لم يكن ينقص لبنان شقاء وتداعيات إضافية على ازماته وانهياراته سوى ان يغزو فلاديمير بوتين أوكرانيا لتشتعل مع هذه الحرب تداعيات اقتصادية بالغة الخطورة على البلدان المأزومة في المنطقة وفي مقدمها لبنان، مهددة إياه كما تنبأ له مسؤولون اميركيون بالجوع. وارخت الانباء المتسارعة عن الغزو الروسي لأوكرانيا ظلالا ثقيلة على المشهد الداخلي في لبنان ولو ان أزمات البلد لا تتسع للإفساح امام ترقب وانتظار ما ستؤول اليه دوليا تداعيات الاجتياح وآثاره. ذلك ان لبنان بدا في قلب الانعكاسات الفورية للحرب على أسعار النفط كما على مخزونات القمح والحبوب، كما على الكثير من وجوه التجارة والاقتصاد العالميين، اذ ان كل هذا يؤثر بسرعة على الواقع اللبناني، ناهيك عن ان الدولة استشعرت ضرورة الاستنفار لمتابعة أوضاع اللبنانيين في أوكرانيا التي تضم خصوصا عددا وافرا من الطلاب اللبنانيين.
واذا كانت جلسة مجلس الوزراء المقررة في الثالثة بعد ظهر اليوم مخصصة أصلا للبحث في خطة الكهرباء فانها ستتناول الخطوات الجارية في شأن متابعة اللبنانيين في أوكرانيا .
وفي اول موقف رسمي من الحرب، أصدرت وزارة الخارجية مساء بيانا دان عبره لبنان اجتياح الأراضي الأوكرانية، داعياً روسيا إلى “وقف العمليات العسكرية فوراً وسحب قواتها منها والعودة إلى منطق الحوار والتفاوض كوسيلة أمثل لحلّ النزاع القائم بما يحفظ سيادة وأمن وهواجس الطرفين ويسهم في تجنيب شعبي البلدين والقارّة الأوروبية والعالم مآسي الحروب ولوعتها”. وقالت الخارجية إنّ الموقف اللبنانيّ جاء “انطلاقاً من تمسّك لبنان بالمبادئ الراسخة والناظمة للشرعية الدولية التي ترعى الأمن والسلم الدوليين، وفي طليعتها مبدأ احترام سيادة الدول ووحدة اراضيها وأمن حدودها، وإيماناً منه بوجوب حلّ النزاعات كافة التي قد تنشأ بين الدول بالوسائل السلمية، أي عبر التفاوض، ومن خلال آليات الوساطة التي يلحظها القانون الدولي الذي ينبغي أن يبقى الملاذ الأوحد للدول تحت مظلّة الأمم المتّحدة”.
كذلك، لفتت الخارجية إلى أنّ لبنان دان الغزو الروسيّ “نظراً لما شهده تاريخه الحديث من اجتياحات عسكرية لأراضيه ألحقت به وبشعبه أفدح الخسائر التي امتدّ أثرها البالغ لسنوات طويلة على استقراره وازدهاره”.
غير ان اللافت في هذا السياق ان أوساط عين التينة أبلغت ليلا ” النهار” تعليقا على هذا البيان انه صدر بعيدا عنها بما فهم منه انه لم يجر التشاور معها او استمزاجها في الموقف الذي صدر.
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون تابع مع وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب أوضاع أبناء الجالية اللبنانية في أوكرانيا والإجراءات الاحترازية الواجب اعتمادها لتأمين سلامتهم وتوفير الحاجات الضرورية لهم. كما إجتمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع وزير الخارجية الذي أطلعه على ما تقوم به الوزارة من مساع بالتزامن مع إندلاع الازمة الروسية- الأوكرانية وتداعياتها على اللبنانيين المقيمين في أوكرانيا.
واعلن بو حبيب تشكيل خلية أزمة مكونة من موظفين ودبلوماسيين في وزارة الخارجية وسفراء لبنان في بولندا وأوكرانيا ورومانيا وروسيا، ووضع خط هاتفي مفتوح لمتابعة التطورات، كما أنشأت الوزارة تطبيقا هاتفيا لتمكين اللبنانيبن المقيمين في أوكرانيا من الدخول اليه وتسجيل أسمائهم لكي يتواصلوا مع السفارة اللبنانية حول إقامتهم أو ذهابهم وإيابهم. واجتمع بوحبيب مع سفراء جوار أوكرانيا ومنهم سفير بولندا وسفير رومانيا الذين أبلغوه أن الطرق البرية ستكون مفتوحة أمام اللبنانيين الذين يرغبون بمغادرة أوكرانيا براً الى رومانيا أو بولندا .
تداعيات مؤذية
اما في التداعيات الاقتصادية فبدا واضحا ان الحرب ستؤثر اولا على أسعار المحروقات وسط توقعات بارتفاع سعر البنزين اليوم إلى حوالى الـ400 ألف ليرة طبقا لاسعار النفط العالمية فضلا عن سعر الدولار في الأسواق اللبنانية.
كما ان الجانب البارز الاخر يتمثل في ان لبنان يستورد أكثر من 80% من حاجته للقمح من أوكرانيا اي أكثر من 600 الف طن من القمح سنويا في حين يستورد 15% من حاجته من روسيا ، كما يستورد لبنان من اوكرانيا الحديد وزيت دوار الشمس وحبوب الذرة والحيوانات الحية وغيرها ضمن واردت تصل قيمتها السنوية الى ما يقارب 450 مليون دولار. واكد امس نقيب المطاحن أحمد حطيط ان الازمة الاوكرانية – الروسية سيكون بالتأكيد لها تداعيات على لبنان بالنسبة لواردات القمح فيما يعاني لبنان أيضا من نقص كبير بالقمح المدعوم. ولفت مدير عام الحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد جرجس برباري الى ان مخزون القمح يكفي لمدة شهر ونصف شهر، وان هناك 4 او5 بواخر في طريقها الى لبنان وبعض المطاحن ترفض تسليم القمح بإنتظار ارتفاع اسعاره العالمية، ولكن المادة لا تزال مدعومة 100% .
“الميغاسنتر”
أما على صعيد المشهد السياسي وفي ظل انتظار بلورة التحالفات الانتخابية التي لا تزال الحركة حيالها تتسم ببطء لافت عاد الى الواجهة موضوع اعتماد مراكز “الميغاسنتر” في العملية الانتخابية بما يثير التساؤلات عن الهدف من تركيز العهد و”التيار الوطني الحر” على اعتماده في الوقت القصير المتبقي عن موعد الانتخابات وطبيعة التداعيات التي ستنشأ في حال اخفاق محاولة اعتماد هذا الاجراء نظرا لقصر المدة المتبقية وتعذر اعتمادها في الانتخابات المقبلة. وفي وقت اعلن وزير الداخلية بسام المولوي من قصر بعبدا انه سيسلم غداً رئاسة مجلس الوزراء دراسة “الميغاسنتر” اعلن أيضا انه تطرق مع الرئيس عون “الى آخر التحضيرات التي نقوم بها لإنجاز العملية الانتخابية بدقّة وسلاسة وشفافية كي يتمكن جميع المواطنين من الوصول الى أقلام الاقتراع سواء في الداخل او الخارج”. وفي وقت متزامن غرّد رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل عبر “تويتر” قائلا: “الميغاسنتر هو مركز اقتراع للساكنين بعيدا من مناطقهم. الحكومة أنشأت 219 مركزا في 59 دولة في العالم وما في أي عذر ما تعمل 7 مراكز بلبنان وإلا عم تحرم الناس من الاقتراع بسبب البعد وكلفة الانتقال، عم تشجع المال السياسي وعم تخفض نسبة المشاركة. الوقت كافي، الكلفة بسيطة والانتخاب اسهل. ما رح نقبل”.
تحدي شينكر
في سياق متصل عاد ملف ترسيم الحدود البحرية الى الواجهة من باب اتهام متجدد للعهد والنائب جبران باسيل بالسعي الى مقايضة التنازل في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية برفع العقوبات الأميركية عن باسيل. الجديد في هذا الاطار ما كشفه مساعد وزير الخارجية الاميركي السابق دافيد شينكر في مقابلة عبر فيديو مصورعبر موقع “هنا بيروت” عن “عرض قدمه بعض أعضاء الحكومة اللبنانية كصفقة لرفع العقوبات عن النائب جبران باسيل. ويتضمن العرض موافقة لبنان على الخط 23 كحد اقصى لحدود لبنان البحرية مع إسرائيل وهو ما تطلبه إسرائيل خلال عملية ترسيم الحدود”. ولوحظ ان أي رد على شينكر لم يصدر من المعنيين.