غداة انفجار مخزن “حماس” في مخيم البرج الشمالي وشظاياه التي تطايرت لتصيب الدولة اللبنانية “بالصميم” على خلفية ما عكسه الانفجار وما أعقبه من اشتباكات مسلحة من سطوة متعاظمة للسلاح الخارج على القانون وعلى الشرعية والقرارات الدولية، في المخيمات وخارجها… استُقبل رئيس حركة “حماس” خالد مشعل أمس في “صالون الشرف”، معززاً مكرماً تحت صورة رئيس الجمهورية ميشال عون في مطار بيروت، في أول زيارة له إلى لبنان منذ العام 2016، “للمشاركة في أنشطة وفعاليات الذكرى الـ34 لانطلاقة الحركة وإجراء محادثات مع المسؤولين”، والأكيد أنها لن تقارب على المستوى اللبناني الرسمي مسألة “السلاح المتفلّت”، بل لن تكون على المستوى الاستراتيجي ذات وزن وتبعات في ميزان المعادلة اللبنانية إلا من خلال اللقاءات التي سيعقدها مع “رفاق السلاح” خارج إطار الدولة، لا سيما مع قيادة “حزب الله” والفصائل الفلسطينية.
وبانتظار ما سيتمخض عن زيارة مشعل من إفرازات وأجندات تفرض مزيداً من الأعباء والأوزار على لبنان ودولته المغيّبة، لا يبدو في مجالس السلطة صوت يعلو فوق صوت المعركة المحتدمة بين أركانها، على خلفية الكباش الحكومي – القضائي بين الثنائي الشيعي ورئيسي الجمهورية والحكومة، والذي بلغ مراحل متقدمة خلال الساعات الأخيرة بعدما نقله عون إلى مستوى المجاهرة علناً بامتعاضه من أداء “حزب الله” التعطيلي لآخر حكومات العهد… غير أنّ قيادة “الحزب” آثرت في المقابل امتصاص النقمة العونية وحصر مفاعيلها بقرار “عدم الرد” على كلام رئيس الجمهورية، وفق ما أكدت أوساط قيادية في 8 آذار، مستطردةً بالممازحةً: “الرئيس نبيه بري مكفّى وموفى”، قبل أن تستدرك بالقول: “حزب الله” سيبقى حريصاً على عدم الدخول في أي سجال مع رئاسة الجمهورية وعلى حصر النقاش في أي تباين مع الحلفاء والأصدقاء ضمن “مجالس مغلقة”، وإن كانت مآخذه عليهم باتت أكبر بكثير من مآخذهم عليه”!
وكان رئيس مجلس النواب قد احتفظ بحق “الرد الإعلامي” خلال استقباله وفد نقابة المحررين أمس على “رسائل” بعبدا أمام وفد النقابة نفسه أمس الأول، مستهدفاً عون من دون أن يسميه برسائل مضادة “مشفّرة”… بدءاً من التصويب عليه من زاوية أنه “معروف من لم يؤيد الطائف ولم يطبقه ولم يطبق لا القانون ولا الدستور”، مروراً بالغمز من قناة الهدر والعجز الذي سببه قطاع الكهرباء تحت إدارة الوزراء العونيين لحقيبة الطاقة على مرّ أكثر من عشر سنوات وعرقلة إنشاء الهيئة الناظمة، وصولاً إلى تسطير مضبطة قضائية بحق رئيس الجمهورية عبر الإضاءة على تعطيل “إنجاز التشكيلات القضائية” والإشارة إلى اتهام العهد وتياره بشكل غير مباشر بـ”تطييف ومذهبة القضاء” في قضية انفجار المرفأ.
وإذ جدد تحميل مجلس القضاء الأعلى مسؤولية إيجاد حل “وحسم مسألة” المحقق العدلي القاضي طارق البيطار بما يتماشى مع مطلب الثنائي الشيعي تنحيته عن مساءلة النواب والوزراء والرؤساء، بدا واضحاً من كلام بري عن “الانقلاب “قبل صياح الديك” على التوافق الذي حصل مع البطريرك الماروني بشارة الراعي والتزم به الرؤساء الثلاثة”، ومن إشارته إلى أنّ “العاملين في الغرفة السوداء قاموا بنسف هذا التوافق”، أنّ بري يؤشر بإصبع الاتهام إلى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل… الذي تولى المعاون السياسي لرئيس المجلس النائب علي حسن خليل مهمة تسميته بالاسم عبر “كلوب هاوس” متهماً إياه وتياره بممارسة “سياسة التعمية على الحقائق واللعب على المنطق الشعبوي ومحاولة تضليل الرأي العام”، فسلّط خليل الضوء على ملفات كهربائية ومالية لباسيل الذي “قتل حاله” لتعيين مفوضة الحكومة لدى المصرف المركزي ولم يعمل على “إيقاف أي قرار لحاكم المصرف رياض سلامة”، مذكراً في الوقت نفسه بأنّ رئيس الجمهورية هو نفسه من بادر إلى التمديد لسلامه من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء “وبالتالي فإنّ الرئيس عون وتياره هما من يتحملان تبعات إعادة تعيينه”.
على صعيد آخر، استرعى الانتباه أمس في مستجدات ملف العلاقات اللبنانية – الخليجية، طلب وزير الداخلية بسام مولوي من الأمن العام “اتخاذ كل الاجراءات والتدابير الآيلة إلى ترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية من غير اللبنانيين إلى خارج لبنان، وذلك نظراً لما سببه انعقاد المؤتمر الصحافي الذي عقدته الجمعية المذكورة في بيروت من إساءة إلى علاقة لبنان بمملكة البحرين الشقيقة، ومن ضرر بمصالح الدولة اللبنانية”.
وجاء قرار مولوي بالتزامن مع الإعلان عن تلقيه اتصالا من وزير الداخلية البحريني راشد بن عبدالله آل خليفة، تداولا خلاله في “الملفات الأمنية المشتركة”، وخصوصاً ما يتعلق بالمؤتمر الصحافي الذي عقد في بيروت من قبل جمعية “الوفاق”، بحيث أكد مولوي خلال الاتصال “حرصه على ضمان أمن مملكة البحرين واستقرارها، ورفضه القاطع لأن يكون لبنان منصة لبث الكراهية أو العداء باتجاه أي دولة عربية ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي”، عارضاً للخطوات التي قامت وتقوم بها وزارة الداخلية اللبنانية عبر الأجهزة الأمنية “لناحية جمع المعلومات عن الاشخاص المنضوين ضمن مؤسسات أو جمعيات مناهضة للدول العربية الشقيقة، ومنع الفنادق وقاعات المؤتمرات من عقد أي نشاط ذي طابع سياسي قبل الاستحصال على الموافقة القانونية والادارية اللازمة”.