خطيرٌ ما يحصل في البلاد منذ شهور حتى اليوم. لا يكمن الخطر في ارتفاع سعر صرف الدولار المريب، ولا بوقوف البلاد على حافة المجاعة إثر انعدام القدرة الشرائية، ولا حتى بانقطاع الكهرباء، وانهيار القطاعات الاستشفائية والتربوية والمصرفية وغيرها، بل يكمن الخطر في استقالة السلطة السياسية من مسؤولياتها ومراقبة انهيار الهيكل على رؤوس الجميع دون التحرّك، لأسبابٍ داخلية فئويّة ضيّقة وخارجية مرتبطة بملفات إقليمية.
يوم أمس، سجّلت الليرة اللبنانية انهياراً تاريخياً جديداً أمام الدولار الأميركي، فوصلت قيمة الدولار إلى أكثر من 28,500 ليرة. مع ارتفاع سعر الصرف، بدأت أسعار السلع والخدمات ترتفع أيضاً حتى بات المواطن غير قادر على توفير أي من الأساسيّات لعائلته، لا سيّما المازوت أو الكهرباء لتأمين التدفئة مع تأثّر لبنان بمنخفضٍ جوّي، أو الطعام والهدايا، مع اقتراب فترة الأعياد.
كل هذا يحصل فيما الحكومة لا زالت معطّلة وغائبة عن الاجتماعات منذ أكثر من شهرين، كما أنّ استمرار التعطيل يُنذر بأن الأمور تتجه لتكون أسوأ في الفترة المقبلة. فما من سلطة رادعة تأخذ الإجراءات، وبالتالي ما من عائق أمام تفشّي الفوضى بشكل أوسع، وتأزّم الأمور أكثر. وفي هذا السياق، ما زال الفريق المعطّل على موقفه، وهو يأخذ البلد والحكومة والناس رهائن لحل مسألة تحقيقات انفجار مرفأ بيروت.
بالعودة إلى ملف ارتفاع سعر صرف الدولار، أشارت المتخصّصة بالاقتصاد النقدي في البلدان المدولرة، ليال منصور، إلى أنّ “سعر الصرف في ارتفاع مستمر، لكنه يقف عند سعر معيّن نسمّيه “السعر المقاوم” كل فترة، إنّما متى تخطّى هذا السعر فهو يرتفع وبسرعة، إذ الارتفاع يجرّ الارتفاع، والتصرفات الناتجة عن القلق والخوف تجر ارتفاعاً إضافياً”.
وفي حديثٍ لجريدة “الأنباء” الإلكترونية، ذكرت منصور أنّ “ما من كارثة اقتصادية حصلت في الأيام الأخيرة لتتسبّب بارتفاع سعر الصرف، وبالتالي الأمر ناجم عن مضاربات يقوم بها المواطنون والتجار، أو حتى المصارف ومصرف لبنان، علماً أن لا إجراءات رادعة، إلى جانب التعاميم الفاشلة التي صدرت وتصدر”.
أما وعن الإجراءات المطلوب اتّخاذها للجم الارتفاع، رأت منصور أنّ “هذه الإجراءات أبعد من المصرف المركزي أو الحكومة، فمرحلة الانهيار التي وصلت إليها البلاد تستدعي تغيير النظام السياسي المرتبط بشكل مباشر بالنظام الاقتصادي”.
وحول تأثير هذا الارتفاع على المواطنين، لفتت منصور إلى أنّ، “ارتفاع أسعار المنتجات يسبق ارتفاع أسعار الدولار، وبالتالي من المرتقب أن ترتفع الأسعار أكثر، علماً أن تصحيح الأسعار يجري عادة صعوداً، بمعنى أن الأسعار ترتفع مع ارتفاع سعر الصرف، لكنها لا تنخفض مع انخفاضه، إلّا في حالات استثنائية، أي عندما ينخفض سعر الصرف كثيراً ولمدة شهر على الأقل”.
من جهته، اعتبر رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برّو، أنّ “الدولار يرتفع دون حدود في ظل غياب للإجراءات والحلول، كما وانهيار الثقة بالعملة الوطنية، وبالتالي القدرة الشرائية ستتأثر بشكل كبير، ودائرة الفقر ستتوسّع أكثر والناس ستكون غير قادرة على تأمين الأساسيات”.
ولفت برو في اتصالٍ مع “الأنباء” إلى أنّ “تضخماً في الأسعار مرتقب، خصوصاً وأنّ بعض التجار يستثمر في ظل الغياب الشامل للدولة، وبالتالي الأمور تتجه من السيّء إلى الأسوأ”.
بدوره، أشار عضو نقابة أصحاب المحطات، جورج البركس، إلى “استعداد وزارة الطاقة لإصدار جدول أسعار يومي في حال اضطر الأمر لمواكبة ارتفاع سعر صرف الدولار”، لافتاً إلى أنّ “أسعار المحروقات ستتأثر حكماً في حال استمر صعود الدولار، علماً أنّ آخر جدول صدر اعتمد مبلغ 26,750 ليرة للدولار”.
وحذّر في اتصالٍ مع “الأنباء” من احتمال عودة أزمة المحروقات والطوابير إلى أمام المحطات، في حال لم تُحل أزمة الدفع لمصرف لبنان قيمة الـ15% من الاستيراد بالدولار الفريش (وهو أمرٌ يزيد من الضغط على الدولار في السوق)، مطالباً مصرف لبنان بالتدخّل، وتأمين الدولار للمستوردين بشكل كامل.
ولفت البركس إلى أزمة فقدان المازوت اليوم من المحطات بسبب مشكلة تأمين كامل سعره بالدولار نقداً، وليس ما يوازي قيمته بالليرة وخسارة المحطات بسبب ارتفاع سعر الصرف يومياً، مشيراً إلى أن “المستوردين يدفعون حتى اليوم نسبة 15% من قيمة المبلغ بالدولار نقداً، أما وفي حال لحقت مادة البنزين بالمازوت، فعندها سيضطر المستوردون إلى تأمين المبالغ كامة بالدولار، وعندها ستُفقد المادة من السوق أيضاً”.