جهدت الحكومة والعهد معاً في اليومين الأخيرين في لملمة واحتواء العاصفة التي اثارها بيان وزارة الخارجية قبل أيام متضمنا ادانة صارمة للغزو الروسي لأوكرانيا بعدما كادت تداعيات هذه العاصفة تهدد بالتضحية بأقرب الوزراء وأكثرهم التصاقاً بالعهد. ذلك انه على رغم استمرار توجيه “حزب الله” خصوصا عبر بعض نوابه ووزرائه ومسؤوليه الانتقادات الى بيان الخارجية، فان معالم احتواء الضجة برزت أولا في إعادة تركيز الأنظار من جانب رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية كما من رئاسة الجمهورية على عملية اخراج اللبنانيين العالقين في أوكرانيا ولاسيما منهم مئات الطلاب كأولوية ملحة راهنا تستوجب تركيز الجهود عليها لإتمامها وإعادة اللبنانيين الى لبنان او بلدان أخرى يقصدونها. ثم ان خلفية واضحة برزت في محاولة تبريد واحتواء هذه العاصفة تمثلت في تجنب “التضحية” بوزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب الذي حمى”بصدره” جهات معروفة وقبل ان ترمى عليه تبعات بيان كان نال استحسان الدول الغربية كما الجهات السيادية الداخلية، ولكنه سرعان ما كشف التباسات مريبة لدى تنصل العهد ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل منه، فيما لم يجد من يدافع عنه حتى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ولم يذهب بو حبيب نفسه بعيدا في الدفاع عنه. ومع ذلك بدا واضحا ان توافقا ضمنيا حصل بين “مكونات” الحكومة ومع العهد طبعا على تجنب خضّة ما كان ليشكل “صدمة الوزير الثالث” لو تطورت الأمور نحو استقالة محتملة للوزير بو حبيب وذلك بعد تجربتي استقالة وزير الخارجية السابق شربل وهبة في حكومة الرئيس حسان دياب بسبب “تعنته” المقذع للخليجيين في مقابلة تلفزيونية أودت بمنصبه، ومن ثم واقعة وزير الاعلام السابق في الحكومة الحالية جورج قرداحي الذي استقال عقب ضجة مقابلة تلفزيونية أيضا اعتبرت مساً بالعلاقات اللبنانية الخليجية. ومع ان واقعة البيان الصادر عن وزارة الخارجية حول الحرب الروسية على أوكرانيا تختلف بمضمونها وظروفها عن التجربتين السابقتين، فان تمادي الضغط السياسي في ظل تنصل الجهات التي يحسب عليها الوزير بو حبيب بلغت مرحلة كادت تهدد بمشكلة حقيقية ويبدو انه جرى نزع فتيلها.
وفي ظل هذه المعطيات أعلن الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير في بيان، أنه تم الإتفاق مع السلطات البولندية، وبالتنسيق مع السفارة اللبنانية في بولندا، لإعتماد مركز جمعية الصداقة مع الأطفال في العاصمة البولندية وارسو، لتجمع وإيواء اللبنانيين الوافدين من أوكرانيا، تمهيدا لإجلائهم والعودة الى لبنان، في إطار متابعة أوضاع اللبنانيين في اوكرانيا. وكان رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، بعد إجتماعه مع وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب السبت كلف الهيئة العليا للإغاثة القيام بالتحضيرات اللازمة لإجلاء الرعايا اللبنانيين.
ومساء امس أفيد رسميا انه في إطار متابعته لأوضاع اللبنانيين في أوكرانيا، وبعد ورود أنباء عن محاصرة بعض المواطنين اللبنانيين في مدينة ماريبول الأوكرانية، كلّف وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، فريق عمل الوزارة التنسيق مع كل من الصليب الأحمر اللبناني والصليب الأحمر الدولي الموجود في أوكرانيا بهدف تسهيل عملية إخراج اللبنانيين إلى بولندا ورومانيا وايوائهم وذلك بدعم من أحد رجال الاعمال اللبنانيين المغتربين، على أن يتم نقلهم لاحقاً إلى لبنان.
وكان الرئيس ميقاتي تجنب في الكلمة التي القاها السبت في احتفال تكريم الفائزين بالجائزة العربية لافضل أطروحة دكتوراه في العلوم القانونية والقضائية في العالم العربي التطرق الى الضجة التي اثارها بيان الخارجية رغم تلميحات ضمنية اشارت الى دور لميقاتي في اصدار ذاك البيان. واعلن في حضور الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد أبو الغيط والأمين العام المساعد حسام زكي ” أن لبنان الذي كان وسيبقى جزءا من العالم العربي،يعيش ازمة غير مسبوقة على كل المستويات، وتحاول حكومتنا حلّها بكل الامكانات المتاحة متكلة على دعم اشقائه العرب واصدقائه في العالم، ومن غير الانصاف تحميل وطننا ما لا طاقة عليه، ونحن ننتظر من أشقائنا العرب أن يتفهّموا واقعنا جيداً، وأن يقفوا إلى جانبنا لتجنيب لبنان الأخطار ولمساعدتنا على تحمّل الأعباء التي فاقت قدراتنا” . وشدد على ” اننا أدركنا منذ البداية أننا غير قادرين على الوقوف في خندق هنا أو على خط تماس هناك. فاعتمدنا سياسة النأي بالنفس تجاه اي خلاف عربي، ونصر على تطبيقها ، والخاسر في كل خلاف او نزاع هو عالمنا العربي الذي لطالما كان ينشد الوحدة، فإذا ببعضه يتقوقع إلى كيانات داخل كل كيان”.
وفي موقف جديد لافت له من الحرب اتسم بالتضامن مع أوكرانيا كتب امس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر “تويتر”: “في هذه العاصفة التي تضرب الشعب الأوكراني الذي يدفع ثمن صراعات المحاور الكبرى، الاوروبية والعالمية، أقترح وقفة تضامن من الطلاب العرب هناك وهنا الى جانب الشعب الاوكراني. إن أوكرانيا حضنت أجيالاً من خريجي لبنان والعالم العربي. لا للحرب”.
وسط هذه الاجراء وفيما اعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد أبو الغيط في حديثه الى “النهار العربي” السبت انه سيقوم بزيارة أخرى رسمية لبيروت لاجراء لقاءات مع الرؤساء ومسؤولين سياسيين أكد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، “دعم الجامعة للمبادرة الكويتية لحل الأزمة بين لبنان ودول الخليج العربي، والتي طرحها وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح في كانون الثاني الماضي وتلقت الكويت الرد عليها من الجانب اللبناني” . وأمل في تصريح “لوكالة أنباء الشرق الأوسط” المصرية في لبنان، أن “تتحسن الأمور وتتجه إلى الأفضل، والجامعة العربية تتفهم منطلقات المبادرة الكويتية وتواصلت مع الجانب الكويتي والجانب اللبناني سعيا لتجاوز الخلاف وحشد الصف العربي لدعم لبنان الذي يعد ركنا أساسيا في منظومة العمل العربي المشترك”. وأوضح أن “جامعة الدول العربية تتابع بشكل مستمر تطورات الأوضاع في لبنان”، مشيرا إلى “حرص لبنان على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المرتقب في أيارالمقبل”. وأشار إلى أن “الجامعة العربية مستعدة للمشاركة بمراقبين في الانتخابات المقبلة من خلال فريق مدرب ولديه خبرة طويلة”، وشدد على “الدعم المستمر من الجامعة للبنان في الخطوات التي تقودها إلى الاستقرار والعمل لمصلحة الشعب اللبناني”.