كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: غداً هو الموعِد المفترض لقدوم الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين إلى بيروت لاستكمال التفاوض في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي. تعدّدت الروايات حول ما قد يحمله الموفد الأميركي، وخصوصاً أن لبنان استبقَ الزيارة بموقف متطور، فيما كشفت معلومات أن «الأميركيين بدأوا يستطلعون موقف حزب الله من الملف»، وتحديداً في ما يتعلق بالحقول المشتركة
بعدَ أكثر من تأجيل، يصل الى بيروت بعد ظهر غد وسيط الترسيم البحري بين لبنان والعدو الإسرائيلي، عاموس هوكشتين في زيارة سريعة تنتهي مساء الأربعاء. ويشمل جدول أعماله اجتماعاً مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بحضور وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، وآخر مع وزير الطاقة وليد فياض، ثم زيارة لرئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولقاء مع قائد الجيش العماد جوزيف عون، وعشاء عمل لدى مستشار رئيس الجمهورية للملف الحدودي النائب الياس بوصعب.
المعلومات المتوافرة تركز على أن هدف الزيارة البحث عن حل «يسمح للجانبين باستخراج الغاز من المناطق المتنازع عليها». وهو سيزيد من الضغط في هذا المجال ربطاً بالتطور الذي حصل على صعيد موقف لبنان، وتمثّل بالرسالة اللبنانية التي أرسلت إلى الأمم المتحدة أخيراً، مثبتة حق لبنان وفق الخط 29، رداً على كتاب أرسله رئيس بعثة «إسرائيل» في الأمم المتحدة جلعاد أردان في كانون الأول الماضي إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اعترض فيه على فتح لبنان دورة التراخيص الثانية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية (أعلن عنها وزير الطاقة في تشرين الثاني الماضي). وقد جدّد رئيس البعثة الإسرائيلية تمسّك العدو بمساحة الـ 860 كيلومتراً مربعاً ما بين الخطين 1 و23، محذِّراً من القيام بأي أعمال استكشاف.
في ضوء المجريات التي أحاطت بهذا الملف والجدال الكبير بشأن الخط 29 وتقاعس الدولة اللبنانية عن تعديل المرسوم 6433، جاءت الرسالة اللبنانية مفاجئة. فللمرة الأولى، يُعلِن لبنان بشكل رسمي بأنه يعتبر حقل «كاريش» منطقة متنازعاً عليها، وبالتالي لا يُمكِن لإسرائيل الاستمرار بعمليات التنقيب فيه أو البدء بعمليات الاستخراج. إذ نصّت الرسالة التي وجّهتها سفيرة لبنان في الأمم المتحدة آمال مدللي الى رئيس مجلس الأمن الدولي، حرفياً، على أنه «احتراماً لمبدأ الخط التفاوضي (أي الخط 29) الذي لم تتوصّل إليه بعد المفاوضات غير المباشرة، لا يُمكِن الادعاء بأن هناك منطقة اقتصادية خالصة مُثبتة، بعكس ما ادّعى الجانب الإسرائيلي بشأن ما يُسميه (حقل كاريش)، ما دفعَ لبنان إلى الاعتراض الرسمي بموجب الرسالة على أي أعمال تنقيب في المناطق المتنازع عليها تجنباً لخطوات قد تشكّل تهديداً للسلم والأمن الدوليّين».
وعلى قدر المفاجأة التي خلّفتها الرسالة، طُرِحت الأسئلة عن سببها وتوقيتها والخلفيات التي انطلق منها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون (الرسالة أتت بتوجيه منه)، وخصوصاً أن الأطراف المعنيين بالملف لم يكونوا على عِلم بها، لا في قيادة الجيش ولا في عين التينة، حتى رئيس الحكومة لا يوحي بأنه كان مشاركاً في القرار، علماً بأنه لا يستبعد أن يكون في أجوائه.
وبما أن الرسالة ليست مرسوماً حاسماً، فهذا يقلّل من قوة مفاعيلها القانونية، ويعطيها بعداً تفاوضياً. لكن ذلِك لا يُلغي أهميتها لناحية تطور الموقف اللبناني، الذي ظهر سابقاً على شكل تخاذل وضعف رسميين، ونقص حتى في الخبرة التفاوضية وعدم استخدام أوراق القوة الموجودة لدى لبنان، الى درجة أن العدو تصرّف على أساس أن لبنان سيبدأ التفاوض من الخط 23 وأنه أسقط الخط 29 من اعتباراته وتخلّى عن فكرة تعديل المرسوم، ما يعني في النهاية القبول بـ«خط هوف». لكن الخلل السياسي يتعلق بكون الرسالة المقررة لم تحظ بنقاش وإجماع مسبق بين الأطراف المعنية، ما أظهر مخاوف جهات بارزة من أن تتسبّب بوقف المفاوضات وإلغاء هوكشتين زيارته أو تأجيلها مجدداً، بعدَ تفسير الرسالة كأنها «تصعيد في الموقف اللبناني». بينما تقاطعت المعلومات حول «عدم معرفة ما سيحمله الوسيط الأميركي معه إلى بيروت، وعمّا إذا كان قد توصّل مع الإسرائيليين إلى طرح معيّن سيعرضه على المسؤولين اللبنانيين».
وفي هذا الإطار، كرّر مطّلعون على الملف وعلى صلة بمسؤولين أميركيين، أن «الوسيط الأميركي، كما العدو الإسرائيلي، تجاوزا مسألة ترسيم الخطوط». فـ«المفاوضات التي يقوم بها تتعلّق بتقاسم الموارد في الحقول المشتركة تحت سطح الماء، من خلال تكليف شركات بمهمة الإنتاج وتقسيم العوائد، وهو طرح هوكشتين القديم»، مشيرة إلى أن جولاته تستهدف التوصل إلى آلية للتقسيم لا إلى الترسيم.
ويعزّز هذا الرأي ما نقله مراسل موقع «أكسيوس» الأميركي في تل أبيب، باراك رافيد، الذي اعتبر أن أهمية أي اتفاق. ونقل المراسل عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الهرار أبلغت هوكشتين حين التقته، الأسبوع الماضي، أن إسرائيل تريد صفقة، وهي مستعدة للنظر في حلول مبتكرة طالما يتمّ الحفاظ على مصالحها الأمنية والاقتصادية».
تشديد الهرار على مصالح العدو الأمنية والاقتصادية، سببه الخوف من ردّ فعل المقاومة على أي تهوّر «إسرائيلي»، فضلاً عن أن عدم وجود اتفاق من شأنه أن يرفع مخاطِر العمل في أي منطقة متنازع عليها (استكشاف وإنتاج) ويؤدي الى تردّد الشركات العالمية في إبرام عقود عمل. وهذا الكلام (المنقول في الموقع الأميركي) تزامن مع معلومات «الأخبار» عن «جولة استطلاع قامَ بها مسؤولون أميركيون مع عدد من الجهات اللبنانية لاستكشاف موقف حزب الله من الترسيم»، وهؤلاء «يحاولون رسم تصوّر عن الطريقة التي يُمكن أن يتعامل بها الحزب في حال حصول تسوية حول الحقول المشتركة، وخاصة أنه يدخل في إطار التطبيع الاقتصادي، فكيف ستكون ردّة الفعل؟». وفي الإطار، أشارت المعلومات إلى أن «خيار الاستعانة بشركة إماراتية للعمل في المنطقة المتنازع عليها تراجع هذه الفترة، مخافة من استهداف معين، وخاصة مع عودة الإمارات إلى التورط في اليمن، مقابل عودة التداول باسم شركة (هاليبرتون) الأميركية، التي سبقَ أن منحها العدو ترخيصاً لبدء حملة تنقيب على الحدود مع لبنان».