على الحلبة الحكومية، انتهت جولة الأمس بتعادل سلبي بين الثنائي الشيعي والرئاستين الأولى والثالثة، بعد التوافق على نقل اشتباك الموازنة إلى المعترك التشريعي، على أساس أنها أشبعت درساً “على الفاصلة والنقطة” في مجلس الوزراء، كما قال الرئيس نجيب ميقاتي في جلسة بعبدا، التي تصدر التمويل الانتخابي جدول أعمالها فخلصت إلى رصد 15 مليون دولار لوزارة الداخلية و4 ملايين دولار لوزارة الخارجية لتأمين مشاركة المغتربين في الانتخابات، مقابل إعادة إثارة رئيس الجمهورية ميشال عون ضرورة اعتماد الـ”ميغاسنتر” لاقتراع الناخبين، فأحيل الموضوع إلى وزارة الداخلية لإعداد تقرير بشأن تكلفته المادية ومدى الجهوزية اللوجستية لإنجازه قبل موعد الاستحقاق في 15 أيار، ليصار إلى عرضه ومناقشته على طاولة مجلس الوزراء.
أما على حلبة الصراع العوني مع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، فبدأ أمس عملياً “الضرب تحت الزنار” مع إقدام مديرية أمن الدولة على شنّ 3 مداهمات متزامنة على مصرف لبنان ومنزلي سلامة في الصفرا والرابية، لتنفيذ مذكرة الإحضار التي سطرتها القاضية غادة عون بحقه، لكنه بقي “متوارياً” ولم يتم العثور عليه، فحمّلت عون المدير العام للأمن الداخلي اللواء عماد عثمان مسؤولية مباشرة عن حماية سلامة ومنع تنفيذ مذكرة إحضاره، وتوعدت بالادعاء عليه بهذه التهمة… لتلخّص مصادر مواكبة لخلفيات الهجمة العونية على حاكم “المركزي” مشهدية الأمس بالإشارة إلى أنّ “رئيس الجمهورية نجح من خلال ما حصل في فرض أمر واقع جديد، يرمي إلى محاصرة سلامة قضائياً وأمنياً ولا يترك أمامه سوى مخرج وحيد يقوده إلى التنحي طوعاً لقاء وقف الملاحقات ضده، تمهيداً للإطباق على موقعه وتعيين شخصية محسوبة على “التيار الوطني الحر” في سدة الحاكمية“.
وإذ أكدت مصادر قانونية أنّ صفة “فار من وجه العدالة” لا تنطبق على وضعية حاكم مصرف لبنان الراهنة، فهذه الصفة تتطلب بحسب القانون الجزائي تمنّع الجاني عن المثول بعد إحالته إلى محكمة الجنايات وإتمام المحاكمة بحقه وتنفيذ مذكرات إلقاء القبض بحقه، في حين أن قضية سلامة ما زالت في إطار الملاحقات من دون صدور مذكرة غيابية بتوقيفه… تجزم أوساط واسعة الإطلاع في المقابل أنّ هذه القضية لن تحل وفق الأطر القانونية والقضائية إنما “بالمعايير السياسية المتبعة والتي باتت تفرض بلورة اسم بديل جاهز لخلافة سلامة”، كاشفةً في هذا الإطار أنّ “عملية تأمين خروج آمن لحاكم المصرف المركزي بدأت خلال الساعات الأخيرة بالتنسيق مع الأميركيين“.
وتوازياً، لم يُخفِ خبراء اقتصاديون هواجسهم من أي “قفزة في المجهول في حال دفع حاكم المصرف المركزي إلى الاستقالة من دون تأمين بديل عنه والاتفاق سلفاً على خطته النقدية، لأنّ أي خطوة في غير هذا الاتجاه من شأنها أن تطيح بالعملة الوطنية والبلد على حد سواء، خصوصاً وأنّ الحكومة غير قادرة على حماية السياسة النقدية للدولة في ظل عجزها عن الإقدام على أي خطوة إصلاحية جوهرية، وكان اتكالها كلياً على تعاميم “الترقيع” التي كان يصدرها حاكم المصرف المركزي للجم الانهيار، والتي كان آخرها قراره ضخ الدولار عبر المصارف للسيطرة على سعر الصرف في السوق السوداء بمتوسط 45 مليون دولار يومياً، فضلاً عن الدور المحوري الذي يلعبه من يتولى حاكمية مصرف لبنان في عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي، لإيجاد صيغة مقبولة لتوزيع الخسائر المالية وإعادة هيكلة الدين العام والقطاع المصرفي“.
وأمام حالة الهريان والانهيار المتمددة على أرضية الدولة، برزت أمس المواقف التي أطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي من روما وبدت أشبه بـ”نداء استغاثة” طلباً لمساعدة لبنان على التحرر من القيود التي تمنع استنهاضه، فشدد الراعي على أنّ الدولة اللبنانية لا توجد فيها “سلطة مركزية تتخذ القرار”، وذلك ما يحول دون تطبيق اتفاق الطائف في الشق المتعلق “على سبيل المثال بحل جميع الميليشيات”، مشيراً في ظلّ الواقع القائم إلى أنّ السلاح هو من يحكم الحياة السياسية اللبنانية راهناً لأنّ “من يملكه هو الذي يقرر“.
وبناءً عليه، ناشد البطريرك الماروني المجتمع الدولي مساعدة لبنان على “استعادة هويته كدولة ديمقراطية لأننا لسوء الحظ فقدنا هويتنا وانفصلنا عن العالم وينظر الجميع إلينا كدولة حرب”، وأضاف: “لبنان مريض ولا بد من علاجه، لذلك نحن بحاجة إلى مؤتمر دولي خاص به تحت مظلة الأمم المتحدة، فهو يجب أن يكون محايداً لأن ذلك من صميم طبيعته، ولا يمكن أن يكون جزءاً من حروب، من مجموعات إرهابية هنا وهناك”، مبدياً أسفه لكون “لبنان اليوم انفصل عن العالم بأسره، فعندما وقع الانفجار في المرفأ ساعدت كل الدول اللبنانيين وليس الحكومة، لأننا غير معترف بنا في أي مكان، وحتى دول الخليج انفصلت عن لبنان“.