كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: على المستوى الاستراتيجي، لا شك في أنّ “حزب الله” حقّق أمس إنجازاً عسكرياً هزّ أركان الدولة العبرية وزعزع قيادتها بجناحيها السياسي والعسكري، بعدما نجح في اقتحام الأجواء الإسرائيلية مستعرضاً تطوّر قدراته الاستطلاعية، مقابل إخفاق “القبة الحديدية” وفشل كل المنظومات الدفاعية الجوية المتطورة في اعتراضها وإسقاطها، فكان لـ”الحزب” ما أراد بأن فجّر صواعق الهواجس الداخلية في إسرائيل ربطاً بما تبيّن من انكشاف العمق الإسرائيلي أمام خطر شنّ هجمات مستقبلية بمسيّرات مفخخة.
وبهذا المعنى، وضع إعلام “حزب الله” عملية تنفيذ المسيّرة “حسّان” مهمة استطلاعية داخل الأجواء الإسرائيلية “لمدة 40 دقيقة على طول 70 كيلومتراً”، قبل أن تعود إلى الأراضي اللبنانية “سالمة”، في إطار تدشين “بداية معادلة جديدة”، لا سيّما وأنّ الردّ الإسرائيلي على العملية ارتدى طابعاً كلاسيكياً تمثّل بإرسال مقاتلتين حربيتين للإغارة على علو منخفض فوق بيروت وضاحيتها الجنوبية. أما على المستوى اللبناني الداخلي، فكانت الدولة على دارج عادتها، الغائب الأكبر عن مسرح الأحداث بعدما جرّدها “حزب الله” من قرار الحرب والسلم ونزع منها كل الصلاحيات الاستراتيجية في تقرير مسار البلد ومصير أبنائه، منذ أن بسط سلطته على أراضيها وحدودها تحت شعار “حيث يجب أن أكون سأكون”، وصولاً إلى أن “فرد جناجيه” بالأمس فارضاً سطوته فوق أجوائها على قاعدة “حيث يجب أن أطير سأطير”!
ولعلّ من حسن حظ اللبنانيين المعدمين الذين نكبتهم السلطة الحاكمة ونهبت جنى أعمارهم وتركتهم على رصيف الجوع والعوز يستعطون لقمة عيش أو حبة دواء تقيهم الجوع والمرض، أنّ الرد الإسرائيلي اقتصر على خرق “جدار الصوت” فوق رؤوسهم ولم يزد من نكباتهم الاقتصادية والاجتماعية والمالية والمعيشية، قصفاً وقتلاً وتدميراً ونزوحاً وتشريداً، علماً أنّ خبراء عسكريين رأوا في عملية توغّل “حسّان” في العمق الإسرائيلي “لعباً بالنار” لن تكون القيادة الإسرائيلية قادرة على “هضم” تداعياته الداخلية الجسيمة عليها، ما قد يدفعها إلى اتخاذ “قرارات وخيارات تصعيدية لاستعادة ثقة الداخل الإٍسرائيلي”، معتبرين في ضوء ذلك أنه “من المبكر القول إنّ التوتر الذي حصل في الأجواء أمس بلغ مداه، لأنّ الجانب الإسرائيلي تحت وطأة عنصر المباغتة، أولى اهتمامه بالتحقيق في أسباب فشل منظومة القبة الحديدية في اعتراض مسيّرة “حزب الله”، لكنّ ذلك لا يحول دون إبقاء باب الاحتمالات مفتوحاً على كافة السيناريوات، خصوصاً وأنّ “حرب المسيّرات” سلكت أمس منعطفات مفصلية قد تدفع بنتيجتها الأوضاع على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية نحو منزلقات ومغامرات عسكرية غير محسوبة العواقب والنتائج في القادم من الأيام”.
أما على الجانب الرسمي من المشهد، وبينما كان “حزب الله” يشنّ طلعته الاستطلاعية في الأجواء الإسرائيلية وكانت إسرائيل تغير على الأجواء اللبنانية، كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يؤكد أمام الأمين العام للأمن المتحدة أنطونيو غوتيريش على أهمية عمل قوات “اليونيفل” في إطار مهمة حفظ الأمن والسلام في جنوب لبنان، وتباحث معه على هامش افتتاح أعمال الدورة الثامنة والخمسين لمؤتمر “ميونيخ للأمن”، في الأوضاع اللبنانية وتطبيقات القرار 1701، فضلاً عن متابعة الملفات التي سبق أن بحثها غوتيريش مع المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته بيروت في كانون الأول الفائت.
ميدانياً، برزت الزيارة التفقدية التي قام بها قائد الجيش العماد جوزيف عون لمقر قيادة لواء المشاة الحادي عشر، حيث أعاد التأكيد أمام الضباط والعسكريين على محورية الدور الذي تقوم به المؤسسة العسكرية في الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي في البلد، منوهاً بضرورة “التضحية والصبر” في مقابل التحديات والأعباء الاقتصادية والمالية والصحية التي يواجهها العسكريون “لأنّ استسلامنا يعني ترك الوطن يقع ضحية الإرهاب والعصابات والميليشيات والمخدرات”.
وفي الغضون، حرص رئيس الجمهورية ميشال عون أمس على التأكيد جازماً بأنّ الانتخابات النيابية ستجرى في موعدها في 15 أيار المقبل، نافياً “ما يشاع عن وجود توجه لتأجيلها”، وذلك إثر توقيعه مرسوم إحالة مشروع قانون فتح اعتماد إضافي استثنائي في الموازنة العامة لصالح موازنة كل من وزارتي الداخلية والخارجية لتغطية نفقات العملية الانتخابية، معرباً عن أمله بإقرار المشروع في مجلس النواب “في أسرع وقت”، علماً أنّ المجلس مدعو إلى عقد جلسة تشريعية بداية الأسبوع المقبل.
وتزامناً، لفتت الانتباه التغريدة التي نشرها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عبر حسابه على “تويتر” أمس لمعايدة عون في مناسبة بلوغ عامه الـ87، سيّما وأنها حملت في مضمونها رسالة وداعية للعهد العوني قائلاً: “بالقصر هيدي آخر سنة، بس بالوطن عمرك ما بيخلص (…) والجبل ما بيشيخ”.