مع كلّ زيارة لمسؤول عربي أو دولي إلى لبنان، تسري في عروق السياسة الداخليّة مقولة إنّ الخارج مهتمّ بهذا البلد. ولكن دلّت التجربة مع كلّ زائر إلى انّ مهمّته محكومة بالفشل المسبق، بحيث تصطدم بجدار الإنقسام الداخلي، وبحقيقة صادمة بأنّ هذا الاهتمام هو من طرف واحد، حيث لا يجد له شريكاً حقيقياً فيه من أهل البيت اللبناني، يتحسّس فعلاً معاناة لبنان واللبنانيين، بل تتبدّى أمامه أزمة تزداد عمقاً وخطورة، تذكّيها تناقضات سياسية، ورؤى متصادمة، وتوجّهات ومصالح سياسية وحزبية تمتّ بصلة إلى كل شيء الّا للبنان ومصلحته.
هذا هو الحال مع زيارة وزير خارجية الفاتيكان للعلاقات بين الدول المونسنيور ريتشارد بول غالاغير، وقبله عشرات المسؤولين الدوليين، ومن مستويات مختلفة، زاروا لبنان منذ اشتعال أزمته قبل ما يزيد على السنتين، والقاسم المشترك في ما بينهم جميعاً حثّ الجانب اللبناني على الاهتمام بلبنان، ولكن استحال عليهم إقناع الممسكين بزمام السّلطة والقرار، بالأخذ بنصائح المجتمع الدولي وسلوك طريق إنقاذ لبنان. وفي نهاية الأمر يغادر الضيف، تاركاً إدانة صارخة لهذا المنحى، لا تنقص حرفاً عن الإدانة التي يُعبّر عنها في كل المحافل الدولية، لتخلّي الحكام في لبنان عن مسؤولياتهم تجاه بلدهم، وتقاعسهم في سلوك المسار الإنقاذي وتوفير العلاجات لأزمته الخانقة.
إدانة
وعلى ما تقول مصادر مواكبة لزيارة موفد الكرسي الرسولي لـ«الجمهورية»، فإنّ هذه الإدانة، وإنْ لم تُقل بشكل مباشر وصريح في ما أطلقه غالاغير من مواقف، إلّا أنّها تُقرأ بكلّ وضوح في طيّات الكلام وتشخيصه للأزمة واسبابها وأسباب استمرارها والدور المطلوب من الحكاّم، الذين لو انّهم استجابوا للاهتمام الدولي بلبنان، لوفّروا الجانب الاكبر من المعاناة الصعبة للشعب اللبناني. والوقت لم ينفد بعد أمام المسؤولين في لبنان لكي يقوموا بواجباتهم، وهذا هو جوهر الرسالة التي اكّد عليها المونسنيور غالاغير.
لا مبادرات
وإذا كانت المصادر عينها تعتبر رسالة غالاغير مبادرة بحدّ ذاتها، أمل من خلالها ان يتلقفها المسؤولون في لبنان، الّا انّ مصادر ديبلوماسية غربيّة أبلغت الى «الجمهورية» قولها، «انّ لبنان ثابت في موقعه في أجندة الاهتمامات الدولية، الّا انّه ليس ضمن قائمة الأولويات في هذه الفترة، ما يعني أن لا مبادرات جديّة تجاهه حالياً، ذلك انّ هذه المبادرات أياً كان شكلها، مرتبطة بالخطوات المنتظرة من الحكومة في لبنان وتطبيق برنامج إصلاحات شاملة».
إلّا إنّ اللافت للانتباه في ما تقوله المصادر الديبلوماسية، هو انّها لا ترى في الأفق اللبناني في هذه المرحلة ما يشجّع على توقّع بروز خطوات نوعيّة في مجال الإصلاحات من الحكومة اللبنانيّة، «وهو أمر يلقي بتبعاته السلبية على واقع الأزمة اللبنانية، كما من شأنه ان يعرقل جهود لبنان لتلقّي المساعدات الدوليّة، وبدء التفاوض الجدّي مع صندوق النقد الدولي، خصوصاً أنّ اللاعبين السياسيّين في لبنان، باتوا غارقين في أجواء الإستحقاق الإنتخابي في الربيع المقبل».
الانتخابات قبل الإصلاحات!
في هذا السياق، يبرز تأكيد مصادر سياسية مسؤولة لـ«الجمهورية»، أنّ «الوقائع اللبنانية التي باتت تسبح بالكامل في مدار الاستحقاق الانتخابي، إضافة الى انقطاع الأمل نهائياً في إجراء إصلاحات، فرضت تعديلاً في سلّم الاولويات الخارجية تجاه لبنان. بحيث تراجع زخم المطالبات الدولية بإجراء هذه الإصلاحات عمّا كان عليه قبل أسابيع، وصارت الأولوية الخارجية إجراء الانتخابات. حيث يُلاحظ حالياً انّ التركيز منصبّ بالكامل على الاستحقاق الانتخابي في ايار المقبل وضرورة اجرائه في موعده. وهذا ما يُلمس بكل وضوح في حركة السفراء والبعثات الديبلوماسية الغربية والأممية التي بدأت بوتيرة مكثفة في الآونة الأخيرة في الاتجاهات السياسية المختلفة». في اشارة هنا إلى تحرّك السفيرتين الاميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو والمنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا.
تقارير مقلقة
وعلمت «الجمهوريّة»، انّ المسؤولين والشخصيات السياسية والروحية الذين شملتهم حركة الاتصالات الأممية في الآونة الاخيرة، لمسوا مخاوف جديّة على الاستحقاق الانتخابي، بعضها متأتٍ ممّا استُجد على الساحة السنّية وإعلان الرئيس سعد الحريري مغادرته وتيار «المستقبل» الحياة السياسية، وعدم المشاركة في الانتخابات النيابية، وبعضها الآخر مستند الى تقارير تلقّتها الأمانة العامة للامم المتحدة من جهات لبنانيّة، تشكّك في إمكان إجراء الانتخابات، في ظلّ تحضيرات لبعض الاطراف في لبنان لتعطيلها. غامزة في هذا السياق في اتجاه «حزب الله» وحلفائه.
وبحسب المعلومات، فإنّ الديبلوماسيين الأمميين طرحوا سلسلة اسئلة واستفسارات حول الانتخابات ومواقف القوى السياسية منها، وعكسوا تحذيرات جدّية من الضرر الذي يمكن ان يصيب لبنان في حال تمّ تعطيل هذا الاستحقاق.
وتضيف المعلومات، انّه على الرغم مما قابل تلك الاسئلة والاستفسارات من تأكيدات وتطمينات بعدم وجود اي مؤثّرات من أي نوع تمنع اجراءها، فإنّ الديبلوماسيين الامميين كرّروا التأكيد على الاولوية التي شدّد عليها الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش خلال زيارته الاخيرة الى لبنان، بضرورة اجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، كفرصة كي يعبّر فيها الشعب اللبناني عن تطلعاته، وكذلك لناحية التأكيد على إيلاء الأزمة في لبنان الاولوية في اهتمامات المسؤولين، حيث انّ عمق الأزمة في لبنان يؤكّد على انّه ليس من حق المسؤولين في لبنان ان يستمروا في خلافاتهم.
واشنطن ترفض التعطيل
وفي السياق، أبلغت مصادر مطلعة على الموقف الأميركي الى «الجمهورية» قولها: «انّ واشنطن تقف الى جانب الشعب اللبناني في مطالبته بإجراء الانتخابات النيابية في الموعد الذي تحدّد في 15 ايار 2022».
أضافت: «لا بدّ من إجراء الاستحقاق الانتخابي في جو من الاستقرار، بكل حرّية ونزاهة بعيداً من التدخّلات، كما لا بدّ من منع اي محاولة لتعطيل هذا الاستحقاق، وسيكون لواشنطن موقف حازم تجاه أي إجراء يمنع الشعب اللبناني من ممارسة حقه والتعبير عن تطلعاته في التغيير، ولن تتأخّر في اتخاذ اجراءات شديدة في قساوتها في حق من يسعى الى تعطيل الانتخابات».
وإذ تلفت المصادر المطلعة على الموقف الأميركي الى انّ لا موقف اميركياً معلناً حتى الآن من انسحاب الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية، الّا انّها قالت: «انّ الاولوية الاميركية هي اجراء الانتخابات في موعدها بعيداً من اي مؤثرات».
كما تلفت المصادر عينها من جهة ثانية، الى ان لا مبادرات اميركية او دولية تجاه لبنان قبل الانتخابات، وقالت: «لدى واشنطن في هذه المرحلة اولويتان لبنانيتان مترابطتان، الاولى، إعادة إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وعاموس هوكشتاين يحمل افكاراً جديدة لطرحها على الجانبين، ومن شأنها ان تضيّق مساحة الخلاف بينهما، بما يقود الى اتفاقهما على قواسم مشتركة تفضي الى نتائج ترتد بالفائدة على لبنان واسرائيل. واما الأولوية الثانية فهي الحفاظ على الاستقرار في لبنان، وتوفير الدعم للجيش اللبناني ومدّه بما يحتاجه، وواشنطن ترى انّ هذا الاستقرار مصلحة للبنان، ومسؤولية اللبنانيين تجنّب ومواجهة اي محاولة للإخلال بهذا الاستقرار، ودفع لبنان الى فوضى يستفيد منها «حزب الله».
وتعكس المصادر استغراباً اميركياً لتعطّل التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت وجموده منذ اسابيع عدة، وقالت انّ واشنطن تدعم المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وتشجع على استمرار التحقيق وصولاً الى كشف الحقيقة ومحاسبة المرتكبين.
باريس: حضور قريب
في السياق نفسه، كشفت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية لـ»الجمهورية» عن حضور فرنسي مباشر في لبنان خلال الفترة القريبة المقبلة، مشيرة في هذا السياق الى زيارة محتملة لمسؤول فرنسي رفيع في الخارجية الفرنسية الى بيروت، ربما يكون وزير الخارجية جان ايف لودريان.
وأوضحت المصادر الديبلوماسية انّ النظرة الفرنسية الى لبنان لم تتبدل لناحية دعم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في مهمتها وتطبيق برنامج الاصلاحات المطلوب منها، الا انّ الملف الانتخابي في لبنان بات يشكل واحداً من البنود الاساسية المطروحة على جدول اعمال الادارة الفرنسية، وحركة السفيرة في بيروت تصب في هذا المنحى القائل بضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وقد ارسلت رسائل مباشرة بهذا المعنى الى مختلف المسؤولين اللبنانيين.
واكدت المصادر ان باريس تعتبر انّ الانتخابات ومبادرة الحكومة الى اجراء الاصلاحات ستشكلان بالتأكيد المفتاح لمساعدة لبنان، علماً ان تأخر هذه المساعدات سببه قادة لبنان الذين اضاعوا اكثر من سنتين من دون ان يلتفتوا الى مصلحة بلدهم. وسبق للرئيس ايمانويل ماكرون ان حَثّ هؤلاء القادة على تحمّل مسؤولياتهم، ومساعدته في توفير الدعم للبنان، وكذلك فعل الوزير لودريان عندما حذّر من ان لبنان سيغرق وربما يفقد موقعه كوطن اذا ما تفاقمت الازمة، الا ان هؤلاء القادة لم يقدموا دليلاً على تحسسهم بالمسؤولية.
وعما اذا كانت باريس قلقة على الانتخابات، او من نتائجها التي يتردد انها لن تغيّر شيئاً يذكر في واقع الامر النيابي في لبنان، قالت المصادر: عدم اجراء الانتخابات رسالة سلبية من لبنان الى كل المجتمع الدولي، واما عن نتائج الانتخابات فباريس لا تريد ان تستبق الامور، واللبنانيون سيقررون في الانتخابات من يريدون لتمثيلهم. ولكن قبل كل شيء، لا نرى اي مبرر لتعطيل الانتخابات، وبالتالي لا بد من اجرائها من دون اي معوقات او تدخلات وبكل حيادية ونزاهة.
وردا على سؤال، قالت المصادر: ان باريس تحترم قرار الرئيس سعد الحريري، وسبق لها ان حددت موقفها لناحية اعتبار خطوته امر عائد له.
وحول الورقة الخليجية، لفتت المصادر الى ان باريس ترى ضرورة ان تقوم علاقات سليمة بين لبنان والمجتمع الدولي الذي عبّر عن وقوفه الى جانب الشعب اللبناني، وهي ترى ضرورة ملحّة في ان تحل المسائل العالقة بين لبنان ودول الخليج تحديدا بالحوار المباشر بين الطرفين، وهذا موقف مشترك بين باريس وواشنطن. بما يؤدي الى استعاده لبنان حضوره كما كان في الماضي.
تعقيدات الموازنة
محلياً، بلغ التأزم الصحي ذروته مع تجاوز الاصابات بوباء كورونا عتبة العشرة آلاف، فيما انضبط المشهد الداخلي امس على وقع تصعيد مطلبي شلّ فيه قطاع النقل الحركة في البلد بإقفال طرقات في مختلف المناطق اللبنانية، في وقت كانت الحكومة تواصل جلساتها الاخيرة في دراسة مشروع موازنة السنة الحالية تمهيدا لإحالته قريبا الى مجلس النواب.
والواضح ان مجلس الوزراء لم يصل بعد الى فكفكة تعقيدات الموازنة، خصوصا تلك المتعلقة بفرض ضرائب ورسوم جديدة. وخلال الانعقاد المطوّل لمجلس الوزراء امس، لم يتم حسم رقم محدد لتسعير الدولار الجمركي مع ما لذلك من آثار كارثية على غالبية السلع المستوردة، فيما بدأت الجمرات تطل من قطاع الاتصالات وسط حديث عن زيادة التسعيرة الى خمسة اضعاف.
وفي هذا السياق، برّر وزير الاتصالات جوني القرم التوجه نحو زيادة التسعيرة بأنه لا يريد ان يحصل في قطاع الاتصالات كما حصل في قطاع الكهرباء. وقال: ان رفع التسعيرة 5 أضعاف ليس منزّلاً وأنا مستعدّ للنقاش». وأفيد لاحقاً ان القرم عرض أفكاراً لزيادة دخل قطاع الاتصالات ومنها تسعير فواتير الهواتف على سعر ٩٠٠٠ ليرة لبنانية، وانه ابلغ مجلس الوزراء ان العقد مع ليبان بوست انتهى».
وبدا واضحا ان هذا الامر محل خلاف داخل مجلس الوزراء حيث رفض وزير الاقتصاد أمين سلام زيادة التسعيرة، قائلا انه لا يجوز هذا الرفع، لأنّ هذا الأمر «رح يولّع البلد» لأنّ المواطنين لا يحتملون هكذا زيادات.
وبقيت سلفة الكهرباء محل أخذ ورد، حيث قوبل هذا الامر برفض العديد من الوزراء اعطاء سلفة لكهرباء غير موجودة، فيما اشار وزير الطاقة وليد فياض الى خطة تبدأ بزيادة ساعات التغذية وبعدها تتمّ زيادة التسعيرة. وقال: «لا أريد سلفة الكهرباء إذا كانت شحادة».
في هذا الوقت، حافظت العلاقة بين القصر الجمهوري وحاكمية مصرف لبنان على سخونتها الشديدة، حيث تابع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هجومه على الحاكم رياض سلامة، ونقل عنه قوله امس «انّ ما يحصل في الموضوع المالي يهدف الى تحميل المودعين اعباء أخطاء الآخرين، وهذا امر مرفوض ونعمل بجهد لمنع حصوله، خصوصاً ان كل الوعود التي تعمّم في هذا المجال هي غير صحيحة».
وشدد الرئيس عون على أنه «من المستحيل ان يتمكن من غَدَر البلد من اصلاح الاوضاع. فمَن أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم لا يمكن ان يكون هو المسؤول الصالح لتصحيح الامور وايجاد الحلول بعد الاخطاء التي ارتكبها».
ولفت الى «أننا عندما نطالب حاكمية مصرف لبنان بإعطاء المعلومات المطلوبة لإتمام التحقيق الجنائي، نتعرض للهجوم من جهات معروفة لا تريد للتحقيق ان يصل الى نتائج واضحة وتحميل المسؤولية لمن أوصَل الوضع المالي والمصرفي الى الواقع المؤلم الذي يعيش فيه المواطنون والمعاناة اليومية من عدم الوصول الى حقوقهم ولقمة عيشهم»، مؤكداً «انّ هذه اللعبة اصبحت في مرحلتها الاخيرة وسيكشف امر كل مسؤول عن هذه الكارثة الكبيرة».
المطارنة الموارنة
من جهته، اكد مجلس المطارنة الموارنة في بيان بعد اجتماعهم الشهري برئاسة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي امس «متابعة الآباء باهتمام النقاشات الدائرة على الصعد الرسمية والسياسية والإعلامية في موضوع الموازنة العامة»، لافتين «الإنتباه إلى الأولوية التي ينبغي أن تعطى في ظروف البلاد الصعبة للغاية، لتسهيل توافر الخدمات العامة ومتطلِّبات الصحة والغذاء تبعاً للإمكانات المادية المحدودة لمعظم اللبنانيين وبرقابة صارمة تشمل عمليات الإستيراد والتوزيع والمبيع».
وأمل «بوصول الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي إلى اتفاق في مدى قريب، بما يفتح الباب واسعا أمام المباشرة بالإصلاحات المطلوبة لتحرير الدعم المالي المرتجى».
وجاء في البيان: «يراقب الآباء التحولات السياسية الجارية في مراكز القرار عشيّة انطلاقة الإعداد الجدي للانتخابات النيابية، ويؤكدون ضرورة الحؤول بينها وبين احتمالات تأثيرها سلباً على هذه الانتخابات كما والإنتخابات الرئاسية. ويعوِّلون بذلك على وطنية اللبنانيين المخلصين، وعلى حكمتهم وحرصهم على أن تلبّي الإستحقاقات الدستورية توق اللبنانيين إلى صيانة الحرية، والفوز بالأمن الراسخ وبالاستقرار المثمر. ويشدِّد الآباء على وجوب المعالجة الحازمة للخلل الطارئ على العلاقات اللبنانية – الخليجية، بحيث يوضع حد نهائي للتدخلات في شؤون الأشقاء والأصدقاء. ويرون في هذا الخلل مثلا ساطعا لحاجة لبنان الماسّة إلى إعلان حياده، فلا يعود ساحة للتجاذبات الخارجية وتستقيم حياته السياسية نحو التركيز على حسن إدارة أوضاعه وتواصله مع الخارج القريب والبعيد».
وزير خارجية الفاتيكان
وكان وزير خارجية الفاتيكان قد التقى امس البطريرك الراعي والمطارنة الموارنة في بكركي، كما شارك في مؤتمر أقيم في جامعة الروح القدس – الكسليك حول «البابا يوحنّا بولس الثاني ولبنان الرسالة»، بمناسبة مرور 25 عامًا على زيارته التاريخية الى لبنان. وكانت له كلمة قال فيها: «ما زال الشعب اللبنانيّ يعاني الأمرّين، ومعاناته واضحة للجميع. ففي ظلّ تنامي الفقر، تجد عائلات عدّة نفسها عاجزةً عن النفاذ إلى حساباتها المصرفيّة، في حين أنّ المدارس والجامعات والمستشفيات تعاني نقصاً في التمويل. ما هو السبيل إلى الحلّ؟ لا شكّ في أنّ الأسرة الدوليّة يجب أن تساعد لبنان على مواجهة هذا الأفق الاقتصاديّ المسدود ووضع حدّ له. لكن هناك حاجة أيضًا إلى تجدّد وإصلاحات داخليّة تترافق وتنبّه حقيقيّ للخير العام والتزام مقاربة تتخطّى المصالح الضيّقة للأفراد والجماعات. ويمكن تخطّي الانقسامات والجمود السياسيّ والاقتصاديّ من خلال الديموقراطيّة الحقّة، وقوامها الحوار والوحدة والتفاهم ووضع الخير العام في مصاف الأولويّات».
غلاغير لـ«تلفزيون الجمهورية»
الى ذلك، لفت غلاغير، في حديث الى «تلفزيون الجمهورية»، الى أنّ «الكرسي الرسولي يتابع باهتمام مسألة هجرة اللبنانيين»، مشيراً الى انه «استمع الى الكثير من الشهادات الحية لشبيبةٍ يعانون البؤس في لبنان»، موضحاً «َانّ الكرسي الرسولي لا يملك الوسائلَ لإحداث تغيير كبير في الاوضاع الاقتصادية التي تعصف بلبنان، الا اننا نسعى على هذا الخط الى حَثّ شركائنا ورؤساءِ الدول الذين يزورون الفاتيكان، على التحرك لإيجاد الحلول في ما يخصّ أزمة المصارف والتمويل».