بمعزل عن الشكوك المدعّمة بمعلومات تشي باتجاه الأكثرية الحاكمة إلى تدبيج الحجج القانونية والذرائع اللوجستية اللازمة لنسف الاستحقاق النيابي المقرر في أيار المقبل من بوابة إثارة “زوبعة” تشريعية لإعادة إحياء الدائرة 16 لاقتراع المغتربين، أضحت صورة المعركة الانتخابية المقبلة واضحة المعالم بين جبهتين متقابلتين تقفان على طرفي نقيض في الطروحات السياسية والسيادية، الأولى يتصدرها “حزب الله” ومن خلفه “التيار الوطني الحر” والحلفاء في محور الممانعة، والثانية يتصدرها حزبا “القوات اللبنانية” و”التقدمي الاشتراكي” وسائر مكونات المعارضة وقوى المجتمع المدني المنتفضة على السلطة وأكثريتها الراهنة.
وبالأمس، ارتسمت الخطوط العريضة لخارطة المواجهة الانتخابية بين الجبهتين، من خلال صورتين متزامنتين أعادتا إلى الذاكرة الاصطفافات العمودية بين 14 آذار و8 آذار، فبدت صورة اللقاء القواتي – الاشتراكي في معراب لإعلان التحالف الانتخابي “في مختلف المناطق” إشهاراً صريحاً للنية بخوض الاستحقاق النيابي من منطلقات “مصيرية” باعتبارها “فرصة للقوى السيادية والوطنية من أجل إحداث التغيير الحقيقي وصون السيادة وحماية الدستور لنرى لبنان وطناً لا منصة أو ساحة للآخرين” كما عبّر النائب أكرم شهيب إثر لقاء رئيس “القوات” سمير جعجع…
أما على مقلب الصورة المقابلة، فكان رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل حاسماً في تظهير تخندقه الواضح إلى يمين “حزب لله” في المعركة، مؤكداً العزم والنية على تعميق أواصر التحالف مع “الحزب” وترسيخ وحدة الحال معه، وصولا إلى تصوير نفسه كـ”الغريق الذي لم يعد يخشى البلل”، في معرض إعرابه لتلفزيون “فرانس 24” أمس عن أنه لو كان ينوي التخلي عن التفاهم مع “حزب الله” لكان أقدم على ذلك قبل العقوبات الأميركية، ليذهب أبعد في الدفاع عن “الحزب” وتمجيد سلاحه باعتباره يحمي اللبنانيين و”لديه وظيفة الدفاع عن لبنان وسيادته”.
وأمام التحديات الوجودية التي باتت تتهدد لبنان، استرعت الانتباه المواقف والرسائل التي نقلها أمين سر الكرسي الرسولي في الفاتيكان المونسنيور ريتشارد بول غالاغير إلى بيروت تعبيراً عن القلق البابوي المتعاظم حيال مصير الكيان اللبناني والخشية من أنّ “مستقبل هذا الوطن لم يعد مضموناً”، محذراً من الاستمرار في “إضعاف الحضور المسيحي” لأنّ ذلك من شأنه أن “يدمّر التوازن الداخلي وهوية لبنان” حسبما نبه إثر لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، معيداً التذكير بما قاله البابا فرنسيس في الأول من تموز الفائت حين جمع رؤساء الكنائس في الفاتيكان لناحية التأكيد على “ضرورة أن يتخذ من هم في السلطة القرار الحاسم بالعمل من أجل السلام وليس من أجل مصالحهم الخاصة”، متوجها لهم بالقول: “توقفوا عن استخدام لبنان والشرق الأوسط من أجل المصالح الخارجية، إذ يجب أن يحظى الشعب اللبناني بفرصة لان يكون بأبنائه مهندساً لمستقبل أفضل على أرضه بعيداً من أي تدخل خارجي”.
وفي لقاءاته المكوكية التي شملت عين التينة، مرّر الموفد البابوي رسائل الفاتيكان في أكثر من اتجاه لا سيما لناحية وجوب تحمل السلطة اللبنانية مسؤولياتها في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لتلقي دعم المجتمع الدولي، كما شدد على ضرورة تحقيق العدالة في جريمة انفجار مرفأ بيروت. في حين برز على جدول لقاءات غالاغير زيارته اليرزة للقاء قائد الجيش العماد جوزيف عون والوقوف على رأيه حيال الصعوبات التي تواجهها المؤسسة العسكرية في ظل الأزمة القائمة والمخاطر المحدقة بالبلد وهويته، وفي ذلك تأكيد على أنّ رهان الفاتيكان كما المجتمع الدولي “كبير على الجيش في حماية الاستقرار الأمني وصون السلم الأهلي في لبنان”.
تزامناً، وعلى صعيد تمدد “تسونامي” الانهيار في أكثر من اتجاه لبناني، حثت وزارة الخارجية البعثات الديبلوماسية في الخارج على “تسوّل” الأموال من المغتربين والمانحين لتغطية نفقاتها ورواتب موظفيها بالعملة الصعبة. وكشفت وكالة “رويترز” النقاب عن تعميم أصدرته الخارجية إلى السفارات اللبنانية تطالبهم فيه “بالبحث عن مانحين للمساعدة في تغطية النفقات، في ظل التأخر عن دفع رواتب الدبلوماسيين، والاتجاه إلى إغلاق بعض البعثات في الخارج”.
الوكالة التي أكدت أنها اطلعت على نصّ التعميم الصادر بتاريخ25 كانون الثاني، لفتت إلى أنّ وزارة الخارجية لم ترد على طلبها للحصول على مزيد من المعلومات بخصوص تعميمها والوضع المالي لبعثاتها الديبلوماسية، ناقلةً في المقابل عن ديبلوماسيين لبنانيين “تأكيدهم أن موظفي البعثات في الخارج لم يتقاضوا رواتب شهر كانون الثاني”.