لم تتبدل صورة الترقب الذي يسود المشهد الرسمي والسياسي منذ أعلن الثنائي “امل” و”حزب الله ” عودة وزرائهما إلى المشاركة في جلسات مجلس الوزراء مشروطة بالجلسات المتعلقة بإقرار الموازنة وخطة التعافي الاقتصادي والمالي. وفيما كان معظم المعنيين والقوى السياسية يرصدون موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من هذا التطور بدا لافتا ان قصر بعبدا التزم الصمت ولم يعلق على عودة الثنائي عن مقاطعة الجلسات ولا على الشرط الذي قرن به عودته ولا على الاستعدادات الجارية لإحياء مجلس الوزراء بجلسات إقرار الموازنة وخطة التعافي الاقتصادي بما يعكس صحة التقديرات عن موقف سلبي لرئيس الجمهورية كما لـ”التيار الوطني الحر” من هذا الاشتراط، ويرجح ان يعلن “تكتل لبنان القوي” اليوم موقفا منه.
وفي المناخ السياسي الذي أحاط هذا التطور تؤكّد معطيات أنّ التعامل سيكون على “القطعة” في الأسابيع المقبلة مع الخيارات الحكومية وحتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، مع غياب التوجّه إلى عقد تسويات أبعد من حدود التفاهمات المنتظرة على الموازنة وخطة التعافي الحكومية باعتبارهما ممرين اجباريين لشق طريق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وسيغيب بند التعيينات عن أيّ جلسة حكومية مرتقبة مع اتجاه حاسم يتبنّاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لناحية حصر البنود بالمهمّات الأساسية المتعلّقة بالإعداد للخطّة الإنقاذية. وقد ردّد في مجالسه أنّه لا يمكن فتح ورشة تعيينات على مشارف الانتخابات. أما على صعيد تفعيل محرّكات الجلسات النيابية، فهناك مؤشرات تلقّفتها مصادر سياسية حول إمكان عودة عدد من النواب إلى طرح البند المتعلق بتصويت المغتربين على صعيد الاستحقاق الانتخابيّ والانتقال إلى “الدائرة 16” على أساس انتخاب ستّة نواب يمثلون القارات. ولا يعني التلويح بهذا الطرح الاتّجاه العملي نحو السير به أو ترجمته، في ظلّ عدد من المحاذير التي تنطلق من رفض شرائح واسعة في الاغتراب لهذه الصيغة واتّجاه منصّات فاعلة اغترابياً إلى التصعيد في حال العودة عن صفحة التصويت لمصلحة 128 نائباً على امتداد الأقضية الذي اعتُبر بمثابة “انتصار اغترابيّ”. ولا يمكن إغفال عدد من الاعتبارات المرتبطة برفض القوى والأحزاب المحسوبة على المحور السياديّ الانتقال إلى صيغة “النواب الستة”، مع أجواء تعبّر عن رفض دولي لأيّ متغيّر من شأنه التأثير سلباً على منحى العملية الانتخابية أو إبطائها أو عرقلتها.
الجلسة الأولى
إذا لم تحمل الساعات الماضية اي جديد على خط تحديد موعد جلسة لمجلس الوزراء عقب قرار الثنائي الشيعي الافراج عن الحكومة شرط ان يقتصر جدول اعمال الجلسات المنتظرة على ملف الموازنة والقضايا المعيشية، في انتظار انهاء مشروع الموازنة من قبل وزارة المال. الا ان وزير الاقتصاد امين سلام أعلن وهو يجول على السوبرماركت لتفقد الاسعار في ضوء هبوط الدولار عن عقد جلسة لمجلس الوزراء الاثنين المقبل ستكون الموازنة أول البنود على جدول أعمالها.
وفي اول صدى ديبلوماسي لعودة احياء مجلس الوزراء أشارت أمس منسقة الأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا إلى “أنّنا نتطّلع إلى استئناف اجتماعات مجلس الوزراء في لبنان وإلى القرارات التي سيتّخذها، بما في ذلك ما يخصّ موازنة الدولة للعام 2022”. وقالت “يمكن حكومة تعمل بكامل طاقتها أن تعيد الأمل لشعبها وأن تمهّد الطريق للإصلاحات وللتعافي”.
وفي غضون ذلك قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس “حبذا لو ان الحركة السياسية في لبنان تشبه وتتماثل بالحركة الثقافية في نقائها وابتعادها عن الابتلاء الطائفي والمذهبي الذي لا شك أن مخاطره على الكيان اللبناني هي مخاطر وجودية”. واشار إلى ان “قضاء وقدر أي بلد في العالم لا تطبق فيه الدساتير والقوانين حتما سيكون الانهيار تلو الانهيار، فلا مناص ولا خلاص ولا إنقاذ ولا حماية للبنان إلا بالعودة إلى الالتزام بقواعد الدستور والقانون وبالدولة المدنية”.
أهالي شهداء المرفأ
ولكن العامل البارز الذي سجل أمس تمثل بتقدم ملف التحقيقات في جريمة انفجار المرفأ، اذ زار أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود. وكان الأهالي اقفلوا خلال اعتصام ووقفة احتجاجية تضامنا مع المحقق العدلي في الملف طارق البيطار طرق ومداخل قصر العدل في بيروت، رافعين الإعلام اللبنانية وصور الشهداء وبث الاناشيد والاغاني الثورية والوطنية عبر مكبرات الصوت. ووزعت جمعية أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت بيانا شددوا فيها على انه “فاض بنا الكيل، لقد نزلنا اليوم مقررين اغلاق العدلية تعبيرا عن غضبنا واحساسنا العميق بالظلم الذي يلحقه بنا كل من يقدم طلبات من شأنها تعطيل عمل القاضي بيطار. نحن اليوم نؤكد أننا وراء المحقق العدلي أكثر من أي وقت مضى ونحمل المسؤولية للمجرمين المدعى عليهم الذين لا يمارسون شيئا إلا التعطيل والتهرب من العدالة. نحن ننتظر من القضاء الشريف أن يوقف هذه المهزلة ويجد حلا لها ولو اضطر إلى فرض غرامات باهظة على من يعيد تقديم طلبات الرد التي من شأنها أن توقفهم عند حدهم أو بطريقة أخرى لأنه من الواضح أن هؤلاء المجرمين ابتدعوا طريقة لتعطيل العدالة وبدأنا نرى نفس النهج في قضايا اخرى. نطالب وبشده تعيين قاض جديد ليكتمل نصاب الهيئة العامة لمحكمة التمييز لكي تتمكن من الاستمرار في عملها”.
في المقابل جددت حركة “امل” هجومها على ما وصفته ب”الأداء المنحرف للقاضي طارق البيطار” معتبرة ان “الرأي العام تأكد من انحيازه وتسييس عمله انطلاقا من أجندة موضوعة له لتصفية حسابات سياسية وفي محاولة يائسة لوضع اليد ومصادرة دور وصلاحية المجلس النيابي، وهذا ما لا يمكن القبول به بأي شكل ومهما حاول المتوهمون في الغرفة السوداء إياها التي تحرك هذا القاضي، والذي أصبح عبئا على هذا الملف بشهادة عوائل الشهداء وأهالي الموقوفين وكل من يتصل بهذه القضية وبعمله الذي نسي فيه التحقيق لكشف المسؤولين عن الجريمة واتجه لمحاكمات سياسية وتجاوز الدستور بما يفقده المشروعية في متابعة هذه القضية”.
على صعيد آخر، وعقب البلبلة التي أحاطت بحادثتين تعرضت لهما طائرتان قطرية ويونانية في مطار رفيق الحريري الدولي، رأس وزير الداخلية بسام المولوي اجتماعا لجهاز أمن المطار. وأوضح المولوي أن “إطار الطائرة القطرية دهس مقذوفا كان موجودا على أرض المطار وبالتالي لم يحصل أي إطلاق نار أو عمل أمني أو تخريبي أو ارهابي”، كما لفت إلى انه “عثر في الطائرة اليونانية على ثقب تحت قمرة القيادة سببه اصطدام الطائرة بجسر صغير متحرك ولا علاقة لهذا الأمر بأي عمل إرهابي”. كما شدد على ان “عناصر جهاز امن المطار هم عسكر يلتزمون واجباتهم ورئيسهم أكد لي أن أحدا منهم لا يدخل إلى الطائرة لأي سبب كان”.
التضامن مع الإمارات
ولم يحجب المناخ الداخلي موجة الاستنكارات الواسعة في لبنان رسميا وسياسيا للهجوم الارهابي الذي استهدف أمس مطار ابو ظبي في الامارات العربية المتحدة والذي أوقع عددا من القتلى والجرحى وتسبّب باندلاع حرائق. وقد ادان رئيس الوزراء نجيب ميقاتي هذا الهجوم مؤكدا “كل تضامننا مع دولة الامارات العربية المتحدة، رئيسا وشعبا، ضد هذا التعدي السافر الذي يندرج في سياق تهديد الامن والاستقرار في الامارات وضمن مخطط يهدف إلى البلبلة وتوجيه رسائل دموية، لم تكن في يوم من الايام الحل لأي نزاع.” كما دانت وزارة الخارجية والمغتربين بشدّة الهجوم الذي تعرضت له امارة ابو ظبي والذي استهدف منشآت مدنية وحيوية، مؤكدةً “تضامنها مع دولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة شعبًا وحكومةً في وجه اي اعتداء يطال سيادتها وامنها واستقرارها”.
وفي السياق صدرت إدانات قيادية فاعتبر الرئيس سعد الحريري انه “عندما تتمادى الميليشيات الحوثية في اعتداءاتها لتستهدف الامارات العربية المتحدة، فهذا يؤكد ان أوامر العمليات في العدوان يتخطى تلك الميليشيات وقياداتها المحلية، وان مصدر الفتنة والفوضى والتخريب هو دولة تضمر الشر للبلدان العربية وشعوبها” وقال “انها مسيرات ايرانية بامتياز استهدفت العاصمة الاماراتية ونفذت عدوانا مكشوفا على المجال الامني العربي، وعلى النجاح العربي في مختلف أوجه التقدم والانفتاح والحداثة. دولة فاشلة تريد دول المنطقة على صورتها فتلجأ لأدوات تخريب محلية لضرب المجتمعات العربية واثارة الفتن بين أبنائها”. كما دان الرئيس تمام سلام الاعتداء ووصفه بـ”العمل الجبان” واكد تضامنه ووقوفه إلى جانب الامارات قيادة وحكومة وشعبا. بدوره، استنكر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “أشد الاستنكار استهداف الحوثيين دولة الإمارات العربية المتحدة كما التعديات اليومية على المملكة العربية السعودية في تصعيد عسكري خارج حدود اليمن ويستهدف دول الجوار ما يتطلّب ردعه فورا، لأنه يهدِّد الاستقرار على صعيد المنطقة”. واعتبر انه “إذا كان الحوثيون والإيرانيون الذين يقفون خلفهم يربطون بين هذه الهجمات على السعودية والإمارات وبين ما يحصل في اليمن، فإن ما يحصل في اليمن هو حرب تقودها طهران من خلال الحوثيين في محاولة مستمرة للانقلاب على الشرعية اليمنية وخيار اليمنيين في دولة واستقرار ودستور وسيادة”.
واستنكر جهاز العلاقات الخارجية في حزب الكتائب اللبنانية الاعتداء الذي تعرّضت له دولة الإمارات العربية المتحدة ووضع “هذه الاعتداءات المتكرّرة على الدول الخليجية وخصوصًا ما حصل في إمارة أبو ظبي في سياق محاولات البعض لتأزيم الأجواء السياسية والعسكرية. كما شجب “محاولات البعض لزعزعة أمن دولة الإمارات والخليج العربي عامةً ولاسيما في هذا التوقيت المفصلي الذي يرسم خلاله مستقبل المنطقة، ويدعو الجهاز الأمم المتحدة والأطراف المعنية للجم أي محاولة لتعكير الأمن والسلام في المنطقة”.