بمزيد من تعابير الأسف والأسى، يواصل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إبراز تجليات العجز عن التملص من عباءة استعداء العرب التي دثر بها “حزب الله” حكومته وأثقل كاهلها بأحمال وأوزار لا قدرة لأكتافها على حملها وتحمّل تبعاتها الهدامة لعلاقات لبنان الخارجية والخليجية والسعودية على وجه التحديد… وجلّ ما يستطيعه ميقاتي هو المضي قدماً على طريق “التأسف” التي انتهجها كوسيلة تهرب من مسؤولية الحكومة عن أفعال “حزب الله”، منذ “تعميدها” بالمازوت الإيراني يوم ولادتها، مروراً بتغميسها بالوحول الحوثية على يد وزير إعلامها، وصولاً إلى إغراقها في مستنقع الحرب الدعائية العدائية التي يشنها “الحزب” ضد المملكة العربية السعودية وتسلك منحى تصعيدياً تصاعدياً ممنهجاً، كان قد بلغ ذروته بمهاجمة خادم الحرمين الشريفين في إحياء ذكرى قاسم سليماني، وجرى تتويجه أمس بتنظيم مهرجان خطابي مناهض للمملكة العربية السعودية في إحياء ذكرى نمر النمر.
وإذ انحصر رد الفعل الحكومي ضمن حدود فولكلورية لم تتجاوز عتبة تلويح وزير الداخلية باتخاذ إجراءات مانعة لأي تصريحات تعكّر صفو العلاقات اللبنانية – السعودية، يسعى “حزب الله” عامداً متعمّداً إلى تعكير هذه العلاقات عبر تظهير الساحة اللبنانية كمنصة معادية للعرب وتسخيرها في خدمة “البروبغندا” الإيرانية التي تستهدف العواصم الخليجية والرياض بشكل أخص… غير أنّ هذه الصورة التي كرست وعززت الموقف السعودي الرافض لمساعدة لبنان الرسمي باعتباره أصبح دولة ساقطة في قبضة “حزب الله”، تثير على المقلب الآخر “حسرة” سعودية متعاظمة على المصير البائس الذي بلغه اللبنانيون تحت سطوة “الحزب”، كما نقلت مصادر مواكبة للنظرة الخليجية إلى الواقع اللبناني، معتبرةً أنّ المهرجان الخطابي الذي أقامه “حزب الله” أمس ناقض الصورة التي اعتبر من خلالها أمينه العام السيد حسن نصرالله اللبنانيين المقيمين في دول الخليج “رهائن” لدى هذه الدول، فعكس صورة مغايرة “يبدو فيها اللبنانيون المقيمون في وطنهم رهائن وأسرى أجندة الضاحية الجنوبية التي حولها “حزب الله” بشكل علني إلى ما يشبه الضاحية الجنوبية “لطهران”، في ظل ما تشهده من طفرة تسميات ويافطات ومجسّمات إيرانية في شوارعها”.
وفي إطار التعبير عن هذه “الحسرة” على معاناة اللبنانيين، جاءت تغريدة السفير السعودي في لبنان وليد بخاري أمس لتؤكد أنّ “القفز فوق آلام وآمال الشعب اللُبناني الشقيق ما هو إلا تغاض عن الحقيقة الساطعة أمام أَعين اللبنانيين أَنفسهم وإنكار مقصود لحقيقة مؤلمة سببُها لَوْثَة استعلاء حزب الله “الإرهابي” على منطِق الدولة وَفشل خياراته السياسية”.
تزامناً، تواصل المنظومة الحاكمة الغرق في رمال فشلها المتحرك في مختلف الاتجاهات، وقد بلغت مستويات متقدمة في تظهير حالة “شيزوفرينيا” متحكمة بأدائها، بحيث باتت تلعب دور الحاكم والمعارض في الوقت نفسه، فتارة تحاور نفسها كما بدا من مجريات وتحضيرات حوار قصر بعبدا بين أبناء الصف الحاكم الواحد، وتارة تدفع باتجاه التظاهر ضد نفسها كما سيبدو عليه الحال من خلال التظاهرات التي ستقوم بها الاتحادات والنقابات المحسوبة على أركان المنظومة في الشارع اليوم، وسط ارتفاع منسوب الهواجس الأمنية التي أعادت إلى الذاكرة استخدام قوى 8 آذار تظاهرة الاتحاد العمالي العام كمطية لإطلاق شرارة الانقلاب العسكري على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في 7 أيار عام 2008.
وتحت وطأة صلابة الحائط المسدود الذي ارتطمت به جهود إعادة تعويم العهد وتياره على طاولة الحوار، إثر رفض الغالبية الساحقة من المكونات اللبنانية الدعوة العونية إليها، حاول رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الهروب في مأزقه إلى الأمام من خلال دفع رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الدعوة لعقد حوار “بمن حضر”، محملاً مسؤولية فشل الحوار إلى الرافضين المشاركة فيه، وملوحاً بأنّ “رفض الحوار سيؤدي الى نتائج كارثية على لبنان”.
وفي المقابل، شدد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على أنّ الدعوة الحوارية التي دعا إليها رئيس الجمهورية ميشال عون لا تعدو كونها “ملهاة عن المأساة” التي يعيشها الشعب اللبناني “في قعر جهنم”، مذكراً بخوض “عشرات جلسات الحوار التي استهلكت آلاف الساعات منذ العام 2005 فكانت النتيجة الواقع الذي نعيش حالياً”، وأضاف في بيان: “آخر ما نتذكره على هذا الصعيد، جلسات الحوار التي عقدت في بعبدا أواخر ولاية الرئيس ميشال سليمان بحيث تمخضت بعد جهد جهيد عن “إعلان بعبدا”، والذي فور الاتفاق عليه تم التنصل منه وما زال التنصل قائما حتى اليوم”، مع التشديد “قبل التفكير في جلسات حوار عقيمة اعتدناها مع الفريق الحاكم” على وجوب أن “يلتئم مجلس الوزراء ليتخذ القرارات التي ينبغي اتخاذها للتخفيف ولو قليلا عن الشعب اللبناني ريثما نكون قد وصلنا الى الانتخابات النيابية، وتالياً التغيير الجدي هو وحده كفيل بإطلاق عملية إنقاذ حقيقية”.