وسط غابة الأزمات اللبنانية وتشعباتها المتشابكة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وصحياً وحياتياً، يواصل صندوق النقد مهمته الشاقة والشائكة في محاورة سلطة الانهيار وأركان التفليسة، في مشهدية سريالية تحاكي مفاوضة “القرصان” على إصلاح الثقوب التي أحدثها خلال عملية الاستيلاء على “السفينة”… وعلى الرغم من إدراك “التحديات الكثيرة التي تواجهها المناقشات مع السلطات اللبنانية”، أكدت المتحدثة باسم الصندوق أمس أنّ “بعثة افتراضية” ستبدأ نهاية الشهر مهمة استكمال النقاش مع الجانب اللبناني انطلاقاً من نية “الانخراط الوثيق في صياغة استراتيجية إصلاحية شاملة تعالج التحديات الاقتصادية العميقة التي يشهدها لبنان”، لكن شرط “أن يتوفر التأييد السياسي على نطاق واسع للتنفيذ، بما في ذلك (ضمان) تأييد أي حكومة تتولى زمام السلطة في المستقبل لهذه الاستراتيجية”.
وبانتظار ما ستفضي إليه جولة “الحوار الافتراضي” مع صندوق النقد، بدت السلطة أمس أعجز عن محاورة نفسها بنفسها، بعدما “ارتدت خرطوشة الحوار الطائشة عكسياً على قصر بعبدا”، وفق ما بدا لمصادر معارضة من وقائع المشاورات الثنائية التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون، معتبرةً أنّ “العهد كرّس عزلته بنفسه وعكس مستوى التشرذم الفاضح في صفوف أكثريته الحاكمة” سواءً عبر المقاطعة الجارفة لدعوته من جانب معظم المكونات اللبنانية، أو حتى من خلال تمنّع بعض حلفائه “الاستراتيجيين” في خط الممانعة عن الاستجابة لهذه الدعوة.
وإذ عبّر كل من رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي بوضوح أنّ مشاركة كل منهما في طاولة الحوار في حال انعقادها تنطلق من “الموقع الرئاسي وليس السياسي”، في إشارة إلى أنها مشاركة على مضض لا عن قناعة بجدوى أي حوار يخوضه العهد في آخر أيامه، لم يتوان على المقلب نفسه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية في تسديد ضربة قاصمة للحوار العوني من “عقر داره”، مجاهراً على منبر القصر الجمهوري بموقفه الرافض للمشاركة في حوار “الفريق الواحد”، لأنه سيكون مجرد “حوار للصورة” لا أكثر، مع أخذه في عين الاعتبار ضرورة حفظ ماء وجه رئيس الجمهورية بالتأكيد على “الالتقاء معه في الموضوع الاستراتيجي”، مقابل الحرص على إبراز التمايز والتباين في التوجهات مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من خلال رسالة تهكمية ردّ فيها على استفسارات الصحافيين بشأن المسعى الذي يقوده “حزب الله” لتأمين تحالف انتخابي بين “المردة” و”التيار الوطني”، متسائلاً: “هل باسيل يرضى بأن يتحالف مع الفاسدين كما يعتبرنا”.
ومن بين القوى الوازنة، وحده “حزب الله” وقف على خاطر رئيس الجمهورية فأوفد له رئيس كتلته البرلمانية النائب محمد رعد لكيل المديح والإشادة بالدعوة العونية للحوار، بوصفها “ضرورية في زمن الضيق والضغط والمزايدات”، على أن يتوّج باسيل جولة المشاورات الثنائية اليوم في قصر بعبدا بلقاء يعقده مع رئيس الجمهورية على رأس تكتل “لبنان القوي” لتظهير الموقف المؤيد للحوار والمندد بالرافضين له، وسط ترقب في هذا الصدد أن يتضمن كلامه “رسالة جوابية” رداً على “رسالة” فرنجية.
تزامناً، أعادت القاضية غادة عون إدارة محركاتها في مطاردة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، فسطرت مذكرة منع سفر بحقه “عبر كافة الحدود والمعابر البرية والبحرية والجوية لمقتضيات قضائية”، بالاستناد إلى الشكوى المقدمة ضده من الدائرة القانونية لمجموعة “الشعب يريد إصلاح النظام” على خلفية اتهامه بملف تهريب أموال إلى الخارج وتبييضها والتزوير والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي، والتي أكدت المجموعة أنها شكوى معززة “بعشرات المستندات والأدلة”.
على خط موازٍ، وبعدما ردت الهيئة العامة لمحكمة التمييز دعوى مخاصمة القضاة المرفوعة ضد المحامي العام التمييزي القاضي جان طنوس، من قبل الوزير السابق رشيد درباس بوكالته عن أحد المصارف رفضاً لطلب تجميد حسابات شقيق حاكم المصرف المركزي، استأنف طنوس أمس تحقيقاته الأولية في ملف سلامة ومساعدته ماريان حويك وشقيقه رجا حول التهم نفسها، فشنّ بمؤازرة قوة من جهاز أمن الدولة، عمليات دهم قضائية لعدد من المصارف، طالباً تزويده بحسابات رجا سلامة المصرفية لديها، غير أنه قوبل بالتمنع تماشياً مع موجبات “السرية المصرفية”، الأمر الذي رجحت مصادر قضائية أن يفتح الباب أمام اتخاذ طنوس إجراءات قضائية ضد المصارف المتمنعة واللجوء إلى خطوة الادعاء على رؤساء مجالس إدارتها بجرم “عرقلة سير العدالة”.