في الظاهر، أتت زيارة وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر الصباح إلى لبنان كخطوة إيجابية تمثّل خرقاً للحصار السياسي الذي فرضته السعودية (وألزمت به دولاً في مجلس التعاون الخليجي) على لبنان نهاية تشرين الأول الماضي، بحجة تصريح لوزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي حول العدوان على اليمن.
لكن التدقيق في محادثات الوزير الكويتي يفتح الباب أمام أسئلة حول المرحلة المقبلة من الضغوط المتوقعة على لبنان. وهو ضغط يتوقع أن يتعاظم في ضوء قرار الرئيس سعد الحريري العزوف عن المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
اللافت، أولاً، أن السعودية كرّست قرارها باعتماد الكويت وسيطاً وحيداً مع لبنان، واضعة بذلك حداً لمحاولات دول أخرى، بينها مصر، وحتى الجامعة العربية للعب هذا الدور. الموفد الأميري الخاص لم يبدُ وكأنه موفد السعودية فحسب، بل نقل طلبات تشغل بال العواصم العالمية. وما حمله إلى بيروت، في اليومين الماضيين، أشار بوضوح إلى تنسيق الزيارة والطلبات مع واشنطن وعواصم أوروبية، وكان صريحاً بالإشارة إلى دعم الأردن ومصر لهذه الطلبات.
الصباح أبدى رغبة أمام الرؤساء الثلاثة بتفعيل العلاقات الثنائية بين البلدين، إلا أنه لم يأت تحت هذا العنوان، علماً أن دولته لم تقطع علاقاتها الديبلوماسية كلياً مع لبنان كما فعلت دول خليجية أخرى، بل اكتفت بخفض تمثيلها.
الزيارة التي حملت عنوان “إنقاذ لبنان وترتيب العلاقات الخليجية اللبنانية”، تبين أن تحت عنوانها البرّاق هذا، كُلّف الوزير الكويتي بحمل ورقة شروط من 12 بنداً يمثل كل منها عنواناً لاشتباك سياسي داخلي وإقليمي، وهي نتاج عمل أميركي بأدوات خليجية، وقد جرى تطعيمها بشروط سعودية كعدم قبول الخليج العربي بعد اليوم بتدخل حزب الله في دوله، وضرورة وقف التحريض على العنف وتصدير المخدرات، لتنتهي ببند يشير إلى أنه فور التزام لبنان بهذه البنود “سيتم العمل مع المؤسسات الدولية على حلّ الأزمة المالية في لبنان”.
وعلمت “الأخبار” أن الموفد الكويتي سمع من كل المسؤولين حرص لبنان على أفضل العلاقات مع الخليج، لكن أوساط القصر الجمهوري نقلت تشديد الرئيس ميشال عون على إبداء التحفظ على البند المتعلق بالقرار 1559، لافتة إلى أن قضية سلاح حزب الله ودوره الإقليمي “أمر ليس محلياً يخص لبنان وحده بل هو مسألة إقليمية ودولية، وعلى العرب والعالم تفهّم هذا الأمر”. وأكد عون “حرص لبنان على أفضل العلاقات مع العرب ومع العالم، وأن جميع المسؤولين والسلطات تحترم اتفاق الطائف وتحرص على تطبيقه كما الالتزام بالقرارات العربية والدولية”.
ومن المتوقع أن يبلغ لبنان موقفه الرسمي الموحد خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في الكويت نهاية الشهر الجاري. وقد أخذ رئيس الجمهورية على عاتقه التواصل مع رئيسي مجلس النواب والحكومة، مبلغاً زائره الكويتي حرصه على الخروج بموقف مشترك رغم إعادة التأكيد على التزام لبنان باتفاق الطائف وبالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن. ولفتت المصادر إلى أن “عدم تلبية الأطراف السياسية لطاولة الحوار التي دعا إليها عون وعلى رأس جدول أعمالها الاستراتيجية الدفاعية وخطة التعافي المالي، أسقط فرصة للإجابة مباشرة على الورقة من دون دراستها، سواء كان الجواب سلبياً أو إيجابياً، وامتلاك موقف سيادي قوي لا يحتاج إلى تشاور”.
ولاحظت مصادر معنية أن “تنفيذ هذه الشروط التي عجزت أميركا وإسرائيل وحلفاؤهما عن فرضها على لبنان خلال حروب متعاقبة، لن تمنح لبنان – في حال نفذها من دون اعتراض – أي صك براءة أو تجعله يكسب رضى دولياً وخليجياً. بل مقابل رضوخه لشروط بيع السيادة والأرض، ستعمل دول الخليج ربما، على مساعدة الدولة اللبنانية من دون أن تبدي أي التزام أو وعد، إذ على لبنان الرسمي الانحناء والتنفيذ فقط”.
وكان وزير الخارجية الكويتي وصل إلى لبنان مساء السبت الماضي، ليبدأ جدول زياراته من السراي الحكومي، ثم القصر الجمهوري وعين التينة ووزارة الخارجية. وحرص الصباح على إعادة التصريح نفسه في كل مرة متحدثاً عن رسائل ثلاث حملها إلى لبنان: “1- التعاطف والتضامن والمؤازرة والمحبة للشعب اللبناني. 2- تطبيق سياسة النأي بالنفس وأن لا يكون لبنان منصة لأي عدوان لفظي أو فعلي. 3- الرغبة لدى الجميع بأن يكون لبنان مستقراً آمناً وقوياً وأن قوة لبنان هو قوة للعرب جميعاً وعلى أن يصير هذا الأمر واقعاً من خلال تطبيق قرارات الشرعية الدولية والقرارات العربية”.
واللافت في المؤتمرات الصحافية التي عقدها الوزير الكويتي، ليس ما قاله هو، بل سلوك ممثلي وسائل الإعلام اللبنانية التي تؤكد غالبيتها في كل مرة، أن شعار حرية التعبير التي يتغنى بها الإعلام اللبناني، ليس سوى مجرد لافتة خالية من أي مضمون، بل يتحول الإعلام اللبناني إلى نسخة مطابقة للإعلام الخليجي أو الإعلام في الأنظمة القمعية، ويتأكد مرة جديدة أنه عند زيارة كل مسؤول أجنبي أو عربي يتحول الإعلام اللبناني إلى إعلام الصوت الواحد. لا بل زايد الإعلاميون على كلام وزير الخارجية الكويتي سائلين عن سبل تطبيق القرارات الدولية وعما إذا كانت دول الخليج ستراقب التصريحات اللبنانية وتحاسب عليها!
نص “ورقة الشروط” الخليجية
“الأخبار” حصلت على نسخة من الورقة التي حملها وزير الخارجية الكويتي، وجاء فيها ما حرفيته:
“انطلاقاً من السعي إلى رأب الصدع في العلاقات الخليجية – اللبنانية، وبناء جسور الثقة مع الجمهورية اللبنانية الشقيقة، ووفقاً للمعطيات الناتجة عن الأزمة الأخيرة، والتي تتطلب اتخاذ إجراءات وخطوات ثابتة لإزالة أي خلاف، متمثلة في التالي:
1- التزام لبنان بكافة استحقاقات مؤتمر الطائف.
2- التزام لبنان بكافة قرارات الشرعية الدولية وقرارات جامعة الدول العربية.
3- التأكيد على مدنية الدولة اللبنانية وفق ما جاء في الدستور اللبناني.
4- سياسة النأي بالنفس يجب أن تكون قولاً وفعلاً.
5- وضع إطار زمني محدد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن رقم 1559 (2004) والخاص بنزع سلاح الميليشيات في لبنان، والقرار رقم 1680 (2006) بشأن دعم سيادة واستقلال لبنان السياسي والتأييد التام للحوار الوطني اللبناني، والقرار 1701 (2006) الخاص بسلاح حزب الله ومنطقة الجنوب اللبناني وفق المبدأ الأساسي في سيطرة الدولة على وجود السلاح خارج سلطة الحكومة اللبنانية.
6- وقف تدخل حزب الله في الشؤون الخليجية بشكل خاص والشؤون العربية بشكل عام والتعهد بملاحقة أي طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضد دول مجلس التعاون.
7- وقف كافة أنشطة الجماعات المناوئة لدول مجلس التعاون وملاحقة كل من يحاول التحريض على العنف أو يشارك فيه من المواطنين أو المقيمين في لبنان ضد حكومات مجلس التعاون الخليجي.
8- الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية في شهر مايو 2022 ومن ثم الرئاسية في شهر أكتوبر 2022 وفق المواعيد المقررة دون تغيير.
9- التدقيق على الصادرات اللبنانية إلى دول مجلس التعاون عبر آلية تواجد مراقبين بشكل ثنائي لضمان خلو الصادرات من أي ممنوعات، وبشكل خاص المخدرات التي تستهدف الأمن الاجتماعي لدول المجلس، ويمكن في هذا الصدد اعتماد نفس الآلية الأوروبية.
10- بسط سيطرة السلطات الرسمية اللبنانية على كافة منافذ الدولة.
11- وضع نظام تبادل معلومات أمنية بين دول مجلس التعاون والحكومة اللبنانية.
12- العمل مع البنك الدولي لإيجاد حلول لمسألة عدم تمكين المواطنين اللبنانيين من استلام ودائعهم في البنوك اللبنانية”.