ظلت دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الاخيرة الى جلسة لمجلس الوزراء «بمن حضر» تتفاعل في الاوساط السياسية، اذ انه في الوقت الذي لم يستجب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لها مؤثرا التفاهم المسبق على هذه الجلسة وضمان خروجها بالقرارات التي تخدم خطة التعافي التي تعمل الحكومة على تنفيذها، دار سجال بين نواب من حركة «أمل» ومن «التيار الوطني الحر» أعاد نبش ماض قريب من الخلاف بين الجانبين وزاد في تعقيد المشهد العام السائد في البلاد، وبعث على التشاؤم ازاء المحاولات الجارية لمعالجة اسباب تعطيل جلسات مجلس الوزراء.
الحكومة ليست متراساً
وفي هذا الاطار أكد ميقاتي أمس «أن المطلوب من الجميع التخلي عن اعتبار الحكومة متراساً للكباش السياسي الذي لا طائل منه». وقال في كلمة له في السرايا الحكومية امس: «صحيح أن العمل الحكومي مستمر عبر الاجتماعات الوزارية التي نعقدها، أو عبر الوزارات والادارات المختصة، لكن عدم انعقاد مجلس الوزراء يشكل ثغرة أساسية نعمل على معالجتها بهدوء وروية، لجمع الشمل الحكومي من جديد، بعيدا عن الخطوات المجتزأة». واعتبر «ان الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، في الظروف الحالية المتشنجة، ومن دون تأمين الحد الادنى من التفاهم ستكون كمن يؤجّج الخلاف، ما يؤدي الى تفاقم الامور وتصبح اكثر تعقيدا». وشدد على «ان الوقت لم يعد مناسبا للتعطيل او المكابرة او فرض الشروط والشروط المضادة فيما مستويات الانهيار تتطلب تضافر كل الجهود للمعالجة».
«الثنائي الشيعي»
الى ذلك، قالت مصادر الثنائي لـ«الجمهورية»: «صحيح ان هناك ازمة في البلد وان مجلس الوزراء معطل ولكن معروف من هو وراء هذه الازمة وما هي مسبباتها، فالحل يكمن في حصول قيام مراجعة ذاتية وحل المشكلة العالقة بدلاً من رمي المسؤوليات والمزايدات. وقد بدأنا نشعر ان هناك من يفتعل هذه الازمة لمحاكمات على خلفيات سياسية ويبدو ان تعنّت البيطار يظهر يوما بعد يوم انه بفعل تراخي المعنيين بحل هذه الازمة في التصدي له ونأمل ان لا يكون هذا التراخي مقصوداً، ثم لماذا يحاولون ان يظهروا للرأي العام ان البلد مشلول بفعل عدم انعقاد مجلس الوزراء ويغيّبون حقيقة ان الوزارات التي هي على تماس مع الناس يوصِلُ وزراؤها الليل بالنهار في عملهم ويجترحون المعجزات في ظروف فائقة الصعوبة، وبالتالي فإن مجلس الوزراء اذا انعقد او لم ينعقد لن يقدم ولن يؤخر لأن الازمة هي بفعل الحصار المتزامن مع الاجندة التي ينفذها البيطار».
غوتيريس
وفي هذه الاجواء يزور الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، لبنان بعد غد الأحد في زيارةٍ رسمية تستمر حتى الاربعاء المقبل.
وقالت الامم المتحدة في بيان لها مساء امس: «في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها لبنان، ستكون هذه الزيارة ذات طابع تضامني سيُعيد خلالها الأمين العام التأكيد على دعم أسرة الأمم المتحدة برمّتها – البعثة السياسية وقوات حفظ السلام والعاملين في مجالات الدعم الإنساني والاغاثي – للبنان وشعبه». وذكر البيان ان غوتيريس سيلتقي الرؤساء الثلاثة وعددا من القادة الدينيين وممثّلين عن المجتمع المدني. وسيقف دقيقة صمت في مرفأ بيروت «تكريماً لأرواح الضحايا» ثم يقوم بزيارات ميدانية يلتقي خلالها المتضرّرين من الأزمات المتعدّدة التي تواجهها البلاد. ثم يزور الجنوب لتفقد قوات «اليونيفيل» والقيام بجولة على الخط الأزرق.
وقد استبق غوتيريس زيارته للبنان بدعوة المسؤولين السياسيين فيه إلى الوحدة، وقال خلال لقاء صحافي عبر الفيديو «ما من إمكانية لعودة لبنان إلى الطريق الصحيح ما لم يدرك القادة السياسيون اللبنانيون أن هذا هو الوقت المناسب، وربما الوقت الأخير الممكن، لتوحيد صفوفهم».
وشدد على أن «الأمر الأول الضروري هو أن يوحد القادة السياسيون في لبنان صفوفهم». وقال إن «الانقسامات بين القادة السياسيين في لبنان شلت المؤسسات، وهذا ما جعل من المستحيل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإطلاق برامج اقتصادية فعالة وإحلال الظروف الملائمة ليباشر البلد تعافيه». وأكد أنه «لا يحق للقادة اللبنانيين أن يكونوا منقسمين في ظل أزمة خطيرة كهذه»، مضيفا أن «اللبنانيين وحدهم يمكنهم بالطبع أن يقودوا هذه العملية». وقال إن «على اللبنانيين أن يقوموا بحصتهم من العمل».
الهموم الامنية
وكانت الهموم الامنية تقدمت امس على ما عداها من القضايا السياسية والنقدية وهو ما عبّر عنه اجتماع مجلس الامن المركزي برئاسة وزير الداخلية بسام مولوي لمناقشة الجديد الامني واعادة التشديد على التدابير التقليدية التي تعتمد في فترة عيدي الميلاد ورأس السنة.
وقالت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» ان جانبا من الاجتماع تناول ضرورة التركيز على مراقبة الجمعيات والمجموعات الخارجية من استغلال الساحة اللبنانية لعقد مؤتمرات او القيام بأي نشاط يمكن ان يؤدي الى تعكير علاقات لبنان الخارجية، في اشارة واضحة الى المناقشات التي رافقت السماح بعقد مؤتمر لجمعية «الوفاق البحرينية» التي كادت ان تسبب بأزمة ديبلوماسية اضافية مع البحرين، قبل ان يرمم لبنان علاقاته مع الممكلة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.
وفي الوقت الذي ترددت معلومات انه لم يكن هناك اي اذن مسبق بعقد المؤتمر المشار اليه، لم تؤكد المراجع المعنية هذه الرواية، وقالت ان احتمال انّ من شاركوا فيه قد دخلوا الى لبنان عن طريق طلب اذن مسبق بعقد المؤتمر امر وارد ولأسباب سياسية معروفة ولا داعي للتذكير بها. ويمكن ان لا تكون الاجهزة الامنية المعنية على علم بالمؤتمر وجدول اعماله عندما يتصل الامر بما يرعاه «حزب الله» من تحركات مشابهة. فالبلد يعج بالفضائيات والمؤسسات الاعلامية التابعة لبعض الحركات العربية والخليجية المعارضة للانظمة الخليجية تحديداً، ولا تحظى بأي ترخيص رسمي على اكثر من مستوى ومن جوانب مختلفة.
دولارات طازجة
على الصعيدين المالي والاقتصادي استتبع مصرف لبنان القرار الذي اتخذه في اجتماع السرايا الحكومية قبل ايام بهدف تهدئة سوق الصرف، ولجم اندفاعة الدولار الصعودية، بتعميم حمل الرقم 161 وينصّ على منح المودعين «رشة» من الدولارات الطازجة.
ونصّ التعميم على ان تقوم المصارف بدفع السحوبات لعملائها اوراقاً نقدية (banknotes) بالدولار الاميركي بسعر منصة «صيرفة»، بدلاً من تسديد المبالغ التي تعود لهم بالليرة اللبنانية والناتجة من اجراء سحوبات او عمليات صندوق نقداً من الحسابات او من المستحقات العائدة لهم، وفقاً للحدود المعتمدة لتنفيذ هذه العمليات لدى المصرف المعني.
وفي تفسير هذا القرار، وعلى عكس الاعتقاد السائد، فإنّ التعميم يشمل جميع المودعين، وليس من يستفيد حاليا من التعميم 158. والملاحظ ان الذين سيتمكنون من الاستفادة منه سيكون عددهم محدودا في اعتبار انه جاء بعد تعديل سعر السحب من 3900 الى 8000 ليرة، وفي فترة الاعياد، بما يعني ان القسم الاكبر من المودعين سحب المبلغ الذي يحق له سحبه شهريا، وبالتالي لم يعد قادرا على الاستفادة من مندرجات التعميم 161.
وكان سعرُ صرف الدولار في السوق السوداء قد سجل مساء امس إنخفاضاً ملحوظاً، حيث تراوح ما بين 26900 و27000 ليرة للدولار الواحد بعد أن سجّل صباحاً ما بين 28150 و28250 ليرة.
صندوق النقد
في ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أكد مدير التواصل في الصندوق جيري رايس، أن «فريق الصندوق اطلع على أرقام الخسائر التي توصلت لها الحكومة اللبنانية، وهو في صدد درسها»، لافتا إلى «وجود تقدم ملحوظ، في تعريف الخسائر بالقطاع المالي والذي أعلن مسؤولوه أنه يبلغ 69 مليار دولار». واعتبر أن «أي تقدير لهذه الخسائر، من الضروري أن يتقاطع مع مشروع إصلاحات شامل، وخطة تعالج الأزمة الاقتصادية والمالية»، مؤكدا أن المناقشات الفنية التمهيدية مستمرة مع السلطات اللبنانية، لوضع الأساس لبرنامج مدعوم من الصندوق.
وأوضح رايس «أن أي استراتيجية للتعامل مع هذه الخسائر يجب ان تترافق مع تنفيذ إصلاحات شاملة لاستعادة الثقة وتقوية حوافز الاستثمار وتعزيز الحوكمة والشفافية»، مشيرا إلى «أن ذلك ضروريا لتعزيز التوظيف والنمو المستدام وتقليص الفقر على مر السنين المقبلة».
وكشف ان وفد صندوق النقد سيزور بيروت مجددا في مطلع السنة الجديدة لمواصلة النقاشات مع السلطات اللبنانية.
تحذير إسرائيلي
من جهة ثانية توقفت مراجع ديبلوماسية وامنية أمس عند تهديدات السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد اردان، الذي حذّر من ردة فعل «تدميرية» تستهدف البنى التحتية لـ«حزب الله» في حال فتح النار على مواطنين إسرائيليين. وقالت لـ«الجمهورية» ان هذا الموقف لم يحمل اي جديد. فليست المرة الاولى التي يطلق فيها مسؤولون اسرائيليون مثل هذه التهديدات وخصوصا عندما استخدم الديبلوماسي صورا قديمة تعود لسنوات خلت عن الجولة التي قام بها 12 سفيرا أجنبيا معتمدا في بلاده على أحد أنفاق «حزب الله «على الحدود الجنوبية قبل اكثر من عامين.
واعتبرت هذه المراجع ان التهديد الاسرائيلي يشكل ردا غير مباشر على تهديدات ايران بحجم الصواريخ التي ستستهدف اسرائيل في حال مهاجمتها المنشآت النووية الايرانية وذلك بهدف ممارسة الضغط الدولي على إيران في ظل تعثر مفاوضات فيينا، قبل المس بلبنان و«حزب الله» تحديدا.
وكان اردان قد نشر أمس تغريدة جديدة له عبر «تويتر» هدّد من خلالها «حزب الله» بأنه في حال إقدامه على مهاجمة اسرائيل فإن الجيش الإسرائيلي سيقوم بتدمير بنيته التحتية في لبنان.
وأشار الى أن ليس لإسرائيل أي خيار أمام فتح النار من الحزب على مواطنين إسرائيليين، سوى تدمير البنية التحتية التي يستخدمها في الأراضي اللبنانية. ودعا المجتمع الدولي والأمم المتحدة الى «ممارسة الضغوط على إيران من أجل التوصل لاتفاق ديبلوماسي يعالج مثل هذه التهديدات وبرنامج الصواريخ الإيراني»، على حد قوله.