بعدما فضحت “نداء الوطن” نوايا الأكثرية الخبيثة والمبيّتة لتنفيذ مؤامرة “تطيير” الاستحقاق النيابي، وجدت سلطة 8 آذار نفسها أمام ردة فعل صارمة حتّمت عليها التراجع خطوة إلى الوراء بانتظار إنضاج الظروف الملائمة لتمرير مؤامرتها الانتخابية، إذ وبينما توالت الردود الداخلية الرافضة لتأجيل الانتخابات، لفت على المستوى الدولي إثارة وكالة “رويترز” المخاوف من أن “تسعى أحزاب لبنانية قوية لإرجاء الاستحقاق النيابي لأنّ نتيجتها قد تؤدي إلى فقدان هذه الأحزاب بعض قوتها في مجلس النواب”، ونقلت في المقابل عن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا تشديدها على وجوب إجراء الاستحقاق في أيار المقبل، مؤكدةً وجود “إجماع في المجتمع الدولي على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها بصورة تتسم بالنزاهة والشفافية… ولا مجال للمناورة“.
وإلى المناورة الانتخابية المفضوحة لإجهاض فرصة التغيير النيابي، عادت إلى الواجهة أمس المناورات القضائية التي تمارسها السلطة لطمس الحقيقة ووأد العدالة في جريمة انفجار مرفأ بيروت، فكان قرار أهالي الشهداء أمس بالتصعيد ميدانياً أمام قصر العدل للمطالبة ببت طلبات الرد المرفوعة ضد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار إفساحاً في المجال أمام استئناف تحقيقاته المجمدة منذ أكثر من شهرين تحت وطأة القيود التي فرضتها الهجمة السياسية والقضائية التي يشنها “حزب الله” على القاضي البيطار ونجح من خلالها بشلّ التحقيق العدلي في انفجار 4 آب، وهو ما دفع أهالي الشهداء إلى الانتفاض على هذا الامر الواقع وإبداء الاستعداد لخوض غمار “مواجهة مفتوحة” مع المساعي الحثيثة التي يبذلها “حزب الله” لترهيب القضاء ومنع استكمال التحقيق في جريمة المرفأ.
وفي هذا السياق، نفذ أهالي الضحايا والمتضررين من الجريمة وقفة احتجاجية عند “مستديرة العدلية” قطعوا خلالها الطريق بالإطارات المشتعلة متوعدين باتخاذ خطوات تصعيدية تصاعدية للدفع باتجاه فكّ الحظر القضائي عن مواصلة المحقق العدلي تحقيقاته، توصلاً إلى البت بملف القضية وما يتفرع عنها من توقيفات واستدعاءات وادعاءات، وكان لافتاً إعراب الأهالي عن رفضهم ما تم تسريبه عن محاولة إغرائهم بتعويضات مالية تصل إلى مليون دولار لكل عائلة شهيد في مقابل إقفال القضية وإغفال الملاحقات القضائية بحق المشتبه فيهم والمدعى عليهم، بينما صوّب بعضهم بشكل مباشر على “حزب الله” باعتباره مسؤولاً مباشراً عن عرقلة الوصول إلى الحقيقة والعدالة في انفجار المرفأ، فسألت إحدى أمهات الضحايا على الهواء مباشرةً: “أليس من الأجدى بكاء (رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة”) محمد رعد على أولادنا بدل التباكي على أطفال اليمن؟“.
وفي خضم حالة الغليان والهريان المتمددة على الأرضية اللبنانية، يستأنف المبعوث الأميركي السفير آموس هوكشتاين وساطته في بيروت لتعبيد الطريق أمام عودة الجانبين اللبناني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية. وقبيل زيارته اللبنانية المرتقبة اليوم، تضاربت المعلومات وكثرت التحليلات والتوقعات حيال ما ستخلص إليه جولة محادثات الوسيط الأميركي مع المسؤولين اللبنانيين، ففي حين رأى البعض أنه “لا يحمل مبادرة محددة إنما مجرد أفكار للتدارس”، شددت مصادر متابعة للملف على أنه “في ضوء المؤشرات التي سبقت الزيارة يمكن التقاط نقاط إيجابية قابلة لإحداث خرق في جدار الترسيم”، موضحةً أنّ “من يتابع تصاريح هوكشتاين الأخيرة يلمس تفاؤله بإمكانية إيجاد فرصة لحل النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل”، وهذا يعود بحسب المصادر نفسها “إلى أكثر من سبب، لعل أهمها التغيير الذي طرأ على الموقف الأميركي بين إدارتي دونالد ترامب وجو بايدن، فإدارة الأخير الملتزمة اتفاقيات الحياد المناخي، أي التحول إلى اقتصاد بصافي صفر من انبعاثات الغازات الدفيئة، لم تعد داعمة لخط EastMed pipeline الذي يربط كلّاً من اسرائيل وقبرص واليونان، على الرغم من امتعاض اسرائيل من الخطوة، وهي تنوي الانضمام من جديد للجهود الدولية في مواجهة التغير المناخي والتقليل من الاعتماد على مصادر الطاقة الاحفورية fossil energy”.
هذا على الصعيد الأميركي، أما على المستوى اللبناني فتلاحظ المصادر “وجود 3 مواقف تختلف شكلياً على خط الترسيم، الموقف الأول يقوده رئيس الجمهورية الذي بعث برسالة عبر وزارة الخارجية إلى الأمم المتحدة يعيد التذكير من خلالها بسقوط “خط هوف” وأن التفاوض يبدأ من الخط 23 إلى الخط 29 في المنطقة المتنازع عليها، بينما من ناحية ثانية هناك موقف “حزب الله” الذي يفاوض على طريقته من دون أن يتبنى رسمياً أي خط لمفاوضات الترسيم، فضلاً عن موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المؤيد للتفاوض على أساس الخط 23“.
وترى المصادر أن “مواقف لبنان المتعددة إنما تهدف إلى وضع الخط 29 هدفاً لعملية التفاوض بغية الوصول عملياً إلى الخط 23″، في حين توقفت على المقلب الآخر عند إعراب إسرائيل على لسان وزيرة طاقتها كارين الهرار عن “الترحيب بالحلول المبتكرة”، وقد تكون تقصدت بذلك دعوة الجانب اللبناني إلى “ملاقاة المبادرة الهادفة الى تبادل حقل كاريش من الجانب الاسرئيلي بحقل قانا اللبناني، بمعنى أن توزيع الثروة يقع تحت سطح البحار بحيث تحوز كل جهة على بئرها وتستأنف عمليات الحفر في البلوك رقم 9… فهل تدفع الوساطة الأميركية باتجاه اعتماد الحلول المبتكرة والإقرار بحلّ “تبادل الآبار” بين الجانبين؟“.