على قاعدة “سلّم تسلم” التي تنتهجها الطبقة الحاكمة لتخضيع السلطة القضائية وتدجين نزعتها الاستقلالية عن السلطة السياسية، لا يزال ملف التشكيلات القضائية مكبلاً بالقيود ذاتها التي زجّته في درج قصر بعبدا وأبقته منذ قرابة العامين رهينة إرضاء الأهواء الرئاسية للإفراج عنه، إذ لم ينجح مجلس القضاء الأعلى حتى الساعة في رفع سلة تشكيلات جزئية لملء الفراغ في غرف التمييز الست، وفشل في التوصل خلال اجتماعه أمس الأول إلى التوافق على 6 مرشحين لتولي رئاسات هذه الغرف بعد بلوغ رؤسائها سنّ التقاعد.
وبشديد الاختصار، تعيد مصادر مواكبة لهذا الملف العرقلة الحاصلة إلى “استمرار محاولات القرصنة السياسية”، موضحةً لـ”نداء الوطن” أنّ “التدخل السياسي عطّل التشكيلات الجزئية، كما سبق أن عطّل التشكيلات العامة”، ولفتت إلى أنّ “رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود يعمل جاهداً لإنجاز التشكيلات وإيصالها إلى برّ الأمان لأن غرف التمييز معطلة وكذلك عمل المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار معطل، سيّما وأنّ تجميد التشكيلات من شأنه أن يجمّد عملية إصدار قرار اتهامي من قبل المحقق العدلي كون أحد المدعى عليهم تقدم بدعوى مخاصمة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز غير مكتملة الأعضاء”.
ونوّهت المصادر بأنّ “التشكيلات الجزئية المنوي اقتراحها تُعنى باقتراح 6 قضاة ليحلوا مكان كل من القضاة ناجي عيد وجانيت حنا ورندا كفوري، إضافة إلى 3 رؤساء غرف بلغوا سنّ التقاعد”، كاشفةً أنّ “الاسم الوحيد المتفق عليه حتى الآن هو القاضي الشيعي ماجد مزيحم، بينما الخلاف مستمر على أسماء القضاة المسيحيين لأنّ “التيار الوطني الحر” ومن خلفه رئيس الجمهورية ميشال عون، يصرّ على تعيين أسماء محسوبة على “التيار” أو تدور في فلكه، في حين يتمسك رئيس مجلس القضاء باقتراح أسماء تتمتع بمناقبية معينة بمعزل عن الحسابات السياسية، لكن في نهاية المطاف تبقى الخشية من تعطيل التشكيلات وعدم التوقيع عليها من قبل رئيس الجمهورية إذا لم ترضه الأسماء المقترحة فيها، فيصبح مصير التشكيلات الجديدة كمصير التشكيلات السابقة التي رفض عون توقيعها”.
وفي الغضون، أعاد مجلس الأمن أمس التشديد على ضرورة تجاوب السلطات اللبنانية مع متطلبات اللبنانيين الذين “عبروا عن تطلعات مشروعة لإنجاز الإصلاحات والانتخابات الحرّة والنزيهة في 15 أيار المقبل، وتعزيز العدالة عبر إجراء تحقيق سريع ومستقل وشفاف في تفجير 4 آب 2020″، كما جاء في نص البيان الصادر عن المجلس إثر جلسة الإحاطة التي عقدها حيال تطبيقات القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان. وحثّ أعضاء مجلس الأمن الحكومة اللبنانية على وجوب “اتخاذ قرارات وإجراءات سريعة وفعالة من شأنها أن تمكن من إبرام اتفاق سريع مع صندوق النقد الدولي، وتنفيذ إصلاحات ملموسة سبق تحديدها باعتبارها ضرورية لمساعدة الشعب اللبناني وضمان الدعم الدولي الفعال للبنان”، كما أعاد مجلس الأمن التأكيد على “دعم استقرار لبنان وأمنه وسيادته بما يتفق مع القرارات 1701 و1680 و1559 و2591″، مطالباً السلطات اللبنانية بتنفيذ “سياسة ملموسة للنأي بالنفس عن أي صراعات خارجية كأولوية مهمة”، مع التشديد في الوقت عينه على ضرورة التحقيق في الاعتداءات المتكررة على قوات “اليونيفل” في جنوب لبنان و”تقديم مرتكبيها إلى العدالة”.
توازياً، تتجه الأنظار الأسبوع المقبل إلى زيارة الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود الجنوبية مع إسرائيل، السفير آموس هوكشتاين إلى بيروت، بعدما أجرى محادثات على مدى قرابة الأسبوع في تل أبيب ليعود منها “حاملاً إلى بيروت خلاصة ما توصل إليه مع الجانب الإسرائيلي” إزاء متطلبات استئناف عملية التفاوض غير المباشر لترسيم الحدود البحرية، وفق ما نقلت مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن”، مشيرةً إلى أنّ هوكشتاين انطلق في محادثاته الإسرائيلية من “استحصاله على تعهد من الجانب اللبناني بالانطلاق من الخط 23 في التفاوض على إقرار تسوية حدودية تقوم على اعتماد الخط المتعرّج، بحيث يحصل لبنان على حقل قانا بالكامل واسرائيل على حقل كاريش”.
لكن في المقابل، وبعدما أعدت قيادة الجيش اللبناني كتاب ردّ على كتاب الاعتراض الاسرائيلي على فتح دورة التراخيص جنوباً، وحولته حينها وزارة الدفاع إلى وزارة الخارجية، سرت معلومات عن تعمّد دوائر “الخارجية” تأخير إرسال الكتاب إلى مندوبة لبنان السفيرة أمال مدللي لتقديمه إلى الأمم المتحدة بحجة الرغبة في “عدم التعكير على أجواء زيارة هوكشتاين المرتقبة”، لكنّ المصادر لفتت الانتباه إلى أنه “حتى لو تم ترسيم الحدود وفق الخط المتعرج فإنّ عمليات التنقيب قد تؤدي الى اكتشاف حقول مشتركة أخرى، وبالتالي يجب أن يلحظ أي اتفاق على الترسيم هذه المسألة حتى لا يتم الوقوع في مشكلة جديدة لاحقاً”.
وبهذا المعنى، كان لا بدّ من إرسال رسالة لبنانية إلى رئاسة مجلس الأمن شددت فيها مدللي أمس على أنه “رداً على الادعاءات الإسرائيلية بشأن دورة التراخيص الأخيرة التي أطلقتها الحكومة اللبنانية، لمنح ترخيص للإستكشاف في عرض البحر والادعاء بأنها تقع في أماكن بحرية اسرائيلية، يؤكد لبنان أن جميع الأعمال المشار إليها تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، وغير القابلة للتنازل عنها”، وأشارت إلى أنه “احتراماً لمبدأ “الخط التفاوضي” الذي لم تتوصل إليه بعد المفاوضات غير المباشرة، لا يمكن الادعاء بأن هناك منطقة اقتصادية اسرائيلية خالصة مثبتة، بعكس ما ادعى الجانب الاسرائيلي بشأن ما يسميه حقل كاريش”، داعيةً باسم لبنان مجلس الأمن إلى مطالبة إسرائيل “بالامتناع عن أي نشاط في المناطق المتنازع عليها بما في ذلك منح حقوق لأي طرف ثالث، والقيام بأنشطة استكشافية أو بأعمال حفر أو بالمفاوضات غير المباشرة، وتركيز الجهود على الدفع قدماً بالمفاوضات غير المباشرة”، مقابل التأكيد على أنّ “لبنان ما زال يعوّل على نجاح مساعي الوسيط الأميركي، ويؤكد الالتزام بالتوصل الى حل “تفاوضي” لمسألة الحدود البحرية برعاية الأمم المتحدة، ما يعني معاودة المفاوضات من حيث توقفت بمعزل عن أي شروط مسبقة سوى الالتزام بالقوانين الدولية المرعية الاجراء”.