لم تنتظر البلاد على ما يبدو “خميس الغضب” ولن تقف عند ما بعده، لان ما يجري على جبهة التجويع والافقار لم يعد يحتمل بكل المقاييس والمعايير المنطقية، فكيف واللبنانيون ينظرون إلى المشهد الباهت اليائس للقاءات السياسية الخشبية في بعبدا وغير بعبدا، وحتى الاجتماعات المتواصلة في السرايا من دون جدوى، فيما يحلق الدولار ساخراً ومهتاجاً ومجتاحاً اخضر بقايا عافية الناس ويباسهم. الاشتعال في الشارع لم يعد احتمالا فالغضب المعتمل بدأ يتدحرج من البارحة بتقطيع أوصال الطرق العامة والأوتوسترادات الرئيسية في عدد من المناطق، وهو غضب مرشح للتصعيد الواسع اليوم كما غدا في الموعد المحدد للإضراب الكبير لاتحادات النقل البري والاتحاد العام العام. فمع سعر صرف الدولار الذي تخطى امس سقف الـ33 ألف و500 ليرة فيما التهبت أسعار المحروقات بارتفاع كبير ناهز معه سعر صفيحة البنزين او المازوت الـ400 الف ليرة، وربطة الخبز العشرة الاف ليرة، تهاوت تماما كل “فلول” التحركات او العناوين السياسية التي بدت هامشية وخارج الزمان والمكان والظرف لا سيما لجهة عنوان “الحوار” الذي انكشف بانه حوار “جحا واهل بيته” من فريق 8 آذار، وتلقى ضربة تعرية قاسية على يد رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية الذي رفض المشاركة في “حوار الصورة” بين الفريق الواحد.
بذلك بدأ الحدث الداخلي عودته إلى الشارع مع معالم عودة الطوابير إلى الأفران ومحطات الوقود وبدء قطع الطرق مع ساعات الصباح الأولى في عدد من المناطق كان ابرزها في مدينة بعلبك حيث أقفل محتجون السوق التجارية في المدينة بالاطارات المشتعلة احتجاجا على ارتفاع سعر صرف الدولار والغلاء المعيشي. كما قطع السير في محلة جديتا العالي، وأوتوستراد التبانة ومستديرة عبد الحميد كرامي في طرابلس. كما أقدم عدد من الأشخاص مساء على قطع المسلك الغربي لأوتوستراد زوق مصبح عند مفرق جسر يسوع الملك، واقفل عدد من المحتجين طريق ساحة النجمة في مدينة صيدا بالاطارات المشتعلة.
حوار أهل البيت
على وقع احتدام الغضب الشعبي وملامح سخونة الشارع المنذرة بتصعيد متواصل في الساعات والأيام المقبلة خصوصا إذا تمادى تحليق الدولار وخرقه المتواصل للأرقام القياسية التاريخية وارتفاع اسعار المحروقات في شكل دراماتيكي، اتسم مشهد اللقاءات التي باشر رئيس الجمهورية ميشال عون بإجرائها امس بالكثير من القتامة من الناحية السياسية حيث بدا واضحا ان عون الذي أحرجته مقاطعة قوى أساسية لم يشأ التراجع، لكن حركته كشفت انه يجري “مونولوغ” سياسي لاستمزاج آراء كتل “أهل بيت 8 آذار” في شأن عقد طاولة الحوار التي كان دعا اليها منذ اسابيع على ان يستكمل المشاورات اليوم. وفيما رحب “حزب الله” والنائب طلال ارسلان بالدعوة، برز رفض “المردة” تلبيتها.
وبدا لافتا ان رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد تحدث عن موافقة “حزب الله” على الحوار بصيغة الماضي كأنه يضمر معرفة واقتناعا بان عون لن يمضي في هذه الحركة فقال “موقفنا كان” مؤيداً لدعوة الحوار وموافقاً على مشاركتنا في هذا الحوار الوطني المقترح، واكدنا ان البلد في زمن الشدة والضيق هو احوج إلى عدم الانقطاع من الحوار”. وبكثير من روح “الطرافة” قال “ندعو شركاءنا في الوطن إلى التحلي بالعقل والحكمة والتخلي عن المزايدات والتفكير بان هذا البلد هو بلدنا وباننا معنيون في عدم اخذه إلى الهاوية”.
وتساءلت أوساط معارضة للحكم وحلفائه في هذا السياق عمن يعطل الحكومة ومجلس الوزراء في ظروف كارثية، ومن الأدعى إلى الاتعاظ بكلام رعد من حزبه الذي يجهض الفرص تلو الفرص لوقف انزلاق لبنان نحو اخر متاهات الانهيار. ولفتت هذه الأوساط إلى ان رئيس كتلة “حزب الله” لم يسمع في بعبدا حتما سؤالا عما يعتزم الحزب القيام به اليوم في الضاحية الجنوبية تحت شعار تنظيم ندوة لما يسمى المعارضة السعودية، وأين يندرج المخطط المكشوف للامعان في تدمير علاقات لبنان بدول الخليج العربي ولا سيما منها السعودية ذلك في “النصيحة” التي تبرع بها رعد للآخرين من قصر بعبدا الساكت عن السياسات المدمرة لحليفه.
اما رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية فاعلن بعدما لبى دعوة رئيس الجمهورية إلى لقائه “اننا جاهزون في أي يوم يستدعينا الرئيس عون ولا مشكلة شخصية معه، بالعكس نلتقي معه استراتيجيًّا”. واشار إلى ان “لا نؤيد حواراً للصورة وأي قرار يأخذه الفريق الذي سيجتمع، والذي سيكون فريقنا، سنوافق عليه ولن نحضر إلى الحوار من أجل الصورة أي أنّنا لن نشارك”. وأضاف “حزب الله لا يعمل إلا للخير بيننا وبين “الوطني الحرّ” و”بدكن تشوفوا إذا باسيل بيقبل بالتحالف مع الفاسدين لأنه يعتبرنا كذلك”. وتابع فرنجية “لو أتيت إلى القصر لأعبّد طريقي إلى رئاسة الجمهورية كنت براضي الرئيس عون وبعمل غير هيك”.
وأفادت معلومات ان الرئيس عون سيحدد موقفه من الدعوة إلى الحوار او عدمها في ضوء لقاءات اليوم. ونقل عن مصادر بعبدا ان إمكان تراجع الرئيس عن عقد الحوار هو موضع تقويم من عون وفي ضوء لقاءات اليوم يحدد موقفه من الدعوة للحوار أو عدمها. وأشارت إلى ان رئيس الجمهورية “لا يحاول أن ينقذ الأشهر المتبقية من العهد بطاولة الحوار إنما يريد إنقاذ البلد من خلال هذا الحوار ويرفض القول إنه تعويم لعهده”، مشيرة إلى “ان عون طرح على الحاضرين امس مسألة تعطيل السلطتين التنفيذية والقضائية وإرسلان أجابه أن اجتماع مجلس الوزراء ضروري فيما قال رعد لعون إن لدى “حزب الله” ملاحظات بشأن عمل مجلس الوزراء و”نتمنى أن تذلل العقبات أمام انعقاده”.
فرنسا
يشار في هذا السياق إلى ان السفيرة الفرنسية آن غريو عرضت مع عون امس وبعد عودتها من باريس السبل التي يمكن لبلادها ان تساعد من خلالها لبنان في الازمة التي يمر فيها والشعب اللبناني على تخطي المصاعب التي يواجهها. وأفادت معلومات رسمية ان السفيرة غريو “نقلت رسالة دعم من فرنسا رئيسا وحكومة وشعبا إلى لبنان وشعبه، بأن باريس تقف إلى جانبهما واشارت إلى ضرورة عودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد وإلى اهمية تقدم المفاوضات المالية والاقتصادية لما فيه مصلحة لبنان، اضافة إلى وجوب استمرار التحضيرات لاجراء الانتخابات النيابية في اجواء سليمة . ورحبت بالدعوة إلى الحوار التي وجهها الرئيس عون، وتمنت ان يتمكن لبنان من العمل على تخطي كل الازمات التي يواجهها، من خلال تضامن اللبنانيين ووحدتهم”.
مذكرة غادة عون
وسط الأجواء الداخلية المحتدمة برز مساء تطور قضائي اكتسب دلالات خطيرة اذ أفادت معلومات ان النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون اصدرت مذكرة طلبت فيها، انفاذ قرار منع السفر في حق حاكم مصرف لبنان رياض توفيق سلامة، عبر كل الحدود والمعابر البرية والبحرية والجوية “لمقتضيات قضائية، وذلك بالنظر لما ورد من معطيات مهمة في ملف التحقيق الاولي من قرائن وادلة”، لاسيما الشكوى المقدمة من محامي الدائرة القانونية لـ”مجموعة الشعب يريد اصلاح النظام” ممثلة بالمحاميين هيثم عزو وبيار الجميل.
وفي معلومات مؤكدة ان أصداء سلبية ترددت حيال هذا الاجراء لدى جهات غربية لجهة التخوف من ارتداداتها السلبية ماليا واقتصاديا في الوقت الحاضر على لبنان وان هذه الجهات نصحت بضرورة معالجة الامر بأقصى سرعة.