لم يكن غريباً ان تنفجر في وجه العهد كما في وجه معطلي مجلس الوزراء سواء بسواء تداعيات الانهيارات المتعاقبة وتطغى على وقع اللغو السياسي الذي يملأ فضاء السلطة اللاهية بسخافات ملء الوقت الذي يقتل اللبنانيين في تآكل العملة الوطنية واستشراء الانهيار المالي والارتفاعات الخيالية للدولار والانهيارات التاريخية لليرة. اضطر العهد مساء امس، عشية بدء جولة الاستشارات الخاصة بالترف الحواري العقيم، إلى تبرير موقفه من عدم توقيع مراسيم متصلة بدفع رواتب لفئات معينة وتحميل معطلي جلسات مجلس الوزراء التبعة والمسؤولية فيما تجرجر دعوته الحوارية ذيول الالتباسات والفشل شبه المؤكد لهذه المبادرة المتأخرة جدا والسيئة التوقيت. ولكن الأسوأ ان ذلك يحصل على وقع تحليق “تاريخي” إضافي لسعر الدولار في مواجهة انهيار “تاريخي” الليرة فتجاوز الدولار مساء أمس سقف الـ32 الف و500 ليرة متجها نحو الـ 33 الف ليرة وخارقا كل المخاوف من تسجيل سقوف تصاعدية إضافية مع ما يعنيه ذلك من تداعيات مخيفة في كل الاتجاهات.
وفي حين كانت الأجواء المتصلة بالحكم تركز على استعداداته لاجراء جولة مشاورات حول طرحه الحواري، بدا معبراً ان تضطر بعبدا إلى العودة إلى الازمة الحكومية الضاغطة بتداعياتها وانعكاساتها المدمرة على الواقع الانهياري القائم بما يسقط كل العناوين والمناورات السياسية امام الأولوية الاستثنائية المطلقة لمواجهة التداعيات الانهيارية ماليا واجتماعيا. واصدر مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بيانا رد فيه على المعلومات التي اكدت أن المتعاقدين والاجراء والمياومين وغيرهم لن يتمكنوا من قبض رواتبهم وتعويضاتهم في نهاية شهر كانون الثاني الجاري وأن المراسيم المتعلقة بهذه المسألة “مجمّدة” في رئاسة الجمهورية.
وذكر البيان ان رئيس الجمهورية “طالب بانعقاد مجلس الوزراء للبت في هذا الموضوع وغيره من المواضيع الاخرى العالقة والملحّة، لكن سعيه لم يستجب، علماً أن رئيس الوزراء كان وجّه مراسلة في هذا الصدد إلى رئاسة الجمهورية يطلب فيها معرفة موقف رئيس الجمهورية من امكانية اصدار موافقات استثنائية لتأمين صدور مراسيم تعالج هذه المواضيع ومنها: زيادة قيمة بدلات النقل لموظفي القطاعين العام والخاص، اعطاء مساعدة اجتماعية للموظفين في القطاع العام عن شهري تشرين الثاني وكانون الاول 2021، بدل نقل مقطوع شهري للاسلاك العسكرية والامنية، مستحقات لوزارة الصحة من ادوية ومستشفيات وغيرها… إلا أنّ الرئاسة رأت انه من المتعذّر اصدار موافقات استثنائية في ظل حكومة غير مستقيلة ولا هي في مرحلة تصريف الاعمال، وأن الحل المناسب هو في انعقاد مجلس الوزراء لدرس هذه المواضيع واصدار القرارات المناسبة في شأنها”. واعتبرت تاليا ان “اي تأخير قد يحصل في معالجة حقوق المتعاقدين والاجراء والمياومين وغيرها من الحقوق والموجبات المالية وغير المالية، تتحمل مسؤوليته الجهات التي تعطل انعقاد جلسات مجلس الوزراء حيث المكان الدستوري الوحيد الصالح لبت مثل هذه المسائل، وبالتالي فإن المصلحة الوطنية العليا، ومصلحة جميع اللبنانيين، تكمن في انعقاد مجلس الوزراء في اسرع وقت ممكن تفادياً لمزيد من الاضرار التي تلحق بالدولة ومؤسساتها وبالعاملين فيها، مدنيين وعسكريين، وبالتالي باللبنانيين جميعاً، فضلاً عن ضرورة مناقشة مشروع قانون موازنة العام 2022 وعرض خطة التعافي المالي فور إنجازها”.
حوار 8 آذار !
أما في ما يتصل بمحاولة رئيس الجمهورية ميشال عون اقناع القوى السياسية بجدوى التئام طاولة الحوار، فان لقاءات المشاورات حول الحوار في بعبدا ستبدأ اليوم مع رؤساء الكتل النيابية ويبدو واضحا انها ستقتصر على الكتل المؤيدة لدعوة عون وعلى مدى يومين وتشمل اليوم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، والنائب طلال أرسلان، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وغدا اللقاء التشاوري والنائب اسعد حردان والنائب هاغوب بقرادونيان والنائب جبران باسيل.
وقد أكد عون أمس “اهمية اللقاء الحواري الذي دعا اليه”، وشدد على “ضرورة ان يتخطى هذا الحوار الخلافات السياسية البسيطة”، لافتا إلى أن “الخلاف السياسي لا يجب أن يوصلنا إلى خلاف وطني حول مبادئ جوهرية وأساسية مثل الهوية والوجود، ما قد يهدد وحدة لبنان وسيادته واستقلاله”. وأمل دعم هذه اللقاءات “لأن الحوار يعنينا جميعا، وهدفه ليس تحقيق مصلحة حزبية او شخصية. فالوطن للجميع، والإنماء كما الازدهار للجميع ايضا، وعلينا التعاون للمحافظة على هذه الحياة المشتركة في ظل الاطمئنان والامان”.
لكن بدا واضحا ان المؤيدين للدعوة انحصروا بما كان يشكل تحالف 8 آذار فقط وقد اكدت حركة “امل” تأييدها للدعوة أمس في بيانها الأسبوعي فيما علمت “النهار” ان الرئيس نبيه بري لن يحضر إلى بعبدا ما دام أبلغها موقفه المؤيد للحوار. في المقابل، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط الذي اعتذر عن عدم زيارة القصر لاسباب صحية، غدا، حدد موقفه عبر تويتر وفحواه: “الحوار جيد لكن بعد احياء جلسات مجلس الوزراء. الاولوية يجب ان تكون لتفعيل العمل الحكومي واطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”. و”القوات اللبنانية” من جهتها، حسمت امرها ولن تشارك في اي حوار، خصوصا وانه يأتي متأخرا ويطرح قضايا وعناوين كبيرة كان يجب ان توضع على الطاولة منذ اولى شهور العهد، لا في ايامه الاخيرة لتعويمه وتبييض صورته. وكان الرئيس سعد الحريري اعتذر مباشرة من عون عن عدم تلبية الدعوة.
ميقاتي والسيسي
وسط هذه الاجواء، أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من مصر حيث شارك في مؤتمر شبابي ان “الانتخابات في موعدها والعمل مستمر لإخراج لبنان من المآزق”. وتابع: “نعمل لاخراج لبنان مما يعاني منه من مآزق والعلّة في جسد الوطن تقتضي منا المعالجةَ لا الخروجَ من المسؤولية أو التخلّي عنها”. اضاف ميقاتي “أدعو شباب لبنان إلى عدم اعتبار الهجرة هي الحل كما أدعوهم للحفاظ على إيمانهم بلبنان الذي واجه على مدى تاريخه أهوالاً ومصاعب أقسى من التي نعيشها اليوم فتخطيناها وتجاوزنا كل المخاطر وصمدنا”.
إلى ذلك، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ميقاتي بعد الظهر في مقر اقامته في شرم الشيخ، وخلال الاجتماع أكد الرئيس السيسي “التضامن الكلي مع لبنان خصوصا في الضائقة التي يمر بها”، مبديا “استعداد مصر للاسهام في ايصال الغاز المصري وفق المعاهدات الموقعة”، واعطى توجيهاته” لتسهيل الموضوع والاسراع في تنفيذه”. وقال “لبنان في قلبي شخصيا وفي ضمير ووجدان مصر”.
“الاحتلال الإيراني”
إلى ذلك عقد أمس الاجتماع التحضيري لإعلان “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان ” وضم نحو 200 شخصية شاركوا ما بين الحضور المباشر او عبر تقنية “الزوم “. وتقرر ان يعقد مؤتمر صحافي الخميس لاعلان الهيئة التأسيسية للمجلس على ان يتولى رئاسة المجلس للمرحلة الانتقالية النائب السابق احمد فتفت. واعتبر النائب السابق فارس سعيد في الكلمة السياسية التي القاها في الاجتماع امس ان “رفع الاحتلال الإيراني هو المدخل الأساس لمعالجة النتائج وتصحيح البوصلة الداخلية والخارجية وان المجلس ليس منبرا انتخابيا او منصة للتزاحم على حصص بل محطة للمراكمة في مسيرة طويلة غايتها تحقيق السيادة والاستقلال الناجزين”.