كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: لا يقتصر “الحرم” السعودي على حرمان سعد الحريري وتياره من العمل السياسي، بل ينسحب على كل مرشح سني لا ينضوي تحت جانحي المملكة وأميرها. المطالب السعودية التي وجد الحريري صعوبة في تنفيذ بعضها، ستُجيّر إلى الطامحين لتقاسم “تركته”، ودائماً بـ”رعاية” سعودية
بات من شبه المحسوم، وبحسب تأكيدات من هم على صلة وثيقة بدوائر سعودية، أن الرئيس سعد الحريري لن يعود إلى ممارسة العمل السياسي طالما أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باقٍ في موقعه. هذا الجواب يسمعه السائلون عن أحوال الحريري، خصوصاً ممن لا يزالون يأملون بأن يعدل عن قراره “تعليق” العمل السياسي، أو يُراهنون على وساطاتٍ ما تنجح في طيّ صفحة “الغضب السلماني” الذي فتح عليه أبواب الجحيم. أكثر من ذلك، يقول هؤلاء للتوكيد على صعوبة الأمر، بأن “الحريري ممنوع عليه حتى التحدث في السياسة حيث هو موجود في الإمارات. المطلوب منه التفرّغ فقط لعالم المال والأعمال”.
والمأزق اليوم أن الرجل لم ينسحب وحده، بشخصه، بل وبكل ما يمثلّه. فهو لم يُعلِن العزوف عن الترشح في الانتخابات النيابية فحسب، بل فرض على كل من يرتبِط به أو يمتّ إليه بصلة أن يحذو حذوه. وهو لم يعلن الخروج من السلطة والنظام والمؤسسات والانتقال إلى ضفّة المعارضة، بل تنحّى تماماً، وبدا كمن يريد سحب الطائفة السنية من المشهد السياسي برمّته، لا سيما أن غالبية الأطراف السياسية تختزل هذه الطائفة بوجوده، أو على الأقل تعتبره المتحدث باسمها.
هذا الانسحاب، غير المنظّم ولا المدروس، سيكون فرصة سانحة لرجال أعمال ومؤسسات وعائلات وطامحين كثر للحلول مكان الحريري ومحاولة تقاسم “تركته”. في الإقليم وعكار، مثلاً، عائلات قادرة على إيصال نواب بأصواتها وبقليل من الأموال، مستفيدة من قانون الانتخابات الذي يسمح لمرشحين بالوصول إلى مجلس النواب بمئات الأصوات فقط. وعليه، فإن طلب الحريري بعدم الترشح يسري على عمته النائبة بهية الحريري ونجلها أحمد (“اللاجئ” إلى الولايات المتحدة حالياً)، وقد يسري على مقربين منه ممن كانوا يخوضون الانتخابات برافعة الحريرية السياسية ولا مقاعد لهم من دونها. لكنه لن يسري على مرشحين ينتمون إلى عائلات كبيرة اعتادت أن تكون لها “كوتا” داخل الأحزاب والتيارات بفعل المصلحة المتبادلة، بالتالي فإن خروج الحريري لا يعني خروجها.
هذا الواقع تدركه المملكة العربية السعودية التي قرّرت إجراء “اختبار” في الساحة السنية لكل من يريد أن يحجز حصّة في “تركة” الحريري، حتى وإن لم تجمع هؤلاء كتلة موحّدة. وفي هذا الإطار، علمت “الأخبار” أن الرياض في صدد تشكيل “لجنة فاحصة”، في سفارتها في بيروت، تتولى استدعاء كل مرشّح سنّي إلى الانتخابات النيابية لسؤاله عن مشروعه وبرنامجه وعمّا إذا كانَ خطابه متناغماً مع خطاب المملكة ويتماهى كلياً مع مشروعها داخل لبنان للحصول على الدعم السعودي.
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن الطلبات السعودية من الحريري ستجيّرها اللجنة إلى “اللاعبين” الجدد، تحديداً في ما يتعلق بالتحالف مع حزب “القوات اللبنانية” في عدد من المناطق، وتأليف لوائح مشتركة معها، وتجيير الأصوات لها. والطلب نفسه وصل إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بـ “ضرورة التحالف مع سمير جعجع في الانتخابات”. علماً أن جنبلاط لم يبد ممانعة لـ”تحالف انتخابي مرحلي”. إلا أن المصادر تلفت إلى أن المشكلة، اليوم، هي داخل الطائفة السنية التي لا تستسيغ أن يُدعم جعجع على حساب زعيمها، وأن يأخذ مكان الحريري رغم كل الاعتراضات على الأخير والملاحظات على أدائه. وتشير إلى أن “استياء كبيراً يعمّ أبناء الطائفة اليوم، وبدا هذا الاستياء جلياً في الموقف من جعجع الذي خانَ زعيمهم وغدر به وبهم، ما قد يدفعهم إلى التصويت الانتقامي، أو على الأقل إلى المقاطعة، ما يؤثر سلباً على مرشحي القوات في المناطق المختلطة”.