بين بيان الإليزيه الذي أشار إلى أنّ “الوضع في لبنان والأمن في الخليج” كانا مدار بحث هاتفي السبت بين الرئيسين الفرنسي والإيراني، وبين البيان الكويتي الذي أكد أمس أنّ الرد اللبناني على رسالة دول الخليج أصبح “قيد الدراسة”… بات جلياً أنّ لبنان دخل مرحلة تموضعات حاسمة تضعه على شفا “فالق زلزالي” لا مكان وسطاً بين ضفتيه… وما على اللبنانيين سوى اختيار واحدة من الضفتين في معركة تقرير المصير والوجود وتحديد الانتماء والهوية، فإما الاصطفاف خلف راية طهران وأجندتها الإقليمية، أو الانضواء تحت لواء العرب في المواجهة المفتوحة مع هذه الأجندة!
وتحت سقف التشديد على كون العمل العربي المشترك “أصبح ضرورة ملحة في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة”، كما عبّر ولي العهد الكويتي مشعل الأحمد الجابر الصباح، كان الاجتماع التشاوري “هاماً” بين وزراء الخارجية العرب أمس في الكويت وفق توصيف وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح، لأن التباحث خلاله استهدف “تطوير آليات التعاون في مجمل القضايا العربية المصيرية المشتركة ومواجهة التحديات التي تتعرض لها الدول العربية، ومناقشة الملفات والقضايا التي يشهدها العالم العربي”… ومن بين هذه الملفات يتربع الملف اللبناني على قائمة التحديات العربية، بعدما حوّلت السلطة الحاكمة لبنان من دولة قائمة على ركائز العلم والطب والفكر والإبداع إلى جزيرة منبوذة عائمة على منصة معادية للعرب تناصبهم التهديد والشتم والعداء والاعتداء، خارج المفاهيم والأعراف الديبلوماسية والمواثيق العربية والقرارات الدولية.
وإذ أتت مبادرة الكويت بمثابة الفرصة الأخيرة لإعادة بناء الثقة بين دول الخليج العربي ولبنان، إذا تماهى الجانب اللبناني مع متطلبات بنودها الـ12، لا سيما ما يتصل منها بالمطالبة الخليجية بوضع حد للسلاح المتفلت خارج إطار الدولة ومؤسساتها الشرعية والشروع ضمن مهلة زمنية محددة في تطبيق قرار مجلس الأمن 1559، فإنّ الرد اللبناني على هذه المذكرة بدا أشبه بـ”التسليم بعجز لبنان الرسمي أمام سطوة سلاح “حزب الله” على مفاصل الدولة وتوجهاتها وسياساتها الداخلية والخارجية”، كما رأت مصادر ديبلوماسية في معرض إبداء انطباعها “الأولي المبدئي” على الجواب الذي حمله وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب إلى الكويت، موضحةً أنّ “هناك تملصاً واضحاً في الجواب اللبناني من موجبات تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بـ”حزب الله” وسلاحه عبر ذريعة الخشية من تقويض الاستقرار والسلم الأهلي الداخلي في البلد”، ولفتت إلى كون الرد الذي تسلمه وزير الخارجية الكويتي من نظيره اللبناني “لم تتم مناقشته خلال الاجتماع العربي التشاوري” أمس، على أن يصار لاحقاً إلى تدارس مضمونه بين الدول الخليجية والعربية “لتحديد الخطوات والإجراءات المقبلة حيال لبنان ووضعها على سكة التنفيذ”.
أما على مستوى المواقف اللبنانية الداخلية، فبرز أمس تنديد البطريرك الماروني بشارة الراعي بتجنب الدولة “اتخاذ قرارات جريئة وصحيحة والتجاوب فعلياً مع كل مسعى لانتشال البلاد من الانهيار ووضعها على مسار الإنقاذ الحقيقي”، مشدداً في ما خصّ المبادرة الخليجية على أنه “لا يحقّ للمسؤولين تحت ألف ذريعة وذريعة أن يرفضوا الأيادي الممدودة للمساعدة، وأن يحجبوا الحقائق ويموّهوا الوقائع ويغطّوا تعدديّة السلاح ويبرّروا التجاوزات والممارسات ويتنصّلوا من إعطاء أجوبة على المواضيع الأساسية”، وذكّر الراعي بأن هذا العجز التي تظهره الدولة اللبنانية هو ما دفعه إلى المطالبة بعقد “مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة يضع آلية تنفيذية للقرارات الدولية بحيث لا يظل تنفيذ جميع مندرجاتها على عاتق الدولة اللبنانية المنقسمة والضعيفة”.
في الغضون، وبينما كان لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أمس موقف تحذيري صريح من مغبة التفريط بما يشكله الاستحقاق الانتخابي المقبل من “محطة مفصلية وفرصة حقيقية لاستبدال الأكثرية الحالية التي لم تحافظ على الدولة وأوصلت المواطن إلى أعلى درجات التخلف والعوز والفقر”، محملاً كل من يصوّت لـ”التيار الوطني الحر” و”حزب الله” في صناديق الاقتراع مسؤولية “التمديد لأوجاعه بيده من دون منّة من أحد”، استرعى الانتباه على الجبهة المقابلة إطلاق “حزب الله” حملته الانتخابية وتدشينها بشنّ هجوم شرس على “القوات اللبنانية وجماعة السفارة الأمريكية الذين يشكّلون خطراً على مستقبل لبنان”، كما قال نائب أمين عام “الحزب” الشيخ نعيم قاسم، الذي وإن آثر التريث في الإعلان قريباً عن “شعارنا الانتخابي وبرنامجنا الانتخابي”، لكنه بدا من فحوى خطابه أنّ الشعار والبرنامج سيكونان تحت عنوان انتخابي عريض يوازن بين “تمجيد سلاح “حزب الله” باعتباره الحامي للبنان واللبنانيين، وبين “شيطنة” القوات اللبنانية وسائر القوى السيادية المعارضة والرافضة لبقاء هذا السلاح خارج إطار الدولة، بوصفها جماعات متآمرة معادية يجب استئصالها من المعادلة اللبنانية”.
وفي الوقت نفسه، قلّل قاسم من أهمية الانتخابات المقبلة باعتبار “نتائجها ستكون قريبة من تركيبة المجلس الحالي مع تغييرات طفيفة لا تؤثّر على البنية العامة لهذا المجلس”، وتوجه إلى “كل من يبني آمالاً كثيرة” على تغيير ستفرزه صناديق الاقتراع بالقول: “ضع رجليك على الأرض”، مشدداً على أنّ “المقاومة ستبقى موجودة” بغض النظر عن الانتخابات النيابية لأنها هي من “أعطت مكانة للبنان وهي التي تحميه وتحمي استقلاله (…) وبالتالي لا يقمن أحد بمراهنات ليست في محلها ولا يرسمّن أحد (خططه على أساس) أنه سوف يغيّر الأكثرية وسيأتي مكانها بأكثرية أخرى وما شابه”.