الأرجح أنّ العزاء الذي أقامه “حزب الله” أمس لمناسبة اغتيال قاسم سليماني أصبح عزاءً موصولاً بحكومة نجيب ميقاتي بعدما “نحرها” السيد حسن نصرالله من الوريد العربي إلى الوريد الخليجي والإسلامي، بهجومه المباشر على خادم الحرمين الشريفين مخاطباً إياه بالقول: “يا حضرة الملك (…) أنتم الإرهابي”!
ولا حاجة لتأويل أو تحليل ما ستكون عليه تداعيات هجوم الأمين العام لـ”حزب الله” على العاهل السعودي، طالما أن نصرالله نفسه أكد علمه يقيناً ثقل هذه التداعيات على الساحة اللبنانية، مستبقاً تهجّمه على الملك سلمان بن عبد العزيز بعبارة: “بعرف رح تقوم القيامة بكرا”!
وعلى الرغم من تسليمه بأنّ كلامه هذا قد يجهض آخر بصيص أمل يتلمسه رئيس الحكومة على طريق رأب الصدع مع المملكة ودول الخليج “ورح يقولوا خرّب لنا العلاقات مع السعودية”، قال ما قاله نصرالله بالصوت العالي قافزاً فوق كل الخطوط الحمر التي تزنّر الحد الأدنى من أواصر العلاقات اللبنانية – السعودية بشكل عام، وخصوصية الارتباط الإسلامي والسنّي على وجه التحديد ببلاد الحرمين مع ما سيستدعيه ذلك من موجة ردود، رسمية وسياسية وروحية، استهلها ميقاتي مساءً ببيان عاجل برّأ فيه ذمته من وزر كلام الأمين العام لـ”حزب الله” بحق المملكة، مشدداً على أنه “لا يمثل موقف الحكومة اللبنانية والشريحة الأوسع من اللبنانيين”.
وإذ لم يتوان نصرالله عن زج مئات ألوف اللبنانيين العاملين في الخليج في صلب هجومه على القيادة السعودية واضعاً موارد رزقهم هناك على المحك من خلال اعتبارهم في مصاف “الرهائن” المحتجزين في هذه الدول “لتهديد لبنان بهم”… لفت ميقاتي الانتباه إلى أنّ مواقف نصرالله المسيئة للسعودية ودول الخليج تسيء إلى اللبنانيين قبل سواهم، وذكّر بدعوته إلى إدراج “موضوع السياسة الخارجية على طاولة الحوار لتجنيب لبنان تداعيات ما لا طائل له عليه”، مؤكداً أنه “ليس من مصلحة لبنان الإساءة إلى أي دولة عربية، خصوصا دول الخليج”، وأخذ في هذا السياق على قيادة “حزب الله” مخالفتها التوجه المنادي بأن يكون “الحزب جزءاً من الحالة اللبنانية المتنوعة ولبناني الانتماء، بمواقف تسيء إلى اللبنانيين أولاً وإلى علاقات لبنان مع أشقائه ثانياً”، ليكرر رئيس الحكومة إزاء ذلك الدعوة “للرأفة بهذا الوطن”، خاتماً بيانه بالقول: “بالله عليكم إرحموا لبنان واللبنانيين واوقفوا الشحن السياسي والطائفي البغيض”.
وفي مقابل إسهاب الأمين العام لـ”حزب الله” في الهجوم على الدول العربية والخليجية متوعداً الولايات المتحدة وحلفاءها بالانتقام لدماء سليماني، ومتهماً كل من يصادق الأميركيين في لبنان والمنطقة بأنه شريك في القتل والتآمر، لم يجد نصرالله متسعاً من الوقت في خطابه للإجابة على الأسئلة والهواجس التي طرحها رئيسا الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، ميشال عون وجبران باسيل عشية إطلالته ووضعاها في عهدته، مكتفياً بالإشارة في مستهل خطابه إلى أنّ “طبيعة المناسبة والوقت المتاح لي لا يسمحان بالتطرق إلى الوضع اللبناني الآن”، وإن كان شدد على أنّ ذكرى اغتيال سليماني “تمسّ لبنان بالصميم ولكن من زاوية أعلى”. لكنه وفي معرض إبداء الحرص على “تطييب” خاطر كل من عون وباسيل، وعد بتخصيص “وقت قريب” للحديث عن الشأن اللبناني الداخلي، وجدد التأكيد المبدئي على أهمية “أي دعوة للحوار بين اللبنانيين”، والحرص على التحالف مع “التيار الوطني” والتمسك بوثيقة تفاهم “مار مخايل” والاستعداد لتطويرها، مع إشارة خاصة بما يتصل “بكل ما قيل في كلمة رئيس التيار” إلى أنّ هناك “مسائل تحتاج إلى نقاش وتوضيح ومصارحة”.
وما أن أنهى الأمين العام لـ”حزب الله” خطابه، حتى برزت تغريدة لسفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري عبر صفحته على موقع “تويتر” اعتُبرت بمثابة رد على نصرالله عبر تشبيهه بشخصية يُرمز إليها بـ”الخيانة” في أوساط العرب، فدوّن بخاري عبارة: “افتراءات أَبي رِغَال العَصْر وأكاذيبه لا يسترها اللَّيل وإن طال ولا مغيب الشَّمس ولو حُرمت الشُّروق والزَّوال..!”.
وفي الوقت اللبناني الضائع على هامش أجندة “حزب الله” الاستراتيجية والإقليمية، استعرت جبهة التراشق السياسي والإعلامي بين حليفيه “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل”، لا سيما بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، النائب علي حسن خليل أمس، وخصصه للرد على “الاتهامات والافتراءات الوقحة” التي ساقها باسيل بحق بري، فأضاء في المقابل على “سرقات وسمسرات” وزارتي الطاقة والاتصالات تحت إدارة “التيار الوطني”، مع التصويب على رئيس الجمهورية بدءاً من وصفه بأنه “ملك” أمراء الحرب الأهلية عام 1988 “في حروب التحرير والإلغاء على حساب أرواح المسيحيين والمسلمين معاً، وتدمير المناطق في شهوة فاضحة على السلطة ما زالت مستمرة حتى اليوم”، وصولاً إلى تعطيل المؤسسات وحجز الحكومات “كرمى لعيون الصهر”، وتعطيل التصويت في مجلس الوزراء “على قرارات ضبط أدواركم المشبوهة في ملفات الطاقة والاتصالات والبيئة وغيرها”.
وإثر اتهام خليل باسيل مباشرة بالضلوع في محاولة “تمرير سرقة 50 مليون دولار” على طاولة مجلس الوزراء في ملف معمل دير عمار للكهرباء، مستشهداً في ذلك بقرار الهيئة العامة في ديوان المحاسبة، ارتفع منسوب التجاذب ليلاً بين الجانبين عبر مطالبة “التيار الوطني” بإجراء “محاكمة علنية” بهذا الملف “فإذا تبين أن وزارة الطاقة أخطأت فالتيار يطلب من رئيسه الاستقالة من العمل السياسي، وإذا ثبت أن وزارة المالية أهدرت فعلى “حركة أمل” أن تفعل المثل وتطلب من رئيسها الاستقالة من رئاسة المجلس النيابي”… الأمر الذي سرعان ما لاقى ترحيباً من خليل على أن تكون المعادلة استقالة “رئيس (بري) مقابل الرئيسين” عون وباسيل.