في منازلة مع السوق السوداء ولعبة مفضوحة على حساب الناس، تدخل المصرف المركزي، فخفّ الضغط على الدولار في السوق بفعل توسيع مصرف لبنان هامش حصول المصارف على الدولار الكاش مقابل الليرة اللبنانية على سعر منصة صيرفة. الا إنه تدخل مؤقت من شأنه أن يخفف منسوب الإحتقان في الشارع اللبناني، وقد حصلت تلك الخطوة بعد إتفاق بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحاكم مصرف لبنان، ولكن الأهم أن تكون طويلة الأمد وليست قصيرة فقط. كل ذلك يشير إلى أن اللبنانيين يعيشون الأزمة المتوالية الفصول بدون وجود مؤشرات جدية وحقيقية لمعالجتها جذرياً. فما يجري هو نوع من كسب الوقت بانتظار الوصول إلى عقد إتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي والذي ترجح مصادر إقتصادية أنه قد يطول إلى ما بعد الإنتخابات النيابية.
عنصر مالي جديد يفترض أن يشكل عاملاً تنفيسياً في الأسواق اللبنانية وهو إنجاز سريع للموازنة المالية العامة، والوصول إلى تفاهم على عقد جلسة لمجلس الوزراء، فهذا من شأنه أن يرخي بظلاله على الواقع العام في البلاد. ومن مؤشرات المساعدة أيضاً، هو نجاح مصر والأردن في الوصول إلى إتفاق مع الإدارة الأميركية على الحصول على إعفاءات واستثناءات من عقوبات قانون قيصر لإيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان ويفترض بحسب ما تقول مصادر رسمية عبر “الأنباء” أن يتم توقيع العقود والإتفاقيات خلال فترة قريبة بين لبنان، سوريا، مصر والأردن للبدء بالتحضيرات اللازمة لإنجاز عملية الإستجرار.
وقد استقبل ميقاتي سفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان دوروتي شيا في السراي الحكومي، وبعد اللقاء قالت شيا: “لقد نقلت الى رئيس الوزراء نجيب ميقاتي كتاباً رسمياً خطياً من وزارة الخزانة الأميركية أجابت خلاله على بعض الهواجس التي كانت لدى السلطات اللبنانية في ما يتعلق باتفاقيات الطاقة الإقليمية التي ساعدت الولايات المتحدة في تسهيلها وتشجيعها بين لبنان والأردن ومصر”، مضيفة: “لن يكون هناك أي مخاوف من قانون العقوبات الأميركية، وهذه الرسالة التي تم تسليمها تمثل زخماً الى الأمام وحدثاً رئيسيا في الوقت الذي نواصل فيه إحراز تقدم لتحقيق طاقة أكثر إستدامة ونظافة للمساعدة في معالجة أزمة الطاقة التي يعاني منها الشعب اللبناني”.
في المقابل، لا يزال الخلاف مستمراً حول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فميقاتي يرفض أي مس بالحاكم لانه هو المطلع على كل الملفات المالية، ويجب أن يكون مشاركاً بكل تفاصيل المفاوضات مع صندوق النقد، أما بعد إنجاز الإتفاق فلكل حادث حديث. في المقابل لا يزال رئيس الجمهورية ميشال عون يصر على محاكمة حاكم المصرف المركزي وسط معلومات تفيد بأن القاضية غادة عون في حال لم يمثل أمامها فإنها قد تصدر مذكرة توقيف بحقه.
كل هذه الخلافات لها صداها على الصعيد السياسي أيضاً، إذ ان كل المؤشرات تفيد بأن التصعيد سيكون مستمراً في المرحلة المقبلة، من الآن حتى موعد الإنتخابات النيابية ما قد ينعكس توترات في الشارع.
في هذه الأثناء، سجّل سعر صرف الدولار يوم أمس انخفاضاً كبيراً، فسجّل تقريباً 27 ألف ليرة قبل أن يعاود الارتفاع الطفيف. هو انخفاض ملحوظ مقارنةً بالأرقام التي وصل إليها أوائل الاسبوع مع تسجيل 33 ألف ليرة للدولار الواحد.
الاقتصادي وليد أبو سليمان أشار إلى أن “إجراء مصرف لبنان الأخير ساهم بطريقة ما في خفص سعر صرف الدولار، فالفكرة من التعاميم الأخيرة ضخ الدولار في السوق مقابل امتصاص الليرة وتخفيض حجم الكتلة النقدية”.
لكنّه ذكر في اتصال مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية أنّ “مصدر الدولارات هو إحتياطي مصرف لبنان، وبالتالي أموال المودعين، فالخاسر الأكبر مما يحصل اليوم هو المودع الذي يخسر الدولارات الموجودة في حساباته، ويسحب مبالغ مع اقتطاع 65% من قيمتها”، لافتاً إلى عدم معرفة مصير الدولارات التي يتم ضخّها بالسوق، محذّراً من وصولها إلى المضاربين الذين فد يحتكرون العملة الخضراء ويرفعون السعر في ما بعد.
أما وفي حال كان مصدر الأموال حق السحوبات الخاص بلبنان لدى صندوق النقد الدولي، قال أبو سليمان: “حق السحوبات يُضاف عادةً إلى حسابات وزارة المالية لدى مصرف لبنان، وبما أنها بالعملة الأجنبية، فتدخل المبالغ ضمن احتياطي مصرف لبنان، والمركزي لا يعلن عن حجم الاحتياطي”.
وعن مستقبل سعر صرف الدولار، لفت أبو سيلمان إلى أن “لا يمكن لمصرف لبنان الاستمرار في ضخ الدولارات في السوق لوقت طويل، علماً أن السعر ليس عرضاً وطلباً فحسب، بل يتدخّل في تحديده عامل الثقة، مع الإشارة إلى أن لا مؤشّرات اعادة الثقة بالاقتصاد”.
وختم أبو سليمان حديثه منبّها اللبنانيين من الوقوع ضحيّة المضاربة، وخسارة دولاراتهم مقابل رفع سعر الدولار في ما بعد.