على وقع ارتفاع منسوب التوتر الاقليمي بعد اتساع حرب اليمن وامتدادها الى الامارات العربية المتحدة، وما قد يستتبعه ذلك من ارتفاع حدة «الكباش» بين طهران ودول الخليج، وفيما تتجه الانظار الى اوكرانيا التي تهدد بانفجار غير محدود في العلاقات الاميركية الروسية، دخلت البلاد في مرحلة انتظار جديدة ترتبط بترقب «غموض» ارقام الموازنة الجديدة التي ستكون على طاولة مجلس الوزراء الاثنين المقبل، وما ستحمله من مفاعيل اقتصادية على الواقع المعيشي السيىء، فيما لا تزال خطة التعافي غير جاهزة للنقاش مع صندوق النقد الدولي الاسبوع المقبل. وفيما تمر عملية استجرار الطاقة من الاردن ومصر «بحقل الغام» الضمانات الاميركية والاصرار الاسرائيلي على تبني هوية الغاز المستورد، يبقى الترقب سيد الموقف سياسيا، بعد عودة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الى بيروت وتوجهه الى اعلان موقفه بالعزوف عن المشاركة بالانتخابات النيابية المقبلة.
في هذا الوقت رفع رئيس الجمهورية ميشال عون «سقف» المواجهة مع السفارة الاميركية في بيروت بعدما وجه انتقادات لاذعة لدور سفارتها في بيروت واتهمها امام السلك الدبلوماسي بدعم مجموعات من المجتمع المدني عشية الانتخابات، وهو ما اعتبرته مصادر دبلوماسية «كسرا للجرة» مع واشنطن التي عبرت سفيرتها دوروثي شيا عن موقف شديد اللهجة امام زوار عوكر، متهمة الرئيس بخلق «عدو وهمي» يساعد تياره السياسي في الانتخابات المقبلة، بعدما سقطت كل محاولات التسويات المفترضة من وسطاء لرفع العقوبات عن النائب جبران باسيل..!
ترقب لموقف الحريري
فبعد غياب «مبهم» استمر اشهرا، وكما كان متوقعا عاد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، إلى بيروت امس، لترتيب «البيت» الداخلي تحضيرا لاستحقاق الانتخابات النيابية بعدما بات اعلان عزوفه عن خوض «المعركة» شخصيا مرتقبا خلال الساعات القليلة المقبلة بعد «ورشة» اجتماعات مع نواب وقيادات تياره السياسي، ووفقا للمعلومات، لم يقدم الحريري اجوية مقنعة في دار الفتوى او القصر الحكومي حيال «التذبذب» الحاصل حول قرار عزوفه، متحدثا عن الظروف العامة الصعبة في البلاد، فيما لمس محدثوه احباطا شديدا لديه مما آلت اليه الامور، خصوصا غياب «المظلة» الاقليمية والدولية عن تياره السياسي في احلك الظروف.
زيارة قصيرة
ووفقا لمصادر تيار المستقبل، لن تطول زيارة الحريري الى بيروت، ومن المرتقب ان يعلن خلال الساعات المقبلة قراره «بمقاطعة» التركيبة الموجودة «اقتراعا وترشيحا»، لكن حتى الان وبانتظار الاجتماع المرتقب معه ينتظر اعضاء التيار ونوابه مقاربته لكيفية خوض تيار المستقبل لهذا الاستحقاق، على مستوى الترشيحات وكذلك التمويل؟! لكن الاهم هو ترتيب «البيت الداخلي» كي لا تحصل انشقاقات تؤدي الى انهيار تيار المستقبل في ظل غياب قيادات وازنة قادرة على ادارة التيار «مركزيا» في ظل مخاوف من تسرب قيادات وازنة الى تيارات اخرى وخصوصا شقيقه بهاء!
محاولات فاشلة
وبانتظار اعلان موقفه رسميا، وكيفية خوض تيار المستقبل للانتخابات في ظل التشرذم الحاصل في الساحة السنية، ومزاحمة شقيقه بهاء المقرر حضوره الى بيروت في شباط المقبل، تشير المعلومات الى ان رؤوساء الحكومة السابقين سيبحثون معه كيفية ادارة الموقف النائب بهية الحريري لم تنجح في اقناع ابن شقيقها بالتراجع عن موقفه، وتواصلت معه قبل عودته الى بيروت،وعبرت عن خشيتها على «انهيار» تيار المستقبل وضياع ارث الشهيد رفيق الحريري، وهي من دفعته الى التعجيل في عودته لتنظيم الامور اقله كي لا تعم الفوضى داخل «التيار» في ظل اسئلة عمن سيملأ الفراغ. وكان الحريري قد استهل نشاطه بزيارة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، الذي استقبله في الباحة الخارجية للسراي الحكومي، بعدها زار دار الفتوى حيث استقبله مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وعقد معه لقاء تم خلاله تدوال الشؤون العامة وآخر التطورات، وعلم في هذا الاطار، انه طلب منه اتخاذ اجراءات «لتلطيف» قراره بحيث لا يترك تاثيرا كبيرا على الساحة السنية التي ستشهد فراغا غير مسبوق. وفي سياق متصل اعلن النائب تمام سلام عزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية، ما يطرح السؤال الملح حول مستقبل الساحة السنية وخصوصا الدائرة الثانية في بيروت؟
عون يتهم الادارة الاميركية
في هذا الوقت، وجه رئيس الجمهورية ميشال عون اتهامات مباشرة إلى جهات دوليّة لم يسمها بالتنسيق مع جمعيات والعمل على استثمار الدعم المادي والإنساني لأهداف سياسية على أبواب الانتخابات النيابية، وهو موقف متقدم بحسب اوساط سياسية مطلعة يعد «كسرا للجرة» مع الولايات المتحدة الاميركية التي لم يسمها الرئيس، ولكنه المح الى تورطها اكثر من مرة في الانغماس المباشر في التاثير بالعملية الانتخابية المرتقبة، وخصوصا على الساحة المسيحية حيث يتم استغلال انفجار المرفأ لتاليب المسيحيين على التيار الوطني الحر الذي تم وضع رئيسه جبران باسيل على لائحة العقوبات في خطوة سياسية لا علاقة لها بالفساد. لكن الجديد بالامس ان هذه الاتهامات وجهت امام السلك الدبلوماسي في بعبدا، وهي خطوة غير مسبوقة على المستوى الدبلوماسي حيث اراد الرئيس وضع «النقاط على الحروف» امام المجتمع الدولي، وهو ما تعتبره واشنطن تجاوزا لكل ما سبق من اتهامات، بحسب زوار السفارة الاميركية في عوكر.
انزعاج اميركي!
ووفقا لهؤلاء، كان واضحا حجم الاستياء لدى السفيرة دوروثي شيا التي ابدت انزعاجها من كلام رئيس الجمهورية، رافضة الاتهامات بحق بلادها، وزعمت ان تصعيد الرئيس له خلفيات سياسية ترتبط بفشل اكثر من «وساطة» لرفع اسم رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل عن لائحة العقوبات، وادعت ان بلادها تقدم عونا «انسانيا» لا سياسيا لبعض المجموعات المددنية بعيدا عن اجهزة الدولة التي ينخرها الفساد.! وفي سياق الرد غير المباشر على عون تقصدت السفارة الاميركية امس اصدار بيان اكدت فيه ان بلادها قدمت 40 مليون دولار عبر وكالة «التنمية» بالتعاون مع برنامج الاغذية العالمي لمساعدة 740 الف شخص لبناني وسوري ، وقالت ان بلادها «قلقة» من الاحتياجات الانسانية في لبنان! وكان عون وفي اتهام غير مباشر للسفيرة الأميركية، دوروثي شيا، ومن خلفها الولايات المتحدة، وقال ان «جهات تجاوزت واجب التنسيق مع مؤسسات الدولة وتعاطت مباشرة مع جمعيات ومجموعات بعضها نبت كالفطر بعد انفجار المرفأ، وتعمل على استثمار الدّعم المادي والإنساني لأهداف سياسية وتحت شعارات ملتبسة، خصوصاً أنّ لبنان على أبواب انتخابات نيابيّة».
«رسالة» الى دول الخليج
وفي «رسالة» الى دول الخليج، لم تلق الصدى المطلوب بحسب اوساط دبلوماسية، تحدثت عن انشغال هذه الدول بالتطورات التي تلت استهداف الامارات، وعدم وجود اجواء مهيأة لاي مراجعة حالية للعلاقة مع لبنان في ظل ارتفاع منسوب التوتر، قال عون ان لبنان بطبيعته ليس ممرّاً أو مقرّاً لما يمكن أن يسيء إلى سيادة دولكم وأمنها واستقرارها ولا يشكّل تدخّلاً في شؤونها الداخلية وخصوصاً الدّول العربية الشقيقة، آملاً أن تكون مواقف بعض الدول مماثلة لمواقف لبنان، بحيث لا تستعمل ساحته ميداناً لتصفية خلافاتها أو صراعاتها الإقليمية، ولا تدعم فئات أو مجموعات منه على حساب فئات أخرى، بل تتعاطى مع جميع اللبنانيّين من دون تمييز أو تفرقة. وقد جاءت الترجمة السعودية العملية لاستمرار التصعيد في زعم نائب مندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة المستشار محمد بن عبدالعزيز العتيق في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي بان حزب الله يهيمن على مفاصل الدولة اللبنانية، واصفا مجددا الحزب «بالتنظيم الارهابي».!
خطة التعافي «غير جاهزة»؟
وفيما يسود الترقب الموازنة، في ظل غموض سعر الدولار الذي سيعتمد فيها، وتاثير ذلك على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، لا تزال الحكومة غير جاهزة بعد لمناقشة خطة التعافي مع صندوق النقد الاسبوع المقبل، ووفقا لمصادر وزارية لا اتفاق حتى الان على كيفية توزيع الخسائر بين المودعين، والمصارف، والدولة، ومصرف لبنان، واذا كانت مسالة حماية صغار المودعين، متفق عليها، الا ان كيفية احتساب الخسائر وتوزيعها لا تزال عالقة، لكن الوفد الحكومي لن يطلب تاجيلا لجلسة التفاوض «الافتراضي» لكنه سيطلب من وفد الصندوق كيفية مقاربته لهذه المعضلة ليتم مناقشتها في الجلسات المقبلة. وتجدر الاشارة الى ان مصادر مصرفية اكدت ان المصارف لا تزال خارج هذه المفاوضات ولم تتشاور الحكومة معها في الاجراءات المفترضة، وقد تم ابلاغ المسؤولين ان معظمها قد يكون مضطرا بالانسحاب من السوق اذا ما تم اجبارها على اتخذ اجراءات غير قادرة على تلبيتها.
غموض الموازنة «مقلق»
في غضون ذلك لا تزال ارقام الموازنة غامضة في ظل «التكتم» حول سعر الصرف الذي سيعتمد في تحديد ارقامها او في خطة التعافي، وهو مارفض الافصاح عنه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي في مجلس النواب بالامس، لكنه وبحسب مصادر مطلعة ابلغ من قبل كتل نيابية وازنة رفضها اي قرار في خطة التعافي يتعلق بتحويل الودائع من الدولار الى الليرة، وقيل له صراحة ان هذا الامر لن يمر خصوصا قبل الانتخابات النيابية. وفيما اشار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من السراي الحكومي ان الحكومة تعاود جلساتها الاسبوع المقبل لدرس واقرار الموازنة العامة التي تشكل محطة اساسية تحتاجها البلاد لانتظام عمل الدولة، داعيا الجميع لتكون هذه الموازنة خطوة اساسية على طريق الاصلاح المنشود. تزداد بواعث القلق، وسط معلومات عن رفع قيمة الدولار الجمركي، حيث يرتقب ان ترتفع أسعار السلع في السوق،ووفقا لمصادر وزارية لا ضرائب جديدة في موازنة العام 2022 لكن احتمال زيادات الرسوم المالية في الدولة وارد جدا، ولفتت الى ان آلية زيادة الدولار الجمركي لن تكون في الموازنة، بل سيتخذ القرار لاحقا في مجلس الوزراء، على ان يكون سعر صرف الدولار الجمركي بين 6 و8 آلاف ليرة لكنه لن يشمل المواد الغذائية وغيرها، وثمة اقتراحات بان يكون سعر منصة صيرفة لتحديد الدولار الجمركي على الكماليات المستوردة.اما الإنفاق فسيكون مقتصراً على رواتب موظفي القطاع العام والمصاريف اللوجيستية، في ظل استبعاد أي إنفاق استثماري في الموازنة في ظل هذه الظروف، فيما سيواصل مصرف لبنان دعم أدوية الأمراض المستعصية والطحين، اما الايرادات فلن تشمل زيادة في الضرائب، ولكن الاهم ان ارقام العجز ستكون وفق رغبات صندوق النقد..!
تعرفة الاتصالات «غامضة» ايضا
وفي سياق متصل، الغموض مستمر في تعرفة الكهرباء المفترضة وكذلك الاتصالات، وفي هذا السياق، أعلن وزير الاتصالات جوني القرم انه لم يرسل بعد أرقام موازنة الوزارة، وتحدث عن اجتماعات مكثفة هذا الأسبوع للانتهاء من موضوع التعرفة، وأكد أن «هذا الأمر يحتاج الى جهد كبير لأننا نأخذ بالاعتبار ذوي الدخل المحدود»، متوقّعاً «تقديم موازنة الوزارة مطلع الأسبوع المقبل». أمّا عن الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات، فأكد السعي إلى تعيينها، «لكنّ ذلك يتطلّب اجتماع مجلس الوزراء»، آملاً «عدم خضوعها للمحاصصة لأنّها مصلحة وطنية بامتياز!
الكهرباء تنتظر الضمانات الاميركية
وفي ملف الكهرباء، اكدت اوساط مطلعة ان رسالة الضمانات الاميركية للاردن لا تزال غير كافية لتسهيل توريد الكهرباء الى لبنان، وثمة انتظار لردود اميركية لم تصل بعد، فيما موافقة البنك الدولي على التمويل الكامل لاستجرار الطاقة من مصر والاردن ليست نهائية، بانتظار اصلاحات جدية في قطاع الكهرباء، وخصوصا زيادة التعرفة.
«تشويش» اسرائيلي
وفي هذا الوقت، دخلت اسرائيل مجددا على خط «التشويش» على هذه الخطوة، وبعد النفي الاميركي واللبناني ، عادت محافل رفيعة المستوى في وزارة الطاقة الاسرائيلية التاكيد، بأن مصريين يستوردون الغاز من إسرائيل، ثم سيصل إلى لبنان تحت عنوان انه غاز مصري، لكن الحقيقة انه صفقة دائرية لا يريد احد الاقرار بها علنا!
الغاز ليس «مصريا»!
وبحسب زعم صحيفة «يديعوت احرنوت»الاسرائيلية فان قسماً كبيراً من الكهرباء في الأردن ينتجه غاز يصل من إسرائيل. ومصر، رغم أنها هي نفسها منتجة غاز، تحتاج إلى إضافات كبيرة من الغاز الإسرائيلي. ولبنان، الذي لا يريد أن يشتري الغاز الإسرائيلي بشكل مباشر، يضطر الآن لشرائه عبر مصر!.
تهدئة قضائية- مالية؟
وبانتظار وفد قضائي فرنسي سيصل الى بيروت لمناقشة ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع القضاة اللبنانيين، وبعد قرارَي منعه من السفر، ووضع إشارة منع تصرف على عقاراته وسيّاراته، اللّذين أصدرتهما النائبة العامة الاستئنافيّة، القاضية غادة عون، أرجأت قاضية التحقيق في جبل لبنان، أرليت تابت، جلسة استجواب سلامة، التي كانت مقرّرة امس إلى الثالث من شهر آذار المقبل، من دون اتّخاذ قرار بحقه على الرغم غيابه ومحاميه عن الجلسة. ووفقا لمصادر مطلعة اعترض محاومو «متحدون» الذين اعترضوا على التاجيل لانه غير مبرر، ورفعوا قضية ضد القاضية تابت امام التفتيش القضائي. ويبدو ان التاجيل «التسوية» حصل في ظل اجواء التهدئة في البلاد التي واكبتها اجراءات من قبل «المركزي» ساهمت بتخفيض سعر الدولار الاميركي مقابل الليرة، فيما يحتاج اقرار الموازنة ودرس خطة التعافي الى مناخ مؤات يساعد في تمريرهما، واي اجراء عملاني ضد سلامة كان كفيلا بادخال البلاد باجواء متشنجة تعيد الامور الى «نقطة الصفر». وفي سياق متصل، اعلن حاكم مصرف لبنان التأكيد على الاستمرار بتنفيذ التعميم 161 بمفاعيله وببيع الدولار الأميركي الورقي مقابل الليرة اللبنانية الورقية ومن دون سقف محدد.