ذكرت أوساط كنسية أن أمين سر الفاتيكان للعلاقات مع الدول، المطران بولا غالاغر، تناول في لقاءات كنسية وسياسية عقدها في بيروت، أثناء زيارته لها الشهر الماضي، مسألة حزب الله وعلاقاته المحلية والإقليمية، بطريقة «جديدة» في مسار الوضع اللبناني وعلاقات الفاتيكان مع المجموعات اللبنانية، وتفتح الباب أمام نوع مختلف من الحوار مع الحزب. الموفد الفاتيكاني، وهو بمثابة وزير الخارجية، حرص في لقاء ديبلوماسي حول مهمته، بعد عودته إلى الكرسي الرسولي، على الإشارة إلى دور حزب الله في إعمار لبنان. وقد فوجئت بعض الأوساط اللبنانية بكلامه، فيما اعتبرته أوساط أخرى بمثابة تأكيد لما قيل في بيروت ولم يكن قابلاً للتصديق. فغالاغر عبّر علانية عن جزء مما قاله في لقاءات عقدها في لبنان، ولم يتم تداوله لأسباب عدة.
الأول، أنه كان مفاجئاً لأن البعض لم يصدّق للوهلة الأولى ما قيل ونقل عنه. وقوة الكلام أنه صادر عن رجل الديبلوماسية الفاتيكانية، والمرشح بحسب بعض المتداول فاتيكانياً لأن يصبح كاردينالاً ورئيساً للمجمع الشرقي، أي خلفاً للكاردينال ليوناردو ساندري. والسبب الثاني هو الخشية من تأويل الكلام ووضعه في غير موقعه الحقيقي، إذ إن كل كلام صادر عن الفاتيكان في هذا الصدد، وفي هذه الظروف الدقيقة مسيحياً ولبنانياً وإقليمياً، يمكن أن يفسّر على غير ما هو، ويجري استغلاله سياسياً. السبب الثالث هو القلق من اجتزاء أي طرف سياسي كلام غالاغر واختيار ما يناسب بعض الأفرقاء اللبنانيين مقابل البعض الآخر، وهذا في حدّ ذاته قد يكون تخريباً لكامل الصورة التي أراد غالاغر التشديد عليها.
هذه الأسباب لا تلغي واقع كلام غالاغر وما استتبعه من قراءة وتفنيد ما حدث وقد يحصل بعد الموقف الفاتيكاني.
تحدّث الموفد الفاتيكاني عن أهمية إقامة حوار مع حزب الله في الشأن الداخلي اللبناني و«تصحيح» العلاقة معه كونه يمثل الفريق الشيعي الذي هو جزء أساسي من لبنان واللبنانيين، ما يمكن أن يقرّب العلاقات الداخلية ويريح الأجواء اللبنانية. كما تحدث عن ضرورة «طمأنة» الحزب داخلياً ودولياً، لافتاً إلى أن إسقاطه عن لوائح الإرهاب الدولية والأميركية يمكن أن يساهم في ترطيب الأجواء وتحسين العلاقة معه، وهذا يجعل الحوار معه أسهل، لا سيما في الجانب المتعلق بدور إيران وتأثيرها في لبنان. وميّز غالاغر بين موقع الحزب إقليمياً وبين اتهامه بالإرهاب، وبدا أقرب إلى تبرير دور الحزب خارج لبنان مقارنة مع الولايات المتحدة التي تتدخل في كثير من الدول. ودعا إلى تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء اللبنانيين وحزب الله ما يضمن حواراً داخلياً يساعد على معالجة الأزمة اللبنانية.
في الفقرة 93 من الإرشاد الرسولي من أجل لبنان، وتحت عنوان التضامن مع العالم العربي، ورد «أن الكنيسة الكاثوليكية منفتحة على الحوار والتعاون مع المسلمين في لبنان، وتريد أن تكون منفتحة على الحوار والتعاون مع مسلمي سائر البلدان العربية ولبنان جزء لا يتجزأ منها».
في هذه الفقرة، تشديد على انتماء لبنان العربي، وعلى العلاقة مع المسلمين كافة، وتأكيد على هوية لبنان وأهمية الحوار المسيحي الإسلامي. من هذا المنطلق، يعطى لكلام الموفد الفاتيكاني بعد يتعلّق بحثّ المسيحيين على الحوار مع حزب الله بصفته الممثل للمسلمين الشيعة اللبنانيين في حوار هادف يتعلق – بحسب متفهّمين لهذا الحوار وضرورات طرح الفاتيكان له – بالاستماع إلى الهواجس المشتركة، ولا سيما في ما يتعلق بدور إيران في لبنان، خصوصاً في ضوء التمسّك بعمق لبنان العربي وانتمائه إلى محيطه.
هذا الكلام يمكن أن يثير «نقزة» لدى البعض، من سياسيين ودوائر كنسية، لا سيما أن ثمة ملامح عن حوار قد يكون بدأ أو على أهبة أن يُفتح بين الفاتيكان ودوائر على صلة بحزب الله، علماً أن إشارات أولى على ذلك بدأت تظهر في لبنان مع بعض الدوائر الكنسية.
في المقابل، لا يمكن القفز فوق ما قد تثيره هذه الرسائل الفاتيكانية الواضحة. إذ إن الخشية التي تعبّر عنها أوساط سياسية، وكنسية أيضاً، تكمن في أمرين:
أولاً، كيف يمكن أن يترجم حزب الله هذا الكلام الفاتيكاني، وهل يمكن أن يستفيد منه على خط واحد، أي بوضع ورقة الفاتيكان والحوار في جيبه من دون أن يقابلها بأي خطوات عملانية. والسؤال التتمة: كيف يمكن للحوار مع حزب الله حول إيران أن يترجم حقيقة بعزل تدخلها في لبنان. وهل يمكن حقيقة للحزب أن ينفصل عن إيران؟ وهل مجرد الموقف الفاتيكاني يعكس ضرورة أن يسحب معارضو الحزب خطابهم ضد إيران، وبأي ثمن؟
ثانياً، كيف يمكن أن يتم التعامل مع أي إشارات انفتاحية حول الحزب من دون الأخذ في الاعتبار كافة الأسباب والموجبات اللبنانية المعارضة له. واستطراداً، كيف بنى الفاتيكان خطابه المستجد على الأوساط اللبنانية، ووفق أي معطيات، ومن هو الفريق الذي نقلها إليه، وهل يمكن استبعاد محاولة أي طرف لبناني استغلال الموقف الفاتيكاني في الحسابات الداخلية؟ فموقف الكرسي الرسولي الذي يبدو قريباً من بعض الأجواء في الإدارة الفرنسية، يمكن أن يعطي مفعولاً عكسياً، لا سيما في الواقع المسيحي الماروني. وإذا صحّ أن غالاغر سيكون خليفة ساندري في المجمع الشرقي، فهذا يعني أنه سيكون مسؤولاً عن الكنائس الشرقية، ونظرته إليها كما بدا من زيارته الأخيرة غير المشجّعة على الإطلاق. لكن النظرة الاجتماعية تختلف تماماً عن النظرة السياسية ولا سيما في موضوع يحمل التباسات كثيرة. وهذا الأمر يحتاج إلى كثير من المعاينة، حتى لا يفتح الباب أمام تأويلات ليست في محلها.