بين تعميم وآخر، يتواصل الكرّ والفرّ بين الدولار والليرة، ويستمر السلب والنهب من جيوب المودعين في أكبر عملية نصب منظمة تديرها مافيا المنظومة الحاكمة لتمويل استمرارية سطوتها على البلد ومقدراته… وتحت هذا السقف تندرج “تعاميم” المصرف المركزي وتتدرّج في جرعات تخدير الناس وتسكين أوجاعهم تحت رحمة نصل “منشار” الدولار الآخذ بنهش لحمهم الحيّ “صعوداً ونزولاً” في السوق السوداء.
وبهذا المعنى، تسلك تعاميم “تعويم” السلطة طريقها باتجاه تقطيع المرحلة بالتي هي أحسن على قاعدة الموازنة بين وجوب أن “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم” حتى بلوغ موعد الانتخابات النيابية، فكان قرار المصرف المركزي عرض “الفريش دولار” في سوق المصارف لخفض الطلب عليه في سوق الصيارفة، ومحاولة تأمين توازن مرحلي بين العرض والطلب للجم الانهيار الدراماتيكي بالعملة الوطنية والقدرة الشرائية… فحاك اجتماع السراي الحكومي خطة محكمة لتبريد فتيل الانفجار الاجتماعي، أخرج بموجبها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “أرنباً” جديداً من جيب “هندساته المالية”، أفضى إلى فتح سقف سحوبات المصارف النقدية بالدولار مقابل الليرة لتزويدها إلى عملائها وفق تسعيرة “صيرفة”.
وبذلك، يكون التعميم الجديد أعاد منح السلطة وقتاً مستقطعاً إضافياً لالتقاط أنفاسها قبل استكمال مناوراتها السياسية والانتخابية حتى أيار المقبل، غير أنّ الصرافين كانوا أول من “فهم اللعبة” فسارعوا إلى عرض الدولار في “يوم الغضب” مستفيدين من إقفال المصارف، قبل دخول التعميم الجديد حيز التنفيذ أمس واستفادة المواطنين من مفاعيله، فجرى تطويقه فوراً بانخفاض كاسح في سعر الصرف بلغ مستوى 25 ألف ليرة ظهراً قبل أن يعاود الارتفاع ليقفل عند سعر 28 ألفاً، مع تلميح مصادر مالية إلى إمكانية أن يكون المصرف المركزي قد استفاد من عملية “تلبيس الطرابيش” التي أجراها في سوق الدولار، حيث قد يكون هو نفسه باع دولارات على السعر المرتفع الذي تجاوز حاجز الـ33 ألف ليرة خلال اليومين الماضيين، ليعود ويشتريه أمس على سعر منخفض.
وبحسب مصادر مالية، فإنّ 3 أمور أساسية تعكر صفو انخفاض سعر الدولار خلال الساعات الأخيرة، “الأول يتمحور حول عدم استدامته باعتباره إجراء مؤقتاً ناتجاً عن تعمد ضخ مصرف لبنان ملايين الدولارات في اليوم الواحد، وهو ما لا يستطيع الاستمرار به على المدى الطويل، والأمر الثاني والأهم، يكمن في أن هذه الدولارات التي يتم صرفها تتأتى إما مما تبقى من توظيفات إلزامية للمصارف لدى المركزي، أو من حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.139 مليار دولار”، موضحةً أنه مع استمرار تأزم الوضع السياسي وعدم قدرة الطبقة السياسية على اعتماد الحلول الاصلاحية العلمية “سنصحو في يوم ليس ببعيد على نفاد حقوق المودعين في المصارف، وتبخر حقوق السحب الخاصة التي كان يعول عليها لاستعادة العافية بعد تنفيذ خطة التعافي… وحينها لن يبقى شيء يمكن الاستناد عليه لربط سعر الصرف”.
تزامناً، برز أمس “الضوء الأخضر” الأميركي الذي تلقته الحكومة اللبنانية للانطلاق في مشروع استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سوريا، وتبديد الهواجس اللبنانية المتعلقة بعقوبات قانون “قيصر”. إذ نقلت السفيرة دوروثي شيا إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس “كتاباً رسمياً خطياً من وزارة الخزانة الأميركية أجابت خلاله على بعض الهواجس التي كانت لدى السلطات اللبنانية في ما يتعلق باتفاقيات الطاقة الإقليمية التي ساعدت الولايات المتحدة في تسهيلها وتشجيعها بين لبنان والأردن ومصر”. وجزمت السفيرة الأميركية بموجب هذا الكتاب أنه “لن يكون هناك أيّ مخاوف من قانون العقوبات الأميركية”، مشددةً على أنّ الرسالة التي سلمتها إلى ميقاتي “تمثل زخماً الى الأمام لإحراز تقدم في معالجة أزمة الطاقة التي يعاني منها الشعب اللبناني”.