كاسراً حاجز الـ27 ألف ليرة، وخارقاً السقوف باتجاه الألفية الثلاثين، يواصل الدولار رحلته الصاروخية وسط عجز فادح للدولة وأداء فاضح للسلطة الحاكمة التي تركت اللبنانيين يصارعون “جهنّم” وبئس المصير معيشياً وحياتياً دون أيّ معيل في الداخل أو معين من الخارج… ولا تزال “الاتصالات مستمرة لإيجاد حل للوضع الحكومي”، وفق ما طمأن الرئيس نجيب ميقاتي الموفد الرئاسي الفرنسي بيار دوكان، مع إبداء عزمه في الوقت نفسه على الاستمرار في سياسة التريث ومحاذرة استفزاز الثنائي الشيعي، انطلاقاً من قناعته بأنّ “الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء من دون تأمين الظروف المناسبة قد تسبب مزيداً من التشنج السياسي وتعقّد الحلول أكثر فأكثر”.
لكن إذا كان ميقاتي يتصرف بما يرضي “حزب الله” عبر تبريد أرضية مجلس الوزراء و”تبنيج” الأزمة الحكومية ريثما يصار إلى “فك الاشتباك” نيابياً مع المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار، فإنّ أوساطاً مراقبة ترى أنه يُحسن في المقابل ممارسة سياسة “الذبح بالقطنة” مع “حزب الله” في ملف العلاقات مع دول الخليج العربي، مشيرةً إلى أنّ “عوارض الانزعاج بدأت تظهر في الآونة الأخيرة بين أوساط “الحزب” من أداء ميقاتي، لا سيما على خلفية مجاراته الاحتجاج البحريني وذهابه بعيداً في التماهي مع الإدانة الخليجية لأداء “حزب الله” في لبنان والمنطقة”.
وفي هذا السياق، اندرجت توجيهات رئيس الحكومة لوزارة العدل أمس بإرسال كتاب إلى النيابة العامة التمييزية “لاجراء التحقيقات الفورية وإتخاذ الإجراءات اللازمة” بشأن عقد مؤتمر صحافي في الضاحية الجنوبية لبيروت برعاية “حزب الله” وتضمّن إساءات لمملكة البحرين، وذلك انطلاقاً من “حرص لبنان على علاقاته الخارجية لا سيما مع الدول العربية الشقيقة، وبشكل خاص مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومنع أي تطاول أو تعرض أو تعكير لصفو هذه العلاقات”، كما جاء في موضوع الكتاب، بالتوازي مع “بيان إسناد” من وزير الداخلية بسام مولوي أكد فيه “الالتزام الثابت بألا يكون لبنان ممراً للإساءة للبحرين أو إلى أي دولة من دول الخليج العربي، والحرص على متابعة الاجراءات التي بدأت مع الأجهزة الأمنية والهادفة الى منع كل إساءة أو تعرض لأمان المجتمعات العربية”.
أما على المقلب الآخر، فيواصل الثنائي الشيعي رفع سقف التحدي والتشنج في الملفين الحكومي والقضائي، وقد برز أمس بلوغ وزير الثقافة محمد مرتضى مستوى تخوين القضاء على قاعدة الربط بين “العدالة والعمالة” في مسار التحقيق العدلي في انفجار المرفأ، بينما تولت “حركة أمل” التصويب مباشرة على رئيس الجمهورية ميشال عون على اعتبار أنّ “من رفع جلسة مجلس الوزراء (الأخيرة) هو من يتحمّل مسؤولية تعطيل انعقاده وهو المسؤول عن إخراج المجلس من هذه الأزمة وعليه أن يبادر إلى القيام بالواجب”.
وفي خضمَ مشهدية التعطيل الحكومي والتنكيل بالمهمة الإصلاحية، لم يجد الموفد الرئاسي الفرنسي أمس سوى التعويل على “استمرار المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي”، باعتبارها “من التطورات الإيجابية” مع تشديده في الوقت عينه على “ضرورة إرساء المبادئ العامة لمعالجة الأزمة اللبنانية قبل التوصل إلى اتفاق مع الصندوق، ووجوب إنجاز هذا الاتفاق قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة”.
غير أنّ حصر دوكان “مباحثاته الرئاسية” في لبنان بالسراي الحكومي، كان وقعه ثقيلاً على قصر بعبدا، لا سيما وأنّ دوائر سياسية وإعلامية أدرجت الموضوع في سياق واحد مع حصر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تواصله مع ميقاتي عقب محادثات جدة اللبنانية من دون المبادرة إلى الاتصال برئيس الجمهورية لوضعه في أجواء هذه المحادثات ومضامينها… ما طرح علامات استفهام كبيرة عما إذا كانت باريس قررت مقاطعة عون على مستوى التواصل المباشر مع الإليزيه، وأبقت قنوات التواصل الديبلوماسي مفتوحة معه عبر السفيرة آن غريو التي كانت تولت بنفسها مهمة زيارة قصر بعبدا لإطلاع عون على نتائج المباحثات الفرنسية – السعودية.
وفي المقابل، حرصت مصادر بعبدا على تحجيم مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي والتقليل من أهمية عدم طلبه موعداً لزيارة رئيس الجمهورية، معتبرةً أنّ “مهمته بطبيعتها تقتصر على الشق التقني من المعالجات المطلوبة، وبالتالي فإنّ لقاءاته محصورة بالوزراء المعنيين بملفات الكهرباء والمياه والتربية والملفات المالية ومفاوضات صندوق النقد”، وأضافت: “أما عن زيارته السراي الحكومي، فمن البديهي أن يلتقي بالرئيس ميقاتي لاستكمال النقاش معه حول المراحل التي قطعتها الحكومة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى الوعود التي كان ميقاتي قد قطعها للرئيس ماكرون سواءً في لقاء الإليزيه أو عبر اتصال جدة”.
وبينما يلتقي عون وميقاتي في تصاريحهما اليومية عند التأكيد على كون المفاوضات مع صندوق النقد تسير قدماً ودخلت مراحلها الأخيرة، استرعى الانتباه أمس تصريح لعضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي فياض في خلال لقاء سياسي نظمه “حزب الله” نعى فيه صراحةً هذه المفاوضات، جازماً بأنّها “لم تفض إلى نتائج عملية لأنّ كل النتائج العملية هي مؤجلة الى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة”.