لم تظهر دلائل كافية بعد من شأنها ان تثبت “طلائع” تسريبات ومعطيات سياسية تتحدث عن بدايات تحريك متجدد لمساع تهدف إلى كسر الجمود الكبير المسيطر على الواقع الحكومي وشل جلسات مجلس الوزراء، فيما تضغط كل عوامل الازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية المتزاحمة والتي يزيدها تفاقماً وخطورة عودة استفحال تفشي وباء كورونا في #لبنان لتسريع “الافراج” عن الحكومة الرهينة. ومع ذلك تتحدث هذه المعطيات عن جهود تبذل في الكواليس سعيا إلى إيجاد صيغة تحمل الطابع الاستثنائي الذي يملي تراجعات متبادلة في شأن التعقيدات التي أدت إلى إيقاع الحكومة في ازمة “عملانية” وبدأت تداعياتها تتهدد بأوخم العواقب بما فيها عواقب اهتزاز الامن الاجتماعي على نحو بالغ الجدية.
واللافت انه وسط الغرق في الازمة الحكومية سيصل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بعد ظهر الأحد المقبل إلى لبنان في زيارةٍ رسمية تستمر اربعة أيام وتتسم بأهمية خاصة نظرا إلى المكانة الرفيعة للزائر الاممي.
وأفادت الأمم المتحدة في بيان مساء أمس انه “في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها لبنان، ستكون هذه الزيارة ذات طابع تضامني سيُعيد خلالها الأمين العام تأكيد دعم أسرة الأمم المتحدة برمّتها – البعثة السياسية وقوات حفظ السلام والعاملين في مجالات الدعم الإنساني والاغاثي – للبنان وشعبه”.
وسيلتقي الأمين العام بمسؤولين حكوميين، على رأسهم رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورئيس مجلس الوزراء #نجيب ميقاتي، إضافةً إلى عدد من القادة الدينيين وممثّلين عن المجتمع المدني.
وتكريماً لأرواح ضحايا انفجار مرفأ بيروت، سيقف الأمين العام دقيقة صمت في المرفأ. كما سيقوم بزيارات ميدانية يلتقي خلالها بالمتضرّرين من الأزمات المتعدّدة التي تواجهها البلاد. وأخيراً، سيتوجه الأمين العام إلى جنوب لبنان لزيارة قوات اليونيفيل وللقيام بجولة على الخط الأزرق. سيغادر لبنان في 22 كانون الأول.
اما في المشهد الداخلي فسجلت مستويات الازمة تفاقماً واسعاً عشية أسبوع الأعياد من خلال اشتعال الأسعار في المتاجر والسوبرماركات، كما وسط استمرار تحليق الدولار وتوقع المزيد من الارتفاع في اسعار البنزين، في موازاة تمدد الفلتان والتسيب الذي يتخذ وجهاً شديد الخطورة من وجوه احتمال الانزلاق إلى فوضى أمنية بدأت مظاهرها تستشري في اكثر من منطقة . وقد استدعى ذلك اجتماعا لمجلس الامن المركزي فيما لم يعد ممكناً تبرير شلّ مجلس الوزراء ومنعه من عقد الجلسات ربطاً بشرط تعجيزي هو تنحية المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
صندوق النقد ولبنان
ولعلّ نفحة إيجابية تلقتها الحكومة امس من #صندوق النقد الدولي قد تدفع بمزيد من الجهود لاحياء جلسات مجلس الوزراء. اذ أكد مدير التواصل في صندوق النقد الدولي جيري رايس في لقاء دوري مع صحافيين لتقديم ملخص حول أبرز نشاطات الصندوق بمختلف البلدان أن السلطات اللبنانية بعثت برسالة إلى صندوق النقد عبرت فيها عن اهتمامها ببرنامج معه، لافتاً إلى أن هذه الرسالة كانت أساس للمباحثات التحضيرية التي تجري، وتابع: “المباحثات مستمرة ونتطلع لتحضير الارضية لإمكانية عقد برنامج تمويل”.
وأضاف: “هناك تقدم ملحوظ في تحديد الخسائر في القطاع المالي والعمل سيستمر في الفترة المقبلة بالتعاون مع مدققين عالميين، نحن في صدد تقييم الخسائر المقدرة من جانب الحكومة اللبنانية وسنتابع النقاشات مع السلطات في هذا السياق، وأي استراتيجية للتعامل مع هذه الخسائر تحتاج ان تتقاطع مع تطبيق اصلاحات لاعادة الثقة ودعم الاستثمارات وتعزيز الشفافية والحوكمة وتحفيز العمل والنمو المستدام وتقليص الفقر في السنوات المقبلة، لذلك النقاشات ستستمر”.
وأوضح: “حصلت هناك اجتماعات مساعدة تقنية بين السلطات اللبنانية وفريق الصندوق حول الايرادات الضريبية والادارة المالية لكن لن استبق المباحثات التي لا تزال مستمرة وسنطلعكم عليها بشكل مستمر”. وكشف ان فريق صندوق النقد سيقوم بزيارة بيروت مجدداً مطلع العام المقبل لمتابعة المباحثات.
الخزانة الأميركية والمصارف
وفي المقابل عقدت الجمعية العمومية لجمعية مصارف لبنان اجتماعا مصرفيا افتراضيا مع وكيل وزارة الخزانة الأميركية للارهاب والاستخبارات المالية بريان نيلسون.
وفي كلمة القاها نيلسون في الأجتماع كان واضحا ازاء المقاربة التي تعتمدها الولايات المتحدة ضد الفساد ومحاربته لا سيما في ضوء الاستراتيجية التي اعلنتها ادارة الرئيس جو بايدن اخيرا ،واعتبر ان الفساد في لبنان كان وسيلة لممارسة الاعمال التجارية والسياسة وهو ما اصاب الكثير من الاقتصاد اللبناني وربما بعض النظام المالي وقال ان الفساد عائق امام الاستثمار. كما لفت إلى ان لبنان واجه أوجه قصور بنيوية عميقة في المالية العامة وعدم القدرة أو عدم الرغبة في تنفيذ السياسة الاقتصادية المتأخرة والإصلاحات. وقد أدى ذلك كما قال إلى زيادة هائلة في الفقر والمعاناة بالنسبة للغالبية العظمى من اللبنانيين وانهيار الخدمات العامة وانهيار القطاع المالي. وتحدث عن الاجراءات التي اتخذتها واشنطن ضد اشخاص لبنانيين في مواقع المسؤولية وعن مواجهة واشنطن تسهيل عمليات ” حزب الله” واستغلاله النظام المالي في لبنان. واذ اعتبر نيلسون ان لا احد يمكنه الحلول مكان لبنان في مكافحته الفساد، فانه عرض لما تتوقعه وزارة الخزانة من المؤسسات المالية في لبنان من دور حيوي في معالجة الفساد ومنع وصول “حزب الله” إلى النظام المالي . ولم يخف احباطاً لأنه لم تتخذ إجراءات كافية لحماية النظام المالي اللبناني من الفساد كما لم يخف قلقاً من النقص الواضح في العناية الواجبة التي تطبقها البنوك لتحديد هوية اللبنانيين ولأشخاص المعرضين سياسيًا – أو “الأشخاص السياسيين” – وتحديد مصادر أموالهم ومصادر الثروة. كما حض على ان تكون المصارف حازمة في مقاومة الضغوط لمنع وصول الأفراد إلى النظام المالي أو الإفراج عن الأموال قبل الأوان دافعا نحو عدم الاستسلام للضغوط نظرا إلى ما يمكن ان يعرض المؤسسة إلى عقوبات ثانوية او المخاطرة مع المصارف المراسلة.
وأكد ان الخزانة الاميركية تنظر إلى المصارف اللبنانية “كشركاء لنا، ولكن هذه الشراكة تقوم على مشاركة جميع الأطراف في جهد حسن النية لمعالجة الفساد وتمويل الإرهاب. ولبنان ملزم بدعم معايير مكافحة غسل الأموال. ودعا المصارف إلى المشاركة في التغيير من خلال معالجة الفساد، ورأى ضرورة إيلاء اهمية كبيرة للشفافية من جانب المصارف مع السلطات اللبنانية المختصة و- إلى حد ما – مع شركاء دوليين. واكد الرغبة في المساعدة في البقاء على الجانب الصحيح من القوانين اللبنانية والقوانين الاميركية وقال” نحن نحافظ على سياسة الباب المفتوح لهذا السبب بالضبط وأعتقد أن لدينا مصلحة مشتركة في معالجة معوقات تعافي لبنان”.
ميقاتي والمتاريس
في أي حال فان تبرير رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتريثه في الدعوة إلى مجلس الوزراء لم يبعد عن هذه المناخات. اذ اعتبر ميقاتي “أن المطلوب من الجميع التخلي عن اعتبار الحكومة متراسا للكباش السياسي الذي لا طائل منه”. وقال “صحيح أن العمل الحكومي مستمر عبر الاجتماعات الوزارية التي نعقدها، أو عبر الوزارات والادارات المختصة، لكن عدم انعقاد مجلس الوزراء يشكل ثغرة أساسية نعمل على معالجتها بهدوء وروية، لجمع الشمل الحكومي من جديد، بعيداً عن الخطوات المجتزأة”. واعتبر “ان الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء، في الظروف الحالية المتشنجة، ومن دون تأمين الحد الادنى من التفاهم ستكون كمن يؤجج الخلاف، ما يؤدي إلى تفاقم الامور وتصبح أكثر تعقيدًا”. ولكنه شدد على “ان الوقت لم يعد مناسبا للتعطيل او المكابرة او فرض الشروط والشروط المضادة فيما مستويات الانهيار تتطلب تضافر كل الجهود للمعالجة”.
في غضون ذلك وفيما عاود الدولار تحليقه وقطع عمال قطاع النقل البري امس الطرق احتجاجاً على غلاء المحروقات وسوء احوالهم المعيشية يخشى ان تسجل أسعار المحروقات قفزة جديدة اذ أشار عضو نقابة أصحاب محطّات المحروقات جورج البراكس إلى أن “أسعار النفط العالمية وسعر الصرف في الداخل يؤثّران على جدول تركيب أسعار المحروقات في لبنان، وسيصدر جدول جديد الجمعة كما أن المسار في المستقبل سيشهد ارتفاعًا في الأسعار”. وأضاف ان “سعر صفيحة البنزين يرتفع مع ارتفاع #سعر صرف الدولار الذي يحلّق داخلياً، ولا أحد يعلم كيف سيتمّ لجمه كما أننا نرتكز على منصات لا أحد يعرف من المسؤول عنها”.