه الى لجنة في البرلمان، وبالتالي لم تتبلور الصيغة النهائية بسبب التجاذبات السياسية.
من جهة اخرى، ترى اوساط مطلعة ان الخروج من الازمة المتعلقة بالقاضي البيطار صعب جدا طالما ان لا كيمياء بين الرئيسين عون وبري، لان العلاقة لم تستقم قبل انتخاب العماد ميشال عون للرئاسة، وابان عملية الانتخاب، حيث ان كتلة «امل» لم تنتخبه. وكان بري يقول سابقا في مجالسه، لا نريد ان ننتخب رئيسين للجمهورية العماد عون وجبران باسيل. بيد ان هذه العلاقة بين عون – بري شهدت سخونة، حيث تحدث النائب جبران باسيل عن «تكسير رأس الرئيس بري»، الا ان الامور انتظمت تجنبا للاشتباك في الشارع. اضف الى ذلك، ان العلاقة بين الطرفين تشهد باستمرار حملات اعلامية وسياسية ضد بعضهما، ومن الواضح انه حتى هذه اللحظة ان الامور لم تهدأ بين عون وبري، على رغم ان حزب الله يتوسط بين الرئيسين ومع النائب باسيل من اجل معالجة هذه الازمة، لان حزب الله لا يريد ان تذهب الامور الى ما لا يحمد عقباه.
وفي السياق ذاته، تتساءل هذه الاوساط المطلعة، اذا كان التيار الوطني الحر سيتمكن في هذا التوقيت، والانتخابات النيابية تقترب، ان يغطي مجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء التي سيعمل عليها المجلس النيابي؟ ذلك انه كان سابقا يرفض هذا المنحى ويرفض تكبيل القاضي البيطار من دون معرفة سياق الامور. ام ان الجميع يريد الخروج من هذه الازمة واعادة انتظام الامور؟
هل ستنعقد الحكومة قريبا؟
وعن مدى انعكاس استقالة قرداحي على معاودة اجتماع الحكومة لجلساتها، تشير الاوساط الى ان لا ارتباط بين الامرين. فتوقف جلسات مجلس الوزراء بعد امتناع «الثنائي الشيعي» و»تيار المردة» عن حضورها مرتبط بالمطالبة بتصحيح وضع المحقق العدلي في قضية إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
وتؤكد الاوساط انه حتى الساعة لم يستجد اي امر يتعلق بتصحيح مسار التحقيقات، مجلس النواب لم يقر بعد المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ولا يزال «التيار الوطني الحر» يعطل اي نصاب لهذه الجلسة، ولذلك لم يدع الرئيس نبيه بري الى جلسة تشريعية متعلقة بالمجلس الاعلى حتى الساعة!
وتشير الاوساط الى ان لا جلسة للحكومة نهاية هذا الاسبوع، وليس واضحاً ان هناك مؤشرات لانعقاد الحكومة الاسبوع المقبل.
النائب عبدالله لـ «الديار» : يجب ان تترافق الاستقالة بمبادرات سياسية وحوارية مع الدول العربية
من جهته، اعتبر النائب بلال عبدالله المنتمي الى الحزب التقدمي الاشتراكي لـ «الديار» ان استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي جاءت متأخرة، ولكن خير ان تأت الاستقالة متأخرة من ألا تأت ابدا. ودعا الدولة الى استكمال هذه الخطوة بمجموعة مبادرات حوارية وسياسية مع المحيط العربي للتأكيد ان لبنان متمسك بهويته العربية وهو بلد منفتح يعتمد الحياد الايجابي، اي بمعنى آخر اعتبار «اسرائيل» العدو الوحيد، اما في الصراعات الاخرى على لبنان ان ينأى بنفسه عنها.
اما عن المشكلة الكامنة في الصراع السياسي – القضائي والذي يشل عمل الحكومة، شدد عبدالله على ان حزبه حريص على فصل هذان المساران عن بعضهما، لان الحكومة الحالية لديها واجبات اصلاحية واقتصادية غير قابلة للتأجيل، وليس لديها الكثير من الوقت لتحقيق هذه الاهداف. وتابع ان العلاقات اللبنانية – الخليجية اذا تأزمت في الخلاف على المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في انفجار المرفأ، لا يجب ان تؤثر سلبا على عمل الحكومة، بل يجب تحييد هذه المسائل عن مجلس الوزراء، خاصة في ظل اقسى ازمة اقتصادية مالية معيشية يشهدها لبنان.
وحول كلام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عن ضرورة مساعدة الجيش وتوسيع مروحة هذه المساعدات انسانيا وماليا وعسكريا، اوضح عبدالله ان جنبلاط لديه هاجس من التفلت الامني، ويرى ان المؤسسة العسكرية هي الوحيدة التي تحمي لبنان وتحافظ على استقراره، وهي مناسبة للالتفاف الى وضع الجيش. اضاف النائب بلال عبدالله انه على المجتمع الدولي ان تشمل مساعداته القطاع الاستشفائي المنهار.
وعن كلام الرئيس عون بانه لن يسلم للفراغ ولن يسلم الا لرئيس جمهورية يشبهني، قال عبد الله ان هذا امر يصعب تحقيقه الى جانب تصريحه الاخير لقناة «الجزيرة»، حيث قال سأترك الرئاسة الا اذا مدد لي مجلس النواب، هذان التصريحان عكسا اشارتين مقلقتين في ظل اقتراب موعد الانتخابات النيابية، فضلا اننا لا نريد ان نرتكب الخطأ مرتين بعدم انتخاب رئيس للجمهورية لمدة سنتين وادخال البلاد بازمة اضافية وهي الازمة الرئاسية.
يذكر ان النائب وليد جنبلاط كان قد علق على تصريحات رئيس الجمهورية ميشال عون لقناة «الجزيرة»، والحديث عن تمديد ولايته في حال طلب منه مجلس النواب ذلك، قائلا: «البرلمان لن يطلب ذلك بتاتاً، سيكون هناك دائما أغلبية أو أقلية كي تقول لا، كنا 29 نائباً في السابق وقلنا لا لتمديد ولاية إميل لحود في العام 2004. وبالتالي لا يمكن لعون أن يعارض رغبتنا في نهاية عهده، وعليه أن يرحل».
كما اعتبر جنبلاط أنّ تمديد ولاية عون سيكون تصرفاً غير دستوري، مشيراً إلى أنّ طموح عون السياسي الحقيقي هو تسليم السلطة بطريقة غير دستورية إلى صهره جبران باسيل على الرغم من كل الصعاب والعقبات.
«القوات اللبنانية»: استقالة قرداحي ضرورية لمنع التصعيد
من جانبها، رأت مصادر «القوات اللبنانية» ان استقالة وزيرالاعلام جورج قرداحي كان يجب ان تحصل منذ اللحظة الاولى، لانها كانت ضرورية وشرط ملزم من اجل تجميد اي خطوات تصعيدية وفتح النقاش بمعالجة هذه الازمة العميقة. وتابعت ان المساحة الفاصلة بين الدولة وحزب الله ازيلت في هذا العهد الحالي حيث استطاع حزب الله زيادة نفوذه، ولذلك نعتبر ان التغيير الحقيقي يأتي باعادة انتاج للسلطة والمحافظة على علاقات لبنان مع محيطه العربي.
اضافت المصادر: اما لجهة الشلل الحكومي، فهو مؤسف انه يحصل في ظل ازمة اقتصادية ومالية ومعيشية قاسية، ولا نرى اي مؤشر ايجابي لانهاء الجمود الحكومي حاليا.