فيما يواصل سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء ال#لبنانية قفزاته “التاريخية” مقارباً خرق سقف الثلاثين ألف ليرة ربما في الساعات المقبلة، وبعدما تجاوز أمس سقف الـ 28 ألف ليرة من دون فرامل ولا ضوابط ولا روادع، لم يعد السؤال محصوراً بالتداعيات المالية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الإنهيار المتدحرج وإنما إتسع أيضاً، وبقلق موضوعي ومبرّر، إلى الجانب الأمني – الاجتماعي وما يمكن ان ينشأ عنه من فوضى أمنية يصعب ضبطها. ذلك ان مشهد الإنهيار بدا في ذروة دراماتيكيته في ظل اشتعال سعر الدولار من جهة، وبداية حصول مؤشرات على تفلت أمني يستهدف المصارف والمتاجر مع حادث محاولة السرقة المسلحة التي استهدفت فرع مصرف بيبلوس في الزلقا، كما مع حادث سطو مسلح على متجر لبيع أجهزة الهاتف الخليوي في سن الفيل في وضح النهار، كما مع معالم نزول متجدد وفوضوي إلى الشارع وقطع الطرق في موسم الأعياد بما ينذر بمزيد من شلّ الحركة. كل ذلك يجري فيما اركان السياسة الرسمية يتعاملون مع الانهيار المتدحرج برتابة قاتلة على نحو إطلاق مواقف “تبرئة الذمة” التي أطلقها رئيس الجمهورية #ميشال عون أمس، وكأن هاجسه الوحيد الدائم رمي الكرة في مرامي الجميع فقط من دون ان يعلم اللبنانيون أي خطوة يمكن ان يتخذها في مواجهة حليفه الذي يعطل مجالس الوزراء. وإذا كان عون أيد انعقاد مجلس الوزراء ولو قاطعه البعض، فإن ثمة من سأل هل يكفي هذا الموقف الكلامي أولاً للضغط على معطلي مجلس الوزراء واإثبات ان أقلية لا تتحكم بأكثرية؟
في أي حال تعيش البلاد على وقع الإنهيار المالي المتدحرج الذي أجهز تماماً على بقايا ملاءة الليرة اللبنانية، اذ فرض تحليق الدولار أمس متخطياً عتبة الـ28 الف ليرة، إيقاعه على مجمل الوضع الداخلي فيما لا يبدو أن ثمة أي افق للإفراج عن مجالس الوزراء لحكومة لا تزال محتجزة على يد شريك أساسي فيها، هو الثنائي الشيعي في انتظار تنفيذ شرطه بتنحية المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار الذي يستمر في تحقيقاته. وبرز في هذا السياق تطور سيكون قيد الاختبار من اليوم على امل ان يؤدي إلى فرملة تفلت سعر الدولار. اذ أعلن مصرف لبنان مساء أمس في بيان انه بدعوة من رئيس مجلس الوزراء عقد اجتماع في السرايا الحكومية حضره وزير المال يوسف الخليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، “وجرى التداول فيه في السبل العائدة للجم تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، وعلى أثر ذلك اتخذ مصرف لبنان التدابير الاتية:
o سيقوم مصرف لبنان بتزويد المصارف العاملة حصتها النقدية لما تبقى من هذا الشهر بالدولار الأميركي النقدي بدلا من الليرة اللبنانية، وذلك على سعر صرف منصة صيرفة. وسوف يطلب مصرف لبنان من المصارف بيع الدولارات المشتراة على سعر صيرفة كاملة إلى مختلف عملائها عوضاً عن الليرات اللبنانية التي كانت مرصودة لدفعها بالليرة.
o سوف يقوم مصرف لبنان بتنظيم سداد القروض التجارية بالعملات الاجنبية نقداً بالليرة اللبنانية على السعر المحدد في التعميم 151 أي 8000 ل.ل. حاليا ما يساعد على خفض الطلب على الدولار ويزيد الطلب على الليرة اللبنانية في الأسواق”.
واما في تداعيات الموجة الجديدة للانهيار المالي فبرزت مخاوف جدية للمرة الأولى على الامن الاجتماعي والاقتصادي مع حادث تعرض بنك بيبلوس في فرعه في الزلقا لمحاولة للسرقة والسطو المسلح وإطلاق النار الامر الذي أدى إلى إصابة مدير الفرع بجروح وأشاع أجواء من القلق والخوف حيال الامن المصرفي كلا من الان وصاعداً.
عون.. الآخرون!
ووسط “غربة” تامة للدولة بكل أركانها ومؤسساتها عن هذا الانهيار وما يتركه من تداعيات لدى الناس، جاءت رزمة مواقف جديدة لرئيس الجمهورية أمس خلال استقباله المجلس المنتخب لنقابة المحررين اشبه بجردة يراد لها إلقاء اللوم وتحميل التبعات الروتينية للآخرين. وأعلن في هذا السياق انه يؤيد الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء حتى ولو تمت مقاطعتها، “وبتنا امام وجوب الاختيار بين السياسة والقضاء، فلمن الغلبة؟ للصفة التمثيلية ام القضائية؟”، مشدداً على انه “لا يمكن ابقاء الحكومة معطلة، فهناك امور تحتاج إلى البت بها، ومنها مثلاً اقرار الموازنة لتسهيل مسائل الكهرباء وغيرها من المواضيع”.
وأوضح عون “ان التفاهم قائم بشكل كبير مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، وان وجود اختلاف في الرأي احياناً لا يعني الخلاف ولا يجب ان يسمى بذلك. اما عن العلاقة مع حزب الله، “فهناك امور يجب ان تقال بين الاصدقاء، ونحن ننادي بما يقوله الدستور، لان عدم احترامه يعني ان تسود الفوضى.”
وتساءل “عما إذا كان تسليم الاموال إلى الشعب مباشرة من دون المرور بالدولة، هو لتمويل الانتخابات النيابية وايصال من ليس لديه تجربة إلى الندوة البرلمانية”. ولفت إلى انه “طالب منذ سنة ونصف السنة بالتدقيق الجنائي، لمعرفة مسار المال العام، من سرقه او أهدره او من أخطأ بشكل فظيع في ادارته، مشيراً إلى انه كان مرتاحاً ان المجتمع بلغ نضجاً يشجعه على المضي في الاصلاح، انما اليوم “لم اعد اسمع اي صوت ينادي بالاصلاح، بل اسمع من يهاجمني ويتهمني باعادة النظام الرئاسي”. وأمل بعد هذه الاحداث، “نهاية حقبة معيّنة تخطى عمرها الـ30 سنة، وباتت تحتاج إلى تغيير”، مؤكداً من جهة ثانية ان الانتخابات ستحصل، “والأمر الذي غيّرته هو تاريخ اجرائها من 27 آذار إلى 8 او 15 أيار، ونحن سنتفق على ذلك. ” ورأى انه مضى على المتحاورين 30 سنة وهم يتحاورون من دون الوصول إلى نتيجة، “يجب تغيير المتحاورين ولو كنت انا من بينهم”. وفيما بدا اتهاما ضمنيا ثلاثيا لوزارة المال وحاكمية مصرف لبنان ورئيس مجلس النواب قال عون “ما من أحد يستطيع مد يده إلى الخزينة الا من يحكمها ومن يحميه”.
في المقابل غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مساء أمس عبر “تويتر” قائلا: “إلى متى سننتظر التسوية المطلوبة والتي تقضي باجتماع الوزارة فوق كل اعتبار للمباشرة بعملية الاصلاح والتفاوض مع صندوق النقد الدولي؟ إلى متى ستبقى الحسابات الفئوية الصغيرة اقوى من مصلحة الوطن؟ ماذا ينتظرون وقد بدأ الهيكل ينهار على رؤوس الجميع؟”.
المجلس الدستوري
وسط هذه الأجواء يبدو ان ثمة تطوراً بارزاً سيسجل في ملف مراجعة الطعن الذي قدمه ”تكتل لبنان القوي” امام المجلس الدستوري. اذ ان معلومات توافرت لـ”النهار” أكدت ان المجلس الدستوري سيجتمع غداً الخميس ليقدم جوابه النهائي على ان يصدره ويعلنه قبل 21 الجاري. وفي التفاصيل ان التوجه هو بنسبة 95 يتجه نحو خلاصة جواب هو اللاقرار أي عدم التوصل إلى الاتفاق على قرار بمعنى ان التعديلات على قانون الانتخاب التي اقرها مجلس النواب وصدرت في قانون وقدم التكتل الطعن فيها ستأخذ طريقها إلى التنفيذ، ولن يتم الاخذ بالمندرجات التي قدمها الفريق النيابي الذين يأمل في تثبيت الطعن في مرمى القانون. ومن هنا لم يحصل المؤيدون للطعن في نهاية الرحلة التي خاضها المجلس الدستوري الا على 5 أصوات من اصل 10. ومن المستبعد التوصل إلى قرار في جلسة الخميس حيث سيتم التوجه إلى اتخاذ موقف يتضمن اصدار قرار يقول بأن الاعضاء لم يتفقوا ويجب اصداره في 21 الجاري أي يوم الثلثاء المقبل. وسيقول الاعضاء انهم اجتمعوا مرات عدة وتوصلوا إلى هذه الخلاصة. وهذه هي النتيجة التي توصل اليها اعضاء ”الدستوري” الا إذا حصلت مفاجاة مدوية وغير متوقعة وبدّلت خيارات اثنين من المعترضين من أصل خمسة في الساعات الاخيرة التي تسبق يوم الثلثاء المقبل