لم يقض زعيم تيار المُستقبل سعد الحريري وقته، منذ وصوله إلى بيروت قبل يومين، في ممارسة هواياته وتحضير أطباق إيطالية واستقبال أصدقاء. المفارقة أن جدول أعمال رئيس الحكومة السابق، ربما للمرة الأولى، كان جدياً وخالياً من «الاستجمام». المفارقة الأخرى، أيضاً، أن «الشيخ» استفاق متأخراً جداً، وعاد بعد «خراب البصرة» ليُخبِر «جماعته» عن هذا الخراب وأن لا مجال لـ«قيامة».
اجتماعات الحريري، أمس، لم تتضمّن نقداً ذاتياً أو مُراجعة، بل عرْض لخيارات يدرسها الحريري، بدءاً من عزوفه عن الترشّح للانتخابات النيابية، مروراً بحلّ الماكينات والمنسقيات والتيار ككل. «الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات»، هذا ما أوحى به الحريري الذي لم يفرج دفعة واحدة عمّا يخطّط له.
في اليوم لثاني لزيارته، التقى الحريري كتلة «المستقبل» النيابية ومكتبه الرئاسي، في جلستَين منفصلتين استمرتا لساعات. خلالهما، استذكر النتائج المُخيّبة التي حصدها هو وتياره من السياسات والتحالفات الخاطئة منذ عام 2005. تحدث عن كل ما يتّصل بتيار رفيق الحريري، كيف كان، وما أصبح عليه. وقدّم مطالعة حول واقع التيار المالي والتنظيمي والسياسي والشعبي، محاولاً إيهامهم بأنه يٌفكّر معهم بصوت عالٍ ويريد الاستماع الى آرائهم، لكنهم جميعاً فهموا أن القرار مُتّخذ: «لا مكان لتيار المستقبل في الانتخابات المقبلة». هذا هو المهم، والباقي تفاصيل.
كل نائب في الكتلة أدلى بموقفه، وتقاطعوا جميعاً عند رفض قرار الانسحاب بالكامل من المشهد. وحده النائب سمير الجسر كان خارج السرب، و«قدّم مطالعة سياسية وقانونية التقت مع الحريري في مقاربته للأمور منذ عام 2005، وبخاصة بعد أحداث 17 تشرين». آما الآخرون فقد أصابتهم حال من الذهول والصدمة والاستياء الكبير من «تغليب الحريري مصلحته الشخصية على مصلحة التيار ككل». لم تكُن الأجواء داخل الجلسة حادة، كما قيل، لكنها كانت «ثقيلة». صحيح أن الغالبية كانت تتوقّع ما سيقوله، نتيجة ما تسرّب قبيل مجيئه، لكن «الاحتضار يختلف عن الموت»!
وحده النائب سمير الجسر التقى مع الحريري في مقاربته
أكثر من نائب في الكتلة أكدوا للحريري أن «قراره بعدم الترشح أو تبنّي لوائح غير منطقي أو مقبول. لا بل هو قرار مُجحف وستكون له تداعيات كبيرة على الجمهور وعلى الطائفة وعلينا». ورفض عدد من النواب ما قيل عن نسبة التأييد في الشارع، مشيرين إلى أن «لديهم أصواتاً انتخابية كثيرة في مناطقهم، وأن ما يساعدهم هو غياب البديل». لكن الحريري لم يظهر اقتناعاً بكل ما قيل، وأكد أنه «يفضّل أن لا يخرج حالياً أي موقف رسمي عن التيار»، لأنه يريد أن يستكمِل جولته السياسية. لكن «أريدكم الاثنين هنا، كل أعضاء الكتلة»، كما نُقل عنه، مع التداول بمعلومات عن نيته عقد مؤتمر صحافي لإعلان الموقف رسمياً، ويريد أن تكون الكتلة معه للإيحاء بوجود تأييد نيابي لهذا الموقف.
وفيما نقلت مصادر مستقبلية «وجود نقمة كبيرة لدى المنسقيات»، قالت إن «الخطوة الأصعب هي في التفاصيل التنفيذية التي لم تتضح آليتها بعد»، علماً بأن هناك «أموراً كثيرة بدت غير مفهومة»، منها على سبيل المثال أن «طقم الحرس القديم الذي كان موجوداً سابقاً في بيت الوسط تبدّل».
ومن المفترض أن يستكمِل الحريري جولته خلال الأيام المقبلة، وقد تشمل كلاً من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تلقّى اتصالاً من الحريري أول من أمس، وطلب برّي منه الانتهاء من جولته قبل أن يلتقيا.