يكتنف الغموض حتى الساعة خريطة التحالفات الانتخابية في دائرة جزين – صيدا (جنوب لبنان) الذي يمكن أن يستمر إلى حين جلاء مصير الاتصالات التي يتولاها «حزب الله» للتوفيق بين حليفيه اللدودين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر» في محاولة لتشكيل لائحة ائتلافية تنطلق من جزين، وتتمدد باتجاه صيدا ليكون في وسع المرشحين الصيداويين أن يبنوا على الشيء مقتضاه، وصولاً لحسم خياراتهم الانتخابية باستثناء رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» النائب الحالي أسامة سعد الذي نأى بنفسه عن التحالف مع المنظومة السياسية، بعد أن افترق عن حليفه الاستراتيجي «حزب الله» من دون أن يبدل في خياره الداعم للمقاومة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر في الثنائي الشيعي، بأن «حزب الله» أخذ على عاتقه الدخول في مغامرة سياسية يتوخى منها التوفيق ولو انتخابياً بين حليفيه «أمل» و«التيار الوطني»، انطلاقاً من تركيبه للائحة ائتلافية قاعدتها جزّين، على أن تلتقي مع لائحة أخرى في صيدا مدعومة من الثنائي الشيعي، ليصار لاحقاً إلى دمجهما في لائحة واحدة مكتملة لملء المقاعد الانتخابية الخمسة الموزعة على جزين، 2 موارنة وكاثوليكي، في مقابل مقعدين للسنة في عاصمة الجنوب.
وكشفت المصادر في الثنائي الشيعي بأن مهمة «حزب الله» للتوفيق بين حليفيه ليست سهلة، وستواجه صعوبة في حال أصر «التيار الوطني» على احتكار التمثيل النيابي في جزين باستبعاد المرشح النائب الحالي إبراهيم عازار المدعوم من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وقالت إن إخلاء الساحة من قبل الأخير لاسترضاء النائب جبران باسيل ليست واردة، وستؤدي إلى وأد وساطة الحزب في مهدها أي ستولد ميتة.
ولفتت إلى أن تسويق وساطة الحزب تقضي بأن يكون النائب عازار الرقم الصعب في اللائحة الائتلافية إلى جانب المرشح الماروني لـ«التيار الوطني»، على أن يتم التفاهم على المرشح الكاثوليكي الذي يشغل المقعد النيابي حالياً النائب سليم الخوري المنتمي إلى تكتل لبنان القوي برئاسة باسيل.
وقالت بأن تمسك الرئيس بري بترشيح عازار الذي يتمتع بحيثية شعبية في جزين سيدفع باتجاه وضع باسيل أمام خيار أحدهما النائب الحالي زياد أسود أو زميله السابق أمل أبو زيد، وإن كانت الأرجحية لمصلحة الأخير لأن لا مشكلة في تسويقه صيداوياً بخلاف أسود الذي لم يترك للصلح مكاناً في الشارع الصيداوي.
ومع أن أسود احتل المرتبة الأولى في الترشيحات الداخلية التي أجراها «التيار الوطني» لاختيار مرشحيه، فإن مجرد التفكير بالتخلي عنه سينعكس سلباً على الوضع الداخلي في التيار، وسيكون له ارتدادات يمكن أن تؤدي إلى تراجع نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع، خصوصا أن استبعاده يمكن تفسيره على أن باسيل استجاب لطلب حليفه بمعاقبته على مواقفه من «حزب الله».
كما أن مجرد التفكير باستبعاد ابن جزين من اللائحة الائتلافية يمكن أن يولد حساسية في الشارع الجزيني على خلفية أنه من غير الجائز حصر تمثيلها بالنائب عازار العضو في كتلة «التنمية والتحرير» برئاسة بري، فيما يتمثل القضاء بماروني آخر أي أبو زيد من بلدة مليخ المختلطة بحضور لافت للشيعة فيها.
لذلك لا يمكن استباق ما ستؤول إليه وساطة «حزب الله» بين حليفيه المتباعدين سياسيا، وتكاد الكيمياء السياسية تكون مفقودة بينهما، ولا يخفف من وطأتها دخولهما في مهادنة إعلامية يتخللها خروقات من حين لآخر من قبل ما يسمى بفريق الصقور بداخل «التيار الوطني».
وعليه فإن الغموض لا يزال يكتنف خريطة التحالفات في جزين مع استعداد الحراك المدني لخوض الانتخابات النيابية من دون أن تنجح الجهود للآن في إقناع المجموعات التي تتحدث باسمه بضرورة توحيد صفوفها لخوضها بلائحة موحدة يمكن أن تلتقي مع الحراك الآخر في صيدا الذي يواجه نفس المشكلة، وهذا ما ينسحب حتماً على الواقع الانتخابي في عاصمة الجنوب.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن حالة من الترقب تحاصر الآن الوضع الانتخابي في صيدا، لأن المرشحين يحبسون أنفاسهم ولا يحركون ساكناً ما عدا النائب سعد الذي حسم خياره، ولم يعد من مجال أمامه ليعيد النظر في موقفه الذي اتخذه عن قناعة وبملء إرادته.
وعزت مصادر صيداوية حالة الترقب التي تخيم على الشارع الانتخابي في صيدا إلى أمرين: الأول يمت بصلة مباشرة لرغبة المرشحين بالتريث إلى حين تظهير الخريطة النهائية للتحالفات في جزين، وإن كانوا يعطون الأولية لجلاء مصير الوساطة التي يقوم بها «حزب الله» لتنقية الأجواء بين حليفيه على الأقل لمرحلة مؤقتة لتقطيع الاستحقاق الانتخابي في ضوء سعيه للاحتفاظ بالأكثرية في البرلمان كما هي الحال الآن.
أما الأمر الثاني فيمت مباشرة إلى قرار المرشحين الصيداويين بعدم حرق المراحل قبل أن تتوضح لهم التوجهات النهائية للناخبين الذين يدورون في فلك الحريرية السياسية أكانوا من محازبي تيار «المستقبل» أو أنصاره بعد أن أعلن زعيمه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عزوفه عن خوض الانتخابات، ما يعني أن النائب بهية الحريري الأقوى صيداوياً، بحسب الرقم الذي سجلته في الانتخابات الأخيرة، اختارت لنفسها الخروج من المنافسة الانتخابية انسجاماً مع الموقف الذي صدر عن ابن أخيها الذي التزم به حتى الآن المنتمون إلى «المستقبل» ولم يلقَ مخالفة من أحد… وهذا ما تأكد بعدم وجود استقالات من التيار احتجاجاً على قرار الحريري.
وفيما ينصرف النائب سعد إلى ترتيب وضعه الانتخابي بالانفتاح على قوى المعارضة في صيدا وحثها على توحيد صفوفها للاتفاق على مرشح يضمه إلى لائحته لينصرف لاحقاً للتواصل مع الهيئات المنضوية تحت لافتة المجتمع المدني في جزين للاتفاق معها على اختيار مرشحيها لخوض الانتخابات على لائحة واحدة، فإن الرئيس السابق لبلدية صيدا عبد الرحمن البزري لم يقرر حتى الساعة الخروج عن صمته الانتخابي، ويربط تحركه في العلن برصد التوجه العام للناخبين المحسوبين على الحريرية السياسية ممثلة بالنائب الحريري.
فالبزري كسواه من المرشحين وتحديداً بالنسبة للطبيبين لبيب أبو ضهر المرشح عن المجتمع المدني وحازم بديع، إضافة إلى مرشح «الجماعة الإسلامية» يحسبون ألف حساب للذين يدورون في فلك الحريرية السياسية للتأكد ما إذا كانت كلمة السر ستعطى لبعضهم من تحت الطاولة تدفعهم للإقبال على صناديق الاقتراع، ما يؤدي إلى حصول مفاجأة صادمة لمن يراهن منذ الآن على أن الفوز سيحالفه إلى جانب سعد الذي نجح في تقديم نفسه على أنه مستفرد، ويخوض معركته ضد الجميع من خصوم وحلفاء سابقين.
كما أن المرشحين الصيداويين لن يحركوا ساكناً قبل أن يتأكدوا ما إذا كانت وساطة «حزب الله» ستفعل فعلها، أم أنها تنتهي من حيث بدأت بعدم وصولها إلى نتائج ملموسة لرأب الصدع الانتخابي بين حليفيه على قاعدة إقناعهما بضرورة التوافق على صيغة تؤدي إلى ربط النزاع بينهما من موقع الاختلاف حول كبرى الملفات السياسية والاقتصادية.
لذلك فإن سعد وإن كان رصيده في الشارع الشيعي في صيدا سيتراجع بسبب إصراره على التفرد في خوضه الانتخابات في مواجهة مع الثنائي الشيعي بعد فشل المفاوضات الماراثونية التي جرت بينه وبين «حزب الله» لإقناعه بصوابية التحالف معه، فهناك من يرجح بأن يعوض خسارته بمزيد من التفاف خصوم الحزب من حوله، ومن بينهم من يؤيد الحريرية السياسية رداً على محاصرته شيعياً.
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن البزري وإن كان يحتفظ لنفسه بخياراته التحالفية، رافضاً الكشف عن أوراقه على الأقل في المدى المنظور ما لم تتبلور التحالفات في جزين وترسو على قرارات نهائية في ضوء تبيان ما ستؤول إليه وساطة «حزب الله»، فإنه يبقى المرشح الأبرز صيداوياً بعد سعد الذي تراهن أوساطه على أنه نجح في تقديم نفسه إلى الصيداويين على أنه «المظلوم» الوحيد المحاصر من قبل المنظومة السياسية بعد أن انقلب عليها من دون أن ينقلب على المقاومة.