«صمت» رسمي ينتظر عودة الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين الى بيروت، تجاهلت القوى السياسية رسالة الرئيس ميشال عون «غير المنسقة» الى الامم المتحدة والتي تبنى فيها نظريا الخط 29، وذلك لعدم اظهار الارباك في الموقف الرسمي قبل الاستماع الى طروحات الموفد الاميركي. في هذا الوقت سادت اجواء سلبية حيال الخلافات بين بعبدا والسراي الحكومي حيال خطة الكهرباء، والموقف من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ظل اصرار رئيس الجمهورية بالذهاب بعيدا في مواجهة الحاكم وهو ما يرفضه رئيس الحكومة بشدة. وفي انتظار تبلور مشهدية التجاذب الكهربائي، حيث لا اتفاق على التمويل، بغياب القروض الخارجية، وفشل تمرير سلفة او قرض، تعترف مؤسسة الكهرباء انها غير قادرة على سدادها، خرجت جمعية المصارف عن «صمتها» واعلنت رفضها خطة التعافي «المسربة» من قبل الحكومة لانها ستؤدي الى انهيار القطاع المصرفي، تزامنا مع وجود تباين في وجهات النظر حول الخطة بين عون وميقاتي. وفي انتظار مدى انعكاس كل هذه الخلافات على الموازنة والعمل الحكومي، دخلت واشنطن مجددا على خط التدخل في الاستحقاق الانتخابي، واعلنت السفيرة دوروثي شيا ان بلادها لن تسمح لاي مناورة تؤدي الى تاجيل هذا الاستحقاق، في وقت تعمل السفارة في عوكر بالتنسيق مع الفرنسيين للحد من تداعيات خروج رئيس تيار المستقبل سعد الحريري من «السباق» الانتخابي عبر رفع منسوب الضغط عليه لتوجيه ناخبيه ضد حزب الله وحلفائه والتهويل «بعصا» القرارات الدولية اذا لم تنجح الانتخابات في تحقيق التغيير المطلوب، وهو ما يهدد بتغيير «قواعد اللعبة» التي لا تبدو اسرائيل جاهزة لمواجهتها مع اعلان احد كبار جنرالاتها بالامس ان جيشها «منهار» وغير قادر على مواجهة اي حرب جديدة.
«سباق مع الزمن»
وفي هذا السياق، تبدو الولايات المتحدة وفرنسا في سباق مع الزمن لطي صفحة عزوف الرئيس سعد الحريري عن خوض الانتخابات النيابية لمنع حزب الله من استعادة الأكثرية في البرلمان عبر استغلال «الاحباط» المستجد في «الشارع» السني. ووفقا لمصادر دبلوماسية، تسعى واشنطن لاقناع مصر بالتدخل على نحو اكثر فعالية في الاستحقاق اللبناني في ظل صعوبة قيام تركيا بهذا الاختراق نظرا لوجود «حساسية» سعودية مفرطة ازاء اي دور تركي، وعلم في هذا الاطار، ان السفارة الاميركية في بيروت رفعت توصية الى الخارجية بضرورة ارسال مبعوث اميركي رفيع الى القاهرة للبحث في كيفية التاثير على الساحة اللبنانية بعدما وصلت الاتصالات مع السعودية الى «حائط» مسدود.
«ضبط الصوت السني»
ولان انسحاب الحريري «خلط الاوراق» الانتخابية والسياسية، وبعثر الاولويات، بات الهم الرئيسي لدى الفريق المتخصص في السفارة الاميركية ضبط «الصوت» السني وتوجيهه في عملية الاقتراع، وتبلغ زوار السفارة الاميركية باستراتيجية جديدة سيعملون على الترويج لها اعلاميا وسياسيا، لمواجهة مقولة فريق حزب الله وحلفائه بانه لن تحصل مفاجآت في صناديق الاقتراع، وعماد هذه الاستراتيجية الاضاءة على نتائج الانتخابات العراقية التي ادت الى خسارة حلفاء ايران للاكثرية في المجلس التشريعي، اي تعميم «النموذج « العراقي في لبنان. وهو توجه خطير براي مصادر نيابية بارزة ترى انه تعميم للفوضى كما يحصل الان في العراق.
تفاؤل اميركي؟
ويعرض فريق العمل الانتخابي في عوكر نتائج احصاءات تشير الى حصد المجتمع المدني والمعارضة لمقاعد وازنة في المجلس النيابي تتقدمها القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي، ما سيوسع من هامش المستقلين القادرين على التاثير في الاستحقاقات المقبلة وفي مقدمتها الاستحقاق الرئاسي.
ضغط فرنسي على الحريري
وفي هذا السياق، دخلت فرنسا على الخط بقوة عبر تولي التواصل المباشر مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الموجود في الامارات لاستغلال ثغرة في قراره حين لم «يتورط» في دعوة محازبيه وأنصاره الى مقاطعتها لدى اتخاذه قراره بالعزوف عن خوضها. ووفقا للمعلومات، بدأت باريس بالتواصل مع الحريري قبيل عودته المفترضة إلى بيروت للمشاركة في الذكرى السابعة عشرة لاغتيال والده، والعمل جار لبلورة افكار محددة لتوجيه جمهوره للمشاركة الفاعلة في العملية الانتخابية والإقبال بكثافة على الصناديق للاقتراع للقوى المناهضة لحزب الله وحلفائه، وثمة ضغط فرنسي – اميركي واضح لدفع الحريري لتبني خطاب عالي السقف لتحفيز محازبيه بعد ان جاء خطاب اعتزال العمل السياسي مخيبا للامال كونه لم يحدد البوصلة المقبلة وترك الجمهور السني في حالة من «الارباك» التي يفترض ان يذللها الحريري في اطلالته سواء حصلت من بيروت او عبر وسيلة اخرى، مع العلم ان الضغوط كبيرة عليه كي يحيي ذكرى والده حضوريا.
دار الفتوى و «الرجل المريض»!
وفيما تعوّل واشنطن وباريس على تبلور سياسة واضحة من رؤساء الحكومة السابقين بالتنسيق مع دار الفتوى، ينتظر مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان استراتيجية رؤساء الحكومة السابقين لمواجهة «ملء فراغ» الحريري، وهو لا يزال متريثا في الخروج بموقف نهائي من التطورات بانتظار تبلور رؤية موحدة تخرج الطائفة السنية من دائرة التعامل معها «كرجل مريض» يسعى الجميع الى تقاسم ارثه، فدريان يرفض التسويق لمقولة ان عزوف الحريري هي السبب في الاحباط او الارباك لدى السنة، وانما هي نتيجة لكل الاضطهاد الذي تعرضت له الطائفة التي تمت محاصرتها لانها تمسكت بمشروع «الدولة»؟!
«ورقة» القرارات الدولية
ووفقا لمصادر سياسية بارزة، فان «الكارت» المخفي لدى الولايات المتحدة يبقى الدفع لاعادة تعويم القرارات الدولية وخصوصا القرار 1559، وهو امر منسق مع دول الخليج الذي تبنته في «وثيقتها» الاخيرة، وكان البيان الذي صدر عن مجلس الامن نهاية الاسبوع بشأن لبنان، خير دليل على وجود مناخات سلبية تتحضر لاستخدام هذه «الورقة» في الوقت المناسب، خصوصا ان قوات اليونيفيل قامت في الاونة الاخيرة بسلسلة من «البروفات» لفرض امر واقع القرار 1701 ما ادى الى ثلاث مواجهات ميدانية مع الاهالي وهو مؤشر سلبي للغاية. ووفقا للمعلومات، فان الاميركيين يسوقون لعدم وجود تراجع هذه المرة في تصعيد الموقف مع حزب الله خصوصا اذا لم تحمل الانتخابات النيابية التغيير المطلوب الذي يسمح بحصول التغيير المنشود.
تهديدات «فارغة»
في المقابل، ترى اوساط مقربة من حزب الله ان هذا «التهويل» كلام فارغ لرفع «معنويات» حلفاء الولايات المتحدة في لبنان عشية الاستحقاق الانتخابي الذي لن يحدث التغيير المنشود اميركيا، خصوصا ان موازين القوى لا تسمح بتغيير «قواعد اللعبة» في الجنوب او في ملف السلاح، والجميع يدرك ان اي محاولة لفرض قواعد جديدة لن تكون في صالح الاسرائيليين او في صالح القوات الدولية المنتشرة في الجنوب.
الجيش الاسرائيلي «منهار»
وتعزز هذه الفرضية حالة الانهيار المتمادية في جهوزية الجيش الاسرائيلي لخوض اي حرب مقبلة، وقد كتب الجنرال في الاحتياط وقائد سابق للكليات العسكرية اسحق بريك في صحيفة «هارتس»امس محذرا من المخاطر المحدقة بالجيش الاسرائيلي، وقال «انه على الرغم من أن رئيس الأركان أفيف كوخافي، تسلم من سلفه الجنرال غادي آيزنكوت، جيشاً في حالة تدهور صعبة وغير مستعد للحرب، فقد كان يتوقع من كوخافي إيقاف هذا التدهور وإعادة الجيش إلى السكة». لكن للأسف، يقول بريك، لم يحدث ذلك، وهو اتهم وزير الدفاع بني غانتس وكوخافي بانهما لا يدفعان قدماً بمواضيع حيوية تهيئ الجيش لحرب مقبلة متعددة الجبهات. لذلك، قد يؤدي ذلك إلى كارثة فظيعة تنزل على «شعب إسرائيل». وحينها فان لجنة التحقيق بعد الحرب المقبلة لن تفيد في شيء لان الجيش، كما يقول، لم يكن في يوم ما بوضع أكثر خطورة مما هو الآن.
لن نستطيع صد حزب الله
وبعد شرح الكثير من نقاط الضعف، لفت الجنرال الاسرائيلي الى انه ليس هناك من يحمي القرى الحدودية في الشمال أمام آلاف الصواريخ وقذائف المدفعية التي ستسقط على أراضيهم وقراهم كل يوم. وحتى مئات أو آلاف مقاتلي حزب الله الذين سيجتازون الحدود ويحاولون السيطرة على القرى. فالجيش الإسرائيلي غير مستعد لذلك. لهذا، يجب على القرى الحدودية الدفاع عن نفسها. وبدلاً من أن يزود الجيش هذه القرى بالسلاح ويساعدها في التدريب، يقوم بجمع السلاح منها خوفاً من السرقة، وهذا تفكير غير معقول وغير مسؤول بسلامة سكان الجليل.!
«الكلاب تنبح والقافلة تسير»
اما الجبهة الداخلية التي تضم حوالي 10 ملايين مواطن فيقول بريك انها سقطت بين الكراسي، وغير مستعدة للحرب الأكثر قسوة التي تحل علينا منذ «حرب الاستقلال». الحديث يدور عن إطلاق 3 آلاف صاروخ وقذيفة وطائرة مسيرة بالمتوسط كل يوم على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. والنتيجة تدمير حوالي 100 موقع يومياً. فيما لا يسعى احد لاخراج سلاح المشاة من انحطاطه، فالجيش البري أصغر من أن يستوعب مهماته في الحرب، لأن منظومة الاحتياط غير مؤهلة للحرب ووصلت إلى الحضيض. وخلص بريك الى القول المستوى الأمني يستمر في تجاهل كل هذا وكأنه يقول لنا «الكلاب تنبح والقافلة تسير».
الاشتراكي «راس حربة» ؟
وفي سياق متصل بالاستحقاق الانتخابي، يبرز دور الحزب التقدمي الاشتراكي في ادارة الحملة على حزب الله، وهي بحسب اوساط مطلعة ستتصاعد مع تبلور الموقف لدى تيار المستقبل الاسبوع المقبل، فهو كشريك انتخابي للقوات اللبنانية طلب منه اميركيا بعدم امكانية البقاء على «الحياد» في ظل الحملة من قبل حزب الله على حليفه المسيحي، وقد ترجم هذا الامر بالامس بتغريدة لرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط عبر «تويتر» قال فيها: «هل التصريحات لمسؤول كبير في حزب أساسي ذات بعد إقليمي والتي تشكك بجدوى التفاوض مع المؤسسات الدولية تهدف الى التعطيل الكامل للحكومة؟ أم ان هذه التصريحات من باب المزايدة؟ ولماذا عدنا إلى سلف الكهرباء من خارج الموازنة؟ وأين أصبحت الطاقة الاردنية والغاز المصري؟».
«عبء» الشراكة مع «القوات»
ووفقا لتلك الاوساط، فان «الاشتراكي» الذي يخشى اجهاض الانتخابات، لديه الكثير من «الهواجس» بعد انكفاء الحريري، ومنها تحمل «عبء» التحالف مع القوات اللبنانية، فالمقعد الدرزي في بيروت في «خطر» لان الحزب الديموقراطي سيخوض الانتخابات عن هذا المقعد، واذا انكفأ السنة فسيخسر جنبلاط المقعد. وفي دائرة الشوف وعاليه ليست الامور على خير ما يرام، فالمعركة قاسية مع النائب طلال ارسلان ورئيس حزب التوحيد وئام وهاب ومرشحي المجتمع المدني، خصوصا ان 15 الف صوت للمستقبل تبدو «مائعة» وغير مضمونة وتبرز معضلة اقناع الناخبين السنة للاقتراع للائحة تضم مرشحي القوات اللبنانية.
«القوات» تتهم «والتيار» ينفي
وفيما اتهم أمين سر تكتل الجمهورية القوية فادي كرم التيار الوطني الحر وحلفاءه بمحاولة تطيير الانتخابات من خلال إعادة طرح تعديل البند 16 المتعلق بانتخابات المغتربين في محاولة لتغيير المواعيد والإطاحة بالانتخابات، نفت مصادر التيار الوطني الحر وجود رغبة بتاجيل الانتخابات النيابية، ونفت وجود نية لتقديم اقتراح قانون لتعديل قانون الانتخابات واعادة تضمينه الدائرة 16 الخاصة بالمنتشرين، وشددت على ان «التيار» يحترم قرار المجلس الدستوري.
رفض «الصندوق» وغضب المصارف
اقتصاديا، وبينما تبلغت الحكومة عدم رضى صندوق النقد الدولي على خطة التعافي المسربة عبر وسائل الاعلام، دخل القطاع المصرفي على خط رفضها، حيث اعلنت جمعية المصارف رفضها تاييد هذه الخطة، ما يفضي الكثير من الغموض حول امكانية المضي قدما بها. ووفقا لمصادر مصرفية، فان المصارف مستعدة لتحمل نصيبها المحدود من الخسائر، لكن توزيع الخسائر كما تقترح الخطة الحكومية غير عادل فهي تضرب الثقة بالقطاع المصرفي، وستؤدي الى انهياره، بينما تعفي الدولة نفسها من تحمل اي خسائر، بل تحمل الخسائر للقطاع الخاص وحده، ومبدأ توزيع الخسائر غير مقبول دون التزام الدولة بخارطة طريق لتسديد التزاماتها. والحل بتحمل الدولة مسؤولياتها لا معاقبة كبار المودعين بتبديد اموالهم.!
من يدعم كارتيل المحتكرين؟
وفي دليل جديد على أن كارتيل الوكالات الحصرية لا يزال فاعلا لدى قوى سياسية فاعلة في البلاد، رحّلت اللجان النيابية المشتركة جلسة المادة الخامسة المتعلّقة بالوكالات الحصرية من قانون المنافسة إلى الهيئة العامة لمجلس النواب إثر نقاش صاخب ادى الى عدم التوافق على المادة الخامسة المتعلقة بالوكالات الحصرية. وفيما جرى التفاهم على 69 مادة، بقيت هذه المادة عالقة لأنّها تتعلّق بكارتيل الاحتكارات المؤلف من مسؤولين منهم نواب ووزراء ورجال أعمال يدورون في فلك الأحزاب ويحتكرون قطاعات مختلفة ابرزها الدواء وقطاع السيارات والمواد الغذائية… وجاء هذا الفشل بعدما عقدت اللجان الأسبوع الماضي جلسة لمناقشة اقتراح قانون المنافسة وقررت إعطاء اللجنة الفرعية مهلة أسبوع إضافي لإنجاز درس القانون لكن اللجنة الفرعية اخفقت في ذلك بسبب الدعم الواضح للكارتيلات من قبل التيار الوطني الحر، والقوات اللبنانية، وتيار المستقبل، في مقابل رفض كتلة الوفاء للمقاومة لحماية الوكالات والمطالبة بإلغائها، يساندها في موقفها كل من الحزب الاشتراكي وحركة أمل.!