أهلاً بك “أوميكرون”… متحوراً جديداً في أرض المتحوّرات اللبنانية، حيث تتناسل المصائب وتتوالد المآسي من رحم الأزمات السياسية والسيادية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والصحية، تحت قبضة سلطة “موبوءة” توغلت وأوغلت هتكاً وفتكاً بالمناعة الوطنية فامتهنت إذلال اللبنانيين وإفقارهم ونهب مقدراتهم وتجيير مكتسباتهم العامة والخاصة لحساب مافيا الحكم، بجناحيها السياسي والمالي.
وبالأمس، أطلق المصرف المركزي العنان لتفشي جائحة “تذويب الودائع” بالعملات الأجنبية في المصارف اللبنانية، فارضاً “تحوّراً” جديداً في بدعة “اللولار” يرفع سقف السحوبات النقدية بموجب التعميم 151 إلى 8000 ليرة للدولار المصرفي الواحد تحت سقف إجمالي لا يتعدى سحب 3000 دولار شهرياً، فانتعشت على الفور أعمال السوق السوداء لامتصاص الكتلة النقدية الناتجة عن الفارق بين تسعيرة الـ3900 ليرة القديمة للسحوبات والتسعيرة المستحدثة، وانطلق تالياً سعر صرف الدولار في رحلة صاروخية جديدة بلغت مدار الـ26 ألف ليرة مساءً مع ما سيستتبع ذلك من ارتفاع مضطرد في الأسعار الاستهلاكية يقابله انهيارات دراماتيكية في قدرة المواطنين الشرائية.
وإذا كان صحيحاً أنه لم يعد مقبولاً أن تبقى السحوبات المصرفية النقدية من الحسابات بالعملات الاجنبية عند مستويات متدنية تبخس حق المودعين بفوارق فلكية بين تسعيرة اللولار وسعر الدولار، لكنّ الصحيح أيضاً أنه ليس من المقبول رفع هذه السحوبات اعتباطياً في ظلّ غياب الإصلاحات وخطط الإنقاذ الحكومية والمالية. ورغم ذلك كان وقع خبر زيادة قيمة السحوبات الدولارية بالليرة اللبنانية إيجابياً على المستفيدين من مفاعيل التعميم 151، وخصوصاً أولئك الذين يسحبون رواتبهم من المصارف على أساسه، لكن سرعان ما ستنهش أنياب “الاقتصاد المتوحش” هذه الزيادة وستتآكلها الأسعار وكلفة المعيشة مقابل تدنّي قيمة العملة الوطنية مع كل وثبة للدولار في السوق السوداء. ويلفت الخبير الإقتصادي وليد ابو سليمان إلى أنّ خفض سقف السحوبات المصرفية من الحسابات بالعملة الأجنبية يعني أنّ المودعين الذين يحتاجون إلى سحب المزيد من الأموال لمجاراة ارتفاع الأسعار سيحصلون عليها على سعر صرف الـ1500 ليرة، منوهاً في الوقت عينه بأنّ “المصرف المركزي نفسه سبق أن حذر من الإقدام على خطوة زيادة تسعيرة السحوبات المصرفية وفق التعميم 151 نظراً لتداعياتها التضخمية الأكيدة”.
في جميع الأحوال، ينضمّ هذا الإجراء الجديد إلى سلة “الحلول الترقيعية” المفروضة قسراً على اللبنانيين في ظل انعدام النوايا الجدية لتطبيق حلول جذرية وتنفيذ خطط إصلاحية شاملة لتطويق مفاعيل الأزمات المستفحلة في البلد، على أن خطة مافيا المال والسلطة كانت وستبقى بحسب الخبراء استنفاد أرصدة المودعين حتى آخر “سنت” تحت وطأة هيركات قسري كان يتجاوز الـ500% مع السحوبات وفق تسعيرة الـ3900 ليرة، وانخفض اليوم مع رفع سقف السحوبات إلى 8000 ليرة ليناهز نحو 212% نسبةً إلى سعر 25000 ليرة في السوق الموازي للدولار، والذي من المتوقع ألا يتأخر في إعادة رفع هذه النسبة عاجلاً وليس آجلاً.
وفي الغضون، تتواصل المناشدات الخارجية الدولية والعربية للحكومة اللبنانية باستعجال خطط الإصلاح والإنقاذ وفرملة الانهيار، وقد أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على مسامع الرئيس نجيب ميقاتي أمس “حاجة لبنان إلى وفاق سياسي لاعادة استنهاضه من الكبوة التي يعاني منها”. وكذلك كانت رسالة جامعة الدول العربية واضحة على لسان مصدر مسؤول في الأمانة العامة للجامعة نقل عن أمينها العام أحمد أبو الغيط عقب استقبال ميقاتي “تأكيده على أن تحقيق التوافق الداخلي، وإن كان مهماً من أجل المضي قُدما في طريق الإصلاحات لاستعادة الثقة في الاقتصاد اللبناني، إلا أنه لا ينبغي أن يكون نافذة لتعطيل الإجراءات الاصلاحية التي يطالب بها المجتمع اللبناني والدولي”، مع تشديد أبو الغيط في الوقت عينه على ضرورة “تعزيز علاقات لبنان بمحيطه العربي” باعتباره “يشكل جانباً مهماً من تجاوز التحديات التي تواجه البلاد”.
وعلى وقع مطالبة الحكومة اليمنية أمس الحكومة اللبنانية باتخاذ “موقف حاسم” إزاء استمرار تدخل “حزب الله” في الشأن اليمني ودعمه للحوثيين عقب “مقتل الخبير والقيادي في “حزب الله” أكرم السيد بقصف مدفعي للجيش اليمني في جبهة أم ريش بمأرب”، جدد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الإشارة إلى أنه “لا يوجد أزمة بين السعودية ولبنان، إنما هي أزمة في لبنان بين “حزب الله” والشعب اللبناني”، مؤكداً وجوب “أن نرى أفعالاً وليس أقوالاً من الحكومة اللبنانية وأن نرى إصلاحات حقيقية”.
وتزامناً، تبلور موقف خليجي موحّد إزاء الأزمة اللبنانية من خلال جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على عدد من دول مجلس التعاون، لا سيما مع ضمّ قطر صوتها إلى صوت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في التأكيد على أهمية “إجراء إصلاحات شاملة تضمن تجاوز لبنان لأزماته، وألا يكون منطلقاً لأي أعمال تزعزع أمن المنطقة واستقرارها أو ممراً لتجارة المخدرات” كما جاء في بيان سعودي – قطري مشترك في ختام المحادثات التي أجراها ولي العهد السعودي مع أمير قطر.