اذا كان إقرار موازنة 2022 التي سيشرع مجلس الوزراء في درسها ومناقشتها تمهيدا لاقرارها في جلسة صباحية يعقدها الاثنين المقبل في قصر بعبدا منهيا عبرها مقاطعة شلته طوال ثلاثة اشهر يشكل استحقاقا أساسيا في انطلاق مسار مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي التي ستبدأ بدورها الأسبوع المقبل فان الأنظار السياسية والشعبية ستتجه بصورة اكثر سخونة نحو القرار الذي يفترض ان يعلنه الرئيس #سعد الحريري الاثنين المقبل أيضا حيال مسألة مشاركته الشخصية كما مشاركة تيار وكتلة “المستقبل” من عدمهما في الانتخابات النيابية.
ذلك انه غداة عودة الحريري الى بيروت تفاعلت على نطاق واسع مسألة مشاركته او عزوفه عن الترشح للانتخابات وسط تنامي المؤشرات التي ترجح عزوفه الشخصي عن الترشح فيما كان النقاش الداخلي في الهيئات القيادية لتيار “المستقبل” وعبر كتلته النيابية يتمحور حول القرار الحاسم أولا عما إذا كانت التيار سيخوض الانتخابات ويشرع في تأليف لوائحه وعقد تحالفاته الانتخابية ام سيمتنع بدوره عن خوضها بما يطلق الحرية لمن أراد من محازبيه ان يترشح. وترأس الحريري لهذه الغاية اجتماعا عصر أمس في بيت الوسط لكتلة المستقبل ثم رأس اجتماعا اخر للمكتب السياسي لـ”تيار المستقبل”، ولم يصدر أي بيان عن الاجتماعين اذ تقرر ان يعلن الحريري القرار النهائي في شأن المشاركة الاثنين المقبل. وفهم ان الحريري طلب من أعضاء الكتلة الالتزام التام بعدم تسريب أي معلومات ومعطيات عن المداولات السرية الجارية والتي تهيئ لقرار كبير كما بات معلوما. ذلك ان عددا وافرا من أعضاء كتلة “المستقبل” قرر ان يعزف عن الترشح في حال قرر الحريري نهائيا العزوف، كما بات مرجحا، كما ان الحريري سيواصل اليوم وغدا اللقاءات مع منسقي المستقبل وأعضاء المكتب السياسي كما سيزور الرئيس نبيه بري، ويرجح ان يعقد أيضا رؤساء الحكومة السابقون اجتماعا في بيت الوسط. هذا الاستنفار الاستثنائي أبرز الدخول في مناخ محفوف بدقة وقلق عاليين عبرت عنه مراجع سياسية بارزة لـ”النهار” بطرحها مساء امس السؤال: هل نقترب من انتخابات بلا “المستقبل ” للمرة الأولى منذ التسعينات واي اثر سيكون لهذا الحدث الاستثنائي؟
أي موازنة؟
أما في ما يتعلق ب#الموازنة فقد وزع مشروعها امس على الوزراء تمهيدا لجلسة الاثنين، وهو مكون من 1282 صفحة (راجع النص الكامل الحرفي لمشروع الموازنة على الموقع الالكتروني ل”النهار”). ويمكن وصف المشروع بانه حقل تعقيدات وصعوبات ومحاولات احداث توازنات شاقة وصعبة ومستحيلة بعض المرات بين جملة متطلبات ضاغطة في شتى الاتجاهات. فالحكومة حاولت عبر هذا المشروع احداث توازن بين المتطلبات الضاغطة: بين الوضع الدراماتيكي للمواطنين الذي لا يحتمل ضرائب ورسوم قديمة فكيف بالجديدة، والوضع المالي المنهار الذي يتطلب توسيع قاعدة الإيرادات، وبين متطلبات الحصول على الدعم الخارجي من خلال إضفاء لمسات إصلاحية جدية على أبواب الانفاق والتقشف والشفافية.
ويتبين من مراجعة المشروع انه لا يعكس توازنا في العملية الإصلاحية، بقدر ما يعكس اختلالاً يؤكد استمرار المقاربة الاقتصادية للأزمة، من دون الأخذ في الاعتبار المتغيرات الجوهرية والهيكلية التي طرأت على البنية الوظيفية والمالية للاقتصاد، او على البنية الاجتماعية للشرائح المجتمعية، على المستويين الرسمي والخاص. وقد يظهر المشروع للوهلة الاولى انه يحاكي هذه المتغيرات عبر بنود ومواد تلحظ إعفاءات وحوافز، لكن لا تلبث ان تبرز المقاربة التقليدية القائمة على زيادات ضريبية لتأمين ايرادات جديدة تغطي الحاجات الانفاقية، وتعتمد في شكل أساسي على الضرائب غير المباشرة وعلى زيادة الرسوم على السلع والخدمات (٥٠ في المئة)، وعلى الضرائب على الاملاك العقارية والمبنية (٢١٥ في المئة)، وزيادة الإيرادات الجمركية وفقاً لتسعيرة غير ثابتة لسعر صرف الدولار يعود لمجلس الوزراء النظر فيها عندما يرتأي ذلك. ويبدو واضحاً من الأرقام الواردة في المشروع ان سعر الصرف الذي تم اعتماده ارتكز على ٢٠ ألف ليرة للدولار الواحد. لكن المشروع لا يرقى الى حجم التحديات القائمة، والازمة التي يرزح تحت عبئها البلد. اذ لا توجهات اقتصادية او مالية او اجتماعية تعكس رؤية او مسار الخروج من الانهيار. وبدا من المواد الضريبية ان ثمة استسهالاً في اقتراح إجراءات ضريبية لا تحاكي العدالة في التوزيع. فلم يلحظ المشروع ضرائب تصاعدية مثلاً، او مشاريع تعزز شبكات الحماية الاجتماعية التي باتت تشكل أولويات في العالم بعد جائحة كورونا، فكيف الحال في بلد عانى آثار الجائحة الى جانب ارتدادات زلزالية للازمات الاقتصادية والنقدية. اما في الأرقام، فيسعى المشروع الى الموازنة بين الإنفاق والإيرادات، وصولاً الى عجز لا يتجاوز ٢٠ في المئة. فبلغ مجموع النفقات ٤٩٤١٦ مليار ليرة مقارنة ب١٨٥٧٢ ملياراً لموازنة ٢٠٢١. وبلغ مجموع الإيرادات المرتقبة ٣٩١٥٤ ملياراً مقابل ١٣٥٧٢ ملياراً لموازنة ٢٠٢١. وبلغ العجز ١٠٢٦٢ ملياراً مقابل ٤٦٨٧ ملياراً في ٢٠٢١. لكن هذا العجز لا يغطي سلفة الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان والبالغة ٥٢٥٠ ملياراً، والتي ترفع نسبة العجز الى ٣١ في المئة.
عقوبات أميركية جديدة…
وسط هذه الأجواء بدا لافتا ان الإدارة الأميركية كثفت وتيرة فرض دفعات جديدة من العقوبات على “حزب الله ” اذ أعلنت امس اتخاذ عقوبات للمرة الثانية في أيام. وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية ان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة ( اوفاك ) “صنف احد رجال الاعمال والمسهلين الماليين المرتبط ب”حزب الله ” عدنان عياد ، بالإضافة إلى أعضاء شبكة دولية من الميسرين والشركات المرتبطة به وبعادل دياب ، الشريك التجاري لعدنان عياد، وهو ممول اخر لحزب الله تمت تسميته من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في 18 كانون الثاني 2022.”
وأشار البيان الى ان “الممولين الماليين المرتبطين بحزب الله ، مثل عدنان عياد وعادل دياب ، ساعدوا حزب الله في الحصول على الأموال من خلال شبكات الشركات التي تعمل تحت ستار المؤسسات التجارية المشروعة.”
وقال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية ، برايان نيلسون ان “الخزانة ملتزمة بعرقلة النشاط غير المشروع لحزب الله ومحاولات التهرب من العقوبات من خلال شبكات الأعمال بينما تضاعف المجموعة جهودها على شبكات المحسوبية الفاسدة في لبنان”.
وقد تم تصنيف كل من عدنان عياد وجهاد عدنان عياد وعلي عادل دياب وعشر شركات بموجب امر تنفيذي “يستهدف الإرهابيين وقادة ومسؤولي الجماعات الإرهابية وأولئك الذين يقدمون الدعم للإرهابيين أو أعمال الإرهاب” كما أفادت وزارة الخزانة الأميركية.واضافت ان “عدنان عياد هو عضو في “حزب الله” ورجل أعمال يدير شبكة دولية من الشركات مع ممول “حزب الله” المعين حديثًا عادل دياب. “استخدم عدنان عياد وعادل دياب شركتهما في لبنان شركة الأمير للهندسة والبناء والتجارة العامة ش.م.ل.لجمع الأموال وغسل الأموال لصالح حزب الله. وتم تصنيف عدنان عياد لقيامه بمساعدة حزب الله ماديًا أو رعايته أو تقديمه دعمًا ماليًا أو ماديًا أو تقنيًا أو سلعًا أو خدمات له أو لدعمه. كما أدرجت وزارة الخزانة نجل عدنان عياد، جهاد عدنان عياد، وهو عضو في حزب الله ومرتبط بشبكة أعمال عدنان عياد. تم إدراج جهاد عدنان عياد في القائمة لقيامه بمساعدة حزب الله ماديًا أو رعايته أو تقديمه دعمًا ماليًا أو ماديًا أو تقنيًا أو سلعًا أو خدمات له أو لدعمه. وتم تصنيف شركة مقرها زامبيا وشركة حمديكو لما قدمته من مساعدة مادية أو رعاية أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات إلى عدنان عياد أو دعمه. كما تم اختيار علي عادل دياب نجل عادل دياب اليوم. علي عادل دياب، لبناني الجنسية، هو مدير وشريك في الشركة التي مقرها في زامبيا”
وإشارت الوزارة الى انه “بالإضافة إلى هؤلاء الأفراد، يقوم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بتعيين الشركات التي تعد جزءًا من شبكة عدنان عياد وعادل دياب:
تم تصنيف شركة الأمير للهندسة والإنشاءات والتجارة العامة ومقرها لبنان، وشركة غولدن غروب ش. او أكثر لعادل دياب وعدنان عياد. وتم تصنيف شركات اخرى للصناعة والتجارة لكونها مملوكة أو مسيطر عليها أو موجهة من قبل عدنان عياد بشكل مباشر أو غير مباشر”.