كتبت صحيفة “النهار” تقول: إذا كانت تداعيات إعلان الرئيس سعد الحريري تعليق عمله السياسي وامتناعه و”تيار المستقبل” عن الترشح للانتخابات النيابية ستبقى تتردد طويلا نظرا إلى الأثر العميق لهذا التطور فان ذلك لم يحجب صورة الاستحقاقات الداهمة التي تزامنت دفعة واحدة في وجه الحكم والحكومة والقوى السياسية والتي سيتعين على لبنان الرسمي معالجتها بدءا من نهاية الشهر الحالي. ويمكن القول ان ما ينتظر السلطة في الأيام المقبلة قد يتسم بأهمية مفصلية وعلى جانب كبير من الدقة والخطورة في ظل هذه الاستحقاقات التي سيكون أولها وأكثرها حشرا للسلطة هو الجواب الرسمي الذي ينتظر ان يقدمه وزير الخارجية عبدالله بوحبيب إلى نظيره الكويتي ردا على المذكرة الكويتية العربية الدولية التي نقلها الوزير الكويتي إلى المسؤولين اللبنانيين في مطلع الأسبوع. استحقاق تقديم هذه المذكرة، التي سيرفعها الجانب الكويتي إلى مجلس وزراء الخارجية العرب في الكويت في نهاية الشهر الحالي يبدو استثنائيا للغاية خصوصا في ظل ما بات معلوما من ان مضمون المذكرة يحظى بتوافق خليجي وعربي ودولي وتحديدا أميركي وفرنسي علما ان اللقاء الذي سيجمع وزيري الخارجية الأميركي والكويتي في الساعات المقبلة سيتناول الملف اللبناني في صورة أساسية. وسيكون على لبنان ان يقدم أجوبته على مسائل والتزامات بالغة الحساسية طالما اعتبرت السلطة متخاذلة امام سلطة الامر الواقع التي يجسدها “حزب الله” في ظل نفاد صبر خليجي ودولي من تورط الحزب قتاليا وعملانياً ولوجستيا واعلاميا في دعم الحوثيين في حرب اليمن. وبذلك فان الاستحقاق الأبرز والذي ستتجه الأنظار اليه هو أي أجوبة لبنانية ستقدم إلى الجانب الكويتي بوكالته عن المجموعات الخليجية والعربية والدولية في مسائل التزام لبنان النأي بالنفس وتنفيذ القرارات الدولية ولا سيما منها القرار 1559 وإلزام “حزب الله” الكف عن تحويل لبنان منصة عدائية ضد دول الخليج العربي؟ وإذا اعتمد لبنان الرسمي لغة المناورة الإنشائية للتهرب من إلتزامات الحكم والحكومة فهل سيتحمل تبعات ما قد يثيره ذلك من ردة فعل خليجية وربما دولية يخشى ان تكون هذه المرة بالغة التشدد حيال لبنان؟
المسودة الجوابية
في هذا السياق افادت معلومات لـ”النهار” مساء امس ان لبنان انجز مسودة الرد على المبادرة الخليجية مع قبوله بمعظم بنودها وان المسودة تشرح حيثية “حزب الله” من منطلق اعتباره مكونا أساسيا في لبنان وان مواقف لبنان تعبر عنها الحكومة. واما بالنسبة إلى القرارات الدولية فتشير المسودة إلى ان لبنان ملتزم هذه القرارات وهناك مجتمع دولي عليه المساعدة في تطبيق هذه القرارات والحفاظ على المصلحة اللبنانية. وتقول المسودة ان الحكومة اللبنانية رحبت بسائر بنود المبادرة الخليجية. وقد اعد وزير الخارجية عبد الله بو حبيب المسودة ويجول بها على الرؤساء الثلاثة لتقترن بموافقتهم قبل ان ينقلها بصيغتها الرسمية النهائية إلى الكويت.
يشار في هذا السياق إلى ان صحيفة “القبس الكويتية” أفادت أمس أن وزارة الداخلية الكويتية تدرس إعادة فتح تأشيرات أبناء الجالية اللبنانية خلال الأسبوع المقبل، وذلك بعد توقف دام لنحو ثلاثة أشهر منذ العاشر من تشرين الثاني الماضي على خلفية الأزمة الخليجية ـ اللبنانية. ونقلت عن مصادر أمنية كويتية مطلعة إن اجتماعاً سيعقد الأسبوع المقبل يضم كبار قياديي قطاع شؤون الإقامة لبحث إمكانية معاودة فتح جميع أنواع التأشيرات الخاصة بأبناء الجالية اللبنانية بعد المتغيرات الأخيرة التي طرأت على ملف الأزمة الخليجية ـ اللبنانية.
اما الاستحقاق الثاني الذي يواجهه لبنان فبرز مع عودة ملف المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل بوساطة أميركية إلى الضوء. وقد كشفت إسرائيل ان هذه المفاوضات ستستأنف الاسبوع المقبل وتحدثت تقارير إعلامية عن ان الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي يدير الوساطة بين لبنان وإسرائيل سيصل إلى تل أبيب الأسبوع المقبل. اما وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس فكشف أن “المفاوضات الحدودية مع لبنان بوساطة أميركية ستستأنف الأسبوع المقبل”. وقال “مستعدون لمواصلة محادثات الحدود البحرية مع لبنان”.
وهذا الاستحقاق قد يغدو مرتبطا بالاستحقاق الثالث الذي يتعلق بتداعيات الاعتداءات المتكررة في بلدات حدودية جنوبية على قوات اليونيفيل والتي كان آخرها قبل يومين في بلدة رامية. ذلك ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي ابلغ امس إلى المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان السفيرة يوانا فرونتسكا “جهوزية لبنان لمعاودة التفاوض لترسيم الحدود البحرية الجنوبية على نحو يحفظ حقوق الدولة اللبنانية وسيادتها” أكد “أن لبنان يدين أي اعتداء تتعرض له القوات الدولية العاملة في الجنوب وان تحقيقا فتح في الحادثة التي وقعت في بلدة راميه الحدودية لتحديد المسؤوليات”، مشددا على “أهمية التنسيق بين الجيش و”اليونيفيل” تفاديا لتكرار مثل هذه الحوادث”. ونقلت السفيرة فرونتسكا إلى الرئيس عون موقف الأمم المتحدة من التطورات في لبنان مشيرة إلى “ان مجلس الامن سيعقد في شهر آذار المقبل، جلسة حول لبنان يقدم خلالها الأمين العام أنطونيو غوتيريس تقريرا عن تطور الأوضاع اللبنانية والنقاط التي سجلت في الآونة الأخيرة”.
وكشفت مصادر معنية ل”النهار” ان تكرار الاعتداءات “المعروفة” الخلفيات والأبعاد على اليونيفيل سيؤدي إلى تصاعد التحذيرات الأممية والدولية للبنان وربما تحميل ” حزب الله ” مباشرة تبعة هذه الاعتداءات في التقرير الدوري المقبل الذي سيصدرعن الأمم المتحدة في شأن الوضع في الجنوب.
الموازنة
وسط الاستعدادات لهذه الاستحقاقات الديبلوماسية الخارجية مضت الحكومة في جلساتها اليومية لإنجاز درس الموازنة وإقرارها. وأبرز ما سجل في جلسة مجلس الوزراء في جلسته أمس انه ألغى البند المتعلق بطلب منح وزير المال صلاحيات تشريعية ومنحه مع وزراء اخرين صلاحيات موقتة لتعديل التنزيلات والشطور والنسب المتعلقة بالضرائب والشطور. وقد أعلنت وزارة المال في وثيقة مسودة موازنة عام 2022 التي عمّمتها أمس، أنها تخطط لاعتماد “سعر صرف واقعي” في الموازنة، دون أن تحدد سعرًا للصرف. ولكنها حددت متوسط سعر صرف الليرة اللبنانية خلال الربع الأخير من عام 2021 بنحو 20 ألف ليرة و10،083 خلال العام بأكمله.. وتوقعت الوزارة أن يكون إجمالي عجز الموازنة نحو 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 1.1 في المئة خلال 2021. ووفقًا للوثيقة، فستواصل الحكومة تعليق دفع إستحقاقات سندات الخزينة بالعملة الأجنبية في 2022.
اتفاق الاستجرار الكهربائي
إلى ذلك وقّع أمس وزراء الطاقة اللبناني والاردني والسوري، اتفاق استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا إلى لبنان. وأكد الوزير وليد فياض ان الاتفاق مهم جداً، موضحاً أنه سيؤمّن 250 ميغاواط من الكهرباء “بالتعاون مع الاردن ومؤازرة الاشقاء في سوريا”. وقال: “نعوّل على هذا العمل العربي المشترك كي نوسع التعاون بين الدول العربية”. وأضاف: “ما كان من المفترض انجازه بـ 6 اشهر تم إنجازه بشهرين. يبقى العمل على موضوع التمويل من البنك الدولي في أسرع وقت ممكن ليدخل هذا الاتفاق حيّز التنفيذ”.
من جهته، قال وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة: “إننا مسرورون بوجودنا في بيروت في هذه اللحظة التاريخية التي خلالها نوقع عقد تبادل الطاقة مع لبنان”. واكد ان “اهمية هذا التوقيع هو تعزيز التواصل بين الدول لكونه يأتي في ظرف حساس يواجهه لبنان”. وختم: “يمكن زيادة عدد ساعات التغذية من الأردن إلى لبنان، لكن هذا الأمر بحاجة إلى دراسة للبنى التحتية والشبكة.”
وقال وزير الطاقة السوري غسان الزامل: “ندعم بشكل دائم كل مراحل التعاون العربي، وهذا من اساسياتنا في الحكومة السورية التي كانت تصرّ على انجاح الملف في أسرع ما يمكن، وكان إشراف مباشر من رئاسة الحكومة على المهمات التي انجِزت في وقت قياسي. وعسى ان تكون فاتحة خير وبداية تعاون في سائر المجالات”.