في كل مرّة يجري فيها التدقيق بعودة مجموعات على صلة بتنظيم “داعش” في لبنان إلى النشاط، كما هي حال النشاط المستجدّ للتنظيم الإرهابي في العراق وسوريا، يخرج سياسيون لبنانيون يفترضون في هذا الحديث مقدمة لعمل سياسي أو أمني ضد منطقة لبنانية لأسباب سياسية. هذا بالضبط ما يحصل اليوم في طرابلس ومناطق شمالية، وخصوصاً بعدما تبيّن أن اعتقالات قامت بها استخبارات الجيش اللبناني على خلفية إطلاق النار على مؤهل في الجيش في عاصمة الشمال أخيراً، تفيد المعلومات بأن خلفيتها جنائية وليست سياسية. لكن اعتقالات الجيش شملت عدداً ممّن اتهموا بالتورّط في التخطيط للعملية وبانتمائهم الى تنظيمات إرهابية.
وقد تبيّن، خلال الأشهر القليلة الماضية، وجود مستجدّات ذات طابع أمني تتعلّق بانتقال عدد غير قليل من شبان من طرابلس ومن مناطق شمالية الى سوريا والعراق، وتبيّن لاحقاً أن هؤلاء التحقوا بتنظيم “داعش”. وترافق ذلك مع تبليغ أهالٍ في المدينة مخافر أمنية عن اختفاء أولادهم، وحديث عائلات عن تلقّيها اتصالات من أولادها الذين قالوا إنهم التحقوا بالتنظيم في العراق، وبعضهم عمد الى إرسال أموال الى ذويهم.
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن الحديث هو عن نحو 35 شاباً، علماً بأن الخلاف بين الأجهزة الأمنية اللبنانية كبير حول العدد. إذ تؤكد معلومات استخبارات الجيش أن العدد يتجاوز الـ 65 شخصاً، فيما تفيد معلومات قوى الأمن الداخلي عن 35 فقط، وأن بعض من عدّهم الجيش في عداد “الإرهابيين” ليسوا سوى شبان توجّهوا الى تركيا في محاولة للوصول الى اليونان وأوروبا.
وعُقد أخيراً اجتماع تنسيقي بين الأجهزة الأمنية حول الملف، تبيّن فيه أن فرع المعلومات أكّد أن 29 شخصاً يجب متابعتهم بشبهة الالتحاق بتنظيم “داعش”، بينما قدمت استخبارات الجيش رقماً يصل الى 60، وأكدت أن بعضهم انتقلوا الى العراق عبر تركيا. وخلال المناقشات، تبيّن أن الأجهزة الأمنية رصدت منذ نحو ثلاثة أشهر اتصالات هاتفية تفيد بوجود بعض هؤلاء في مناطق معينة في العراق، وقد جرى التواصل مع الأجهزة الأمنية العراقية التي أوفدت ممثلين عنها إلى بيروت للاطلاع على المعطيات، وأكّد هؤلاء أن نقاط الإرسال تفيد بوجود أصحاب الهواتف في مناطق خارج سيطرة القوات العسكرية والأمنية العراقية.
وبحسب المعطيات، فإنّ تعاوناً يجري بين الأجهزة الأمنية اللبنانية، على رأسها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وبين الأجهزة الأمنية العراقية لملاحقة ملفّ هؤلاء، بعدما تبيّن أن لدى فرع المعلومات معلومات استعلامية بشرية وتقنية تفيد بوجود بعضهم في مناطق كركوك. وأفادت المصادر العراقية بأنهم ربما يكونون في مناطق جبلية يصعب على الأجهزة الأمنية الوصول إليها، كما أن بعضهم ربما يتحركون مع مجموعات تابعة لـ”داعش” في مناطق في غرب العراق، وصولاً الى مناطق في البادية السورية القريبة من الحدود العراقية.
المعلومات نفسها تشير الى أن عمليات تهريب هؤلاء الشبان لا تتم عبر تركيا، بل إن معظمها تمّ عبر سوريا، بواسطة مهربين سوريين كانوا يتقاضون ما يصل الى 1500 دولار مقابل نقل كل شخص عبر الحدود مع لبنان الى الحدود مع العراق. كما أن الشبان يملكون وسائل تواصل مع أشخاص عملوا على تجنيدهم. وقد تبيّن أن بينهم أشخاصاً أُوقفوا سابقاً في لبنان بتهمة الانتماء الى “داعش”، وغادروا لبنان مجدداً الى سوريا والعراق بعد خروجهم من السجن. ومنهم من أجلتهم القوات الأميركية من سجون خاصة في مناطق شرق سوريا وسلّمتهم الى الجيش اللبناني.
يشار هنا الى أنه وصلت الى مطار بيروت الدولي، في تموز 2018، طائرة عسكرية أميركية تقلّ ثمانية لبنانيين ينتمون الى “داعش”، اعتقلوا خلال عمليات عسكرية قامت بها القوات الكردية والأميركية في مناطق شرقي الفرات، واحتُجزوا مع مئات من عناصر التنظيم في سجون خاصة، قبل أن تقرر الولايات المتحدة تسليمهم الى بلدانهم. وتبيّن يومها أن الجيش اللبناني أنجز العملية بسرية، من دون العودة الى القضاء، وأخضعهم للتحقيق واحتجزهم لأكثر من شهر قبل إطلاع عائلاتهم على وجودهم لديه، وقبل نقلهم الى المحكمة العسكرية التي أدانتهم وأصدرت ضدهم أحكاماً بالسجن لفترات تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام.
وأكدت المصادر أن بعض هؤلاء عمدوا بعد خروجهم من السجن الى التواصل مع جهات مشغّلة في التنظيم، وفّرت لهم تسهيلات عبر مهرّبين لبنانيين وسوريين أمّنوا نقلهم الى مناطق في سوريا ثم العراق، وأنهم عملوا خلال فترة اعتقالهم وبعد خروجهم من السجن على تجنيد عدد من الشبان على خلفية سياسية ومالية. إذ إن اعترافات بعض الموقوفين أشارت الى أن العامل المادي كان أساسياً في التجنيد، كون التنظيم يوفر لهم رواتب شهرية تتجاوز ألفي دولار، ما يمكّنهم من إرسال أموال الى عائلاتهم في لبنان.
وكانت الأمور قد تفاعلت بعد الإعلان، الشهر الماضي، عن مقتل الشابين الطرابلسيين أحمد كيالي وزكريا العدل في مواجهات عسكرية في العراق. وقد سارعت عائلات عدة الى التواصل مع القوى الأمنية للإبلاغ عن “اختفاء” أبنائها، وتحدّث بعضهم إلى وسائل إعلام محلية ودولية عن تلقّيهم اتصالات من أولادهم أبلغوهم فيها أنهم موجودون في العراق. ويتحدّر معظم هؤلاء من مناطق فقيرة في طرابلس وقرى قضاء عكار، وقد برّر بعض الشبان هروبهم بأنهم كانوا عرضة لملاحقة استخبارات الجيش اللبناني على خلفية أعمال شغب أو إطلاق نار.
من جهة أخرى، تتابع الأجهزة الأمنية ملفاً أكثر حساسية يتعلق بعملية تهريب للأسلحة الفردية والمتوسطة الى مناطق لبنانية. وأكدت مصادر معنية أن الحديث يدور حول عمليات يقوم بها تجار يعملون على خطوط التهريب مع سوريا، يتولى بعضهم تهريب بضائع تخفي أسلحة من رشاشات حربية وقواذف آر بي جي ودوشكا ومدافع هاون صغيرة ومتوسطة، مع كميات كبيرة من الذخائر العائدة لها. وقالت المعلومات إن مصدر السلاح مجموعات تعمل داخل الأراضي السورية، بعضها يعمل في تجارة الممنوعات داخل سوريا. وأوضحت أن سوق السلاح شهد ارتفاعاً كبيراً في الطلب في الأشهر الستة الماضية، وأن التجار يتقاضون الثمن بالدولار، ولا يعرف أين يتمّ التخزين، وما إذا كان الطلب مرتبطاً بأفراد أو بمجموعات. وأشارت إلى أن المهرّبين يستغلون ضعف الحراسات الأمنية والعسكرية على جانبَي الحدود اللبنانية والسورية. وهناك مساحات بعشرات الكيلومترات على طول الحدود الشرقية والشمالية اللبنانية لا تخضع لرقابة دقيقة، ما يسمح بتهريب البضائع والأفراد والأسلحة.