عكس تهديد الناشطين الإلكترونيين الذين يدورون في فلك «حزب الله» للأستاذ الجامعي باسل صالح، حجم التضييق الذي يمارسه جمهور الحزب على الناشطين المعارضين له في مناطق نفوذه قبل الاستحقاق الانتخابي.
وعادةً ما تتصاعد التهديدات والمضايقات قبل الاستحقاقات الانتخابية، لكنها في هذا العام تكتسب بُعداً أكثر أهمية، بالنظر إلى أنها تأتي بعد الانتفاضة الشعبية عام 2019 والتي انبثقت عنها مجموعات من المجتمع المدني تعمل بشكل جدي لخوض هذا الاستحقاق، ويعوّل كثيرون على تغيير في نتائج الانتخابات النيابية المقبلة استناداً إلى زخم الحراك الشعبي.
وأعلن الناشط السياسي والأستاذ الجامعي، ابن منطقة كفرشوبا في الجنوب، باسل صالح، عن تلقيه تهديداً من أحد الأشخاص المناصرين للحزب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقال إنه هدّده بالتصفية الجسدية، بعد انتقاده للحزب إثر استباحة الطيران الإسرائيلي للأجواء اللبنانية خلال الأيام الماضية، ووصفه تعليقات ناشطين مؤيدين للحزب الذين تحدثوا عن عدم خوفهم من هذه الطائرات، بـ«المكابرة».
وكتب صالح على حساباته الإلكترونية قائلاً: «ألم يحكمنا نصر الله وحزبه كي يتوقف الطيران الإسرائيلي عن استباحة أجوائنا؟»، مضيفاً: «لا أعرف مصدر مكابرة متلازمة القوة المفرطة وعدم الخوف من الموت، لكن ما أعرفه أن ملامح وجه الميليشياوي الذي أوقفوه في منطقة شويا (في إشارة إلى عنصر الحزب الذي كان يستقل راجمة صواريخ في منطقة شويا في حاصبيا في جنوب لبنان، وأوقفته مجموعة من البلدة بعد إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل في الصيف الماضي) تقوّض كل قوة أمام حقيقة الخوف».
وبعد هذا الكلام أعلن صالح عن تهديده قائلاً: «أحدهم هددني بشكل علني، وحدد مكان عملي في تهديده» في إشارة إلى الجامعة اللبنانية. وقال إن المناصر للحزب «يتحدى القانون والقوى والأجهزة الأمنية. هو يتهم ويخون ويهدد، وهناك جماعة من الجهة الحزبية عينها تصفق له». وأضاف: «جماعة من البشر يعدّون الوطنية، ونظافة الكف، على قياسهم هم فقط، وكل من يقول لا، هو خائن وعميل ويجب الاقتصاص منه».
ويضع صالح «هذا التهديد العلني في يد الأجهزة الأمنية المحلية، والجهات الدولية التي تراقب، عن كثب، كل ما يجري في لبنان»، مضيفاً: «نحن في صراع مباشر مع حكم تحالف الميليشيات والمافيات، نحن تحت رحمة السرقة والاحتيال ومصادرة الحقوق من ناحية، وتحت رحمة كاتم الصوت من ناحية ثانية».
ويتهم صالح «الذباب الإلكتروني الذي يدور في فلك (حزب الله)»، بالوقوف خلف هذه التهديدات، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه يتبع الإجراءات القانونية حيال التهديد الذي تعرض له، لافتاً إلى أنه تقدم بدعوى قضائية. ويشير إلى أن قوى الأمن اتصلت به بعد 48 ساعة من إعلانه عن تعرضه للتهديد وسؤاله عما إذا كان يتعرض لخطر داهم، لكنه يقول إن إدارة الجامعة اللبنانية التي وُضع التهديد في عهدتها أيضاً كونه أستاذاً فيها، «لم تبادر إلى فعل أي شيء، كذلك رابطة الأساتذة المتفرغين».
ويربط صالح هذه التهديدات بالاستحقاق الانتخابي المقبل والحراك الذي يقوم به إلى جانب مجموعة من الناشطين في منطقة الجنوب، ويرى أن ما أزعج «الذباب الإلكتروني» بشكل أساسي هو «انتقاده لصورة المقاتل الذي لا يُقهَر الذي يحاول الحزب رسم صورته منذ 35 عاماً، ووصْف هذا المقاتل بالميليشياوي». وأضاف صالح: «معركة الجنوب هي الأخطر بالنسبة إلى (حزب الله) وهو الذي استطاع ترهيب الانتفاضة الشعبية التي خرجت من بيئته في الأيام الأولى للمظاهرات عام 2019، وبالتالي سيبذل جهده لعدم انعكاس أي حراك سياسي ضدّه على صناديق الاقتراع، وبالتالي سيواجه أي عمل سياسي في الجنوب».
ولا يستبعد صالح أن تتصاعد الحملات ضد معارضي الحزب في الفترة المقبلة مع اقتراب الانتخابات النيابية، «لا سيما مع محاولة المجموعات رصّ صفوفها لخوض المعركة»، مضيفاً أن «الضغوط يمكن أن تتجسد بألف طريقة، ولعل تصفية الناشط والباحث السياسي لقمان سليم خير دليل على ذلك».
وتعيد هذه التهديدات إلى الذاكرة تلك التي استهدفت المعارضين الشيعة في انتخابات عام 2018 وبينهم الصحافي علي الأمين، حيث تم الاعتداء عليه في الجنوب، حيث كان الأمين مرشحاً لمقعد نيابي في المنطقة.
ولا تستبعد الباحثة والأستاذة الجامعية منى فياض، أن يصعّد «حزب الله» تهديده وحملته ضد معارضين عشية الانتخابات، وقد تصل إلى حد الاغتيالات. وتضع فياض هذه التهديدات في خانة الدفاع عن النفس وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «تهديدات (حزب الله) لمعارضيه لا تتوقف وقد تزيد حدّتها مع اقتراب موعد الانتخابات التي لا يعمل فقط (حزب الله) خلالها للحصول على أكبر عدد من المقاعد، إنما لإثبات أن شعبيته لم تتراجع في ظل الاستياء الشعبي الذي بات واضحاً في بيئته في الفترة الأخيرة».
وتضيف: «كل ما يحصل في الفترة الأخيرة من الحديث عن استقدام الغاز الإسرائيلي إلى لبنان وتنازل السلطة اللبنانية عن مساحة في الحدود البحرية وما يُعرف بالخط 29… هذا كلّه بمقاييسهم خيانة موصوفة». وترى أن «كل ذلك بعلم (حزب الله) الذي بات في موقع الدفاع عن النفس بعدما انكشف أمام جمهوره وهو الذي يدّعي المقاومة وتحرير الأراضي المحتلة، وبالتالي سيلجأ إلى التهديد والتخويف»، مضيفة: «بدأنا نسمع بتركيب ملفات عمالة وغيرها بحق البعض كان آخرها لصحافي لبناني بتهمة العمالة، لكتابته مواضيع تنتقد (حزب الله) والثنائي الشيعي (الحزب وحركة أمل)».