اتخذت الاتصالات الأميركية – اللبنانية في الساعات الأخيرة دلالات لافتة في ظل ارتفاع وتيرة التواصل بين واشنطن والعهد والحكومة من جهة، والحصيلة العلنية لزيارة الوفد الرفيع لوزارة الخزانة الأميركية لبيروت من جهة أخرى، الامر الذي عكس احتلال الوضع اللبناني جانبا من الاهتمامات الأميركية سواء في ما يتصل بحشد مواقف الدول ضد الحرب الروسية على أوكرانيا او على صعيد ملفات ثنائية ابرزها ترسيم الحدود البحرية والملف المالي والمصرفي. ولعل ما جعل التواصل الأميركي اللبناني يتخذ هذا “التوهج” المفاجئ ان النتيجة الفورية له تمثلت بتصويت لبنان الى جانب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بإدانة العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا. كما بدا هذا التطور بمثابة رد مباشر على محاولات “حزب الله” الأخيرة فرملة اندفاع رئاسة الجمهورية الى تسهيل مفاوضات الترسيم البحري غير المباشرة مع إسرائيل عبر الوسيط الأميركي اموس هوكشتاين اذ لم تكن مصادفة ان يدافع امس رئيس الجمهورية ميشال عون عن صلاحياته في تولي التفاوض، في حين اعلن لاحقا عن تلقيه اتصالا من مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، وسط زحمة الملفات اللبنانية والدولية ذات الاهتمام المشترك بين لبنان والولايات المتحدة كما مع ارتفاع سخونة الاستعدادات للانتخابات النيابية.
ولعلّ المفارقة ان السخونة اللافتة التي رفعت وتيرة الاتصالات اللبنانية الأميركية جاءت قبيل ساعات فقط من افتتاح الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله معركة حزبه ترشيحا وتحالفات عبر مقابلته التلفزيونية مساء امس.
وبعدما وصلت إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت فجر امس الدفعة الاولى من اللبنانيين المقيمين في أوكرانيا عقد رئيس الجمهورية ميشال عون بعد ظهر امس اجتماعاً في قصر بعبدا مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، خصص لدرس موقف لبنان من التطورات العسكرية الدائرة بين روسيا واوكرانيا. وبعد الاجتماع، ادلى الوزير بو حبيب ببيان لفت فيه الى انه في ضوء الدعوة الموجهة الى الجمعية العامة للامم المتحدة مساء امس بتوقيت بيروت للبحث في الازمة الناشئة بين روسيا وأوكرانيا “وانطلاقاً من قناعة راسخة لدى لبنان بأن الحوار يبقى الخيار الوحيد المتاح لحل النزاعات بين الدول استناداً الى المواثيق الدولية وشرعة حقوق الانسان، الامر الذي يتيح الاخذ بهواجس طرفي النزاع وسيادتهما وامنهما، فإن لبنان يطالب الجمعية العامة للامم المتحدة بالعمل على تعزيز فرص التفاوض بين الجانبين الروسي والاوكراني للتوصل الى حل سلمي للنزاع بينهما يعيد الامن والاستقرار. وفي ضوء ما تقدم، يبقى لبنان منسجماً مع موقفه المعلن يوم الخميس في 24 شباط الماضي.”
وكشفت بعبدا ان الرئيس عون تلقى اتصالاً هاتفياً من مساعدة وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية فكتوريا نولاند، “تم خلاله عرض العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها في المجالات كافة، لا سيما في ما خص التعاون بين البلدين. وتناول البحث ايضاً المراحل التي قطعها التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ونتائج زيارة وفد الخزانة الاميركية الى بيروت اضافة الى تطورات ملف ترسيم الحدود الجنوبية البحرية، وعملية استجرار النفط والطاقة الكهربائية من مصر والاردن عبر سوريا، والتحضيرات الجارية للانتخابات النيابية اللبنانية، فضلاً عن التطورات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا” . وتزامن ذلك مع استقبال عون السفيرة الأميركية دوروثي شيا، وعرض معها العلاقات اللبنانية – الأميركية والتطورات الدولية الأخيرة وتداعيات الحرب الروسية – الاوكرانية، إضافة الى المراحل التي قطعها ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
وعلم لاحقا ان السفيرة الاميركية حملت رسالة خطية من الوسيط اموس هوكشتاين وسلمت نسخة عنها لكل من الرئيس ميشال عون وللرئيس نبيه بري ولرئيس الحكومة نجيب ميقاتي . وأوضحت مصادر ديبلوماسية ان الرسالة تضمنت عرضاً خطياً للطرح الذي كان قدمه شفهياً هوكشتاين في ما يتعلق بالترسيم البحري على الحدود الجنوبية مع اجابات على ايضاحات كان طلبها رئيس الجمهورية من الموفد الاميركي. كما تضمنت الرسالة رسماً بيانياً للخط الذي اقترحه هوكشتاين ولحقل قانا.، وهو الخط المرتكز على الخط 23 مع تضمنه حقل قانا .ورجحت المصادر ان يتم درس العرض الاميركي الخطي والاجابة عليه بوجهة نظر لبنانية رسمية.
الخزانة الأميركية
وفي غضون ذلك اختتم وفد وزارة الخزانة الأميركية زيارته لبيروت التي استمرت ثلاثة أيام وأصدرت الوزارة بيانا حولها اشارت فيه الى ان الوفد “التقى بأعضاء في الحكومة اللبنانية والمجتمع المدني والقطاع المصرفي لتأكيد التزام الحكومة الأميركية بالوقوف إلى جانب اللبنانيين خلال هذا الوقت من الاضطراب الاقتصادي. وشجع الوفد عمل الحكومة اللبنانية لتطوير برنامج محتمل يدعمه صندوق النقد الدولي، وأشار إلى أن مثل هذا البرنامج يمكن أن يساعد في استعادة الثقة التي تشتد الحاجة إليها في النظام الاقتصادي. وأثار الوفد الطبيعة المعوقة للفساد المنهجي وحدد المجالات المحددة الحاسمة لمعالجة نقص الشفافية والمساءلة في اجتماعاته مع القطاعين العام والخاص، مؤكداً أن معالجة الفساد في لبنان شرط مسبق لمعالجة الحكم والأزمة الاقتصادية. كما حث الوفد المسؤولين الحكوميين والمصارف على ضمان أن أي خطة للتعافي المالي تزيد عوائد المودعين اللبنانيين إلى أقصى حد، لا سيما أصحاب الحسابات الأصغر نسبيًا، مع التأكيد على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة نحو تحسين النظام المالي. وشدد الوفد على ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ إصلاحات عميقة وذات مغزى قبل الانتخابات. وسلط الوفد الضوء على مؤسسة “القرض الحسن” التي صنفتها الولايات المتحدة كمثال على مؤسسة مالية زائفة غير منظمة تنتهك ترخيص منظمة غير حكومية ممنوحة من وزارة الداخلية وتوفر غطاءً للنشاط المالي لحزب الله، مما يعرض صدقية النظام المالي اللبناني للخطر. كما أثار الوفد مخاوف بشأن الانتهاكات داخل النظام المصرفي من قبل أعضاء النخبة السياسية والاقتصادية. وشددوا على ضرورة بذل جهود جادة للتحقيق في تلك الانتهاكات، لا سيما من قبل مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة”.
مرشحو “حزب الله ”
على الصعيد الانتخابي قدم رئيس مجلس النواب نبيه بري طلب ترشيحه الى الانتخابات النيابية في 15 أيار المقبل عن دائرة الجنوب الثانية، ليرتفع بذلك عدد المرشحين رسميا في وزارة الداخلية الى 75 مرشحا.
والقى الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله كلمة متلفزة مساء خصصها لموضوع الانتخابات فأبدى “عدم اعتقاده بأن هناك شيئًا يؤدي الى تطيير أو تأجيل الانتخابات وبحسب منطق الأمور البلد ذاهب الى الانتخابات في موعدها الا اذا حدثت تطورات كبيرة حالت دون ذلك، ونحن شكلنا ماكينات إنتخابية في الأماكن التي يوجد والتي لا يوجد فيها مرشحون لحزب الله، وبعض ما تسمعونه وما يتم تداوله على وسائل التواصل الإجتماعي بأغلبه غير صحيح وأحيانا غير دقيق”.
واكد ان الشعار الإنتخابي للحزب هو”باقون نحمي ونبني”، وقال أنه “من الواضح أننا في بعض الدوائر سنكون في لوائح واحدة موحدة، وفي بعض الدوائر ندرس أن نكون بلائحتين نتفاهم حولهما، وقد تقتضي المرحلة الإنتخابية ذلك، ولائحتين لا يعني الخصومة أو الخلاف بل التقييم المشترك على قاعدة المصلحة الإنتخابية”.
وتابع “تُقدم صورة وكأن حزب الله يتداول كل الماكينات الإنتخابية له ولحلفائه في لبنان، وهذا غير صحيح، في الدوائر التي لنا فيها مرشحون، من الطبيعي أن نتواصل مع الحلفاء والأصدقاء، أما في الدوائر التي ليس لنا فيها مرشحون، أصدقاؤنا وحلفاؤنا هم من يختارون مرشحيهم، الا إذا احتاجو مساعدة معينة ونطرحها وقد نتوفق أو لا نتوفق”. ثم أعلن مرشحي الحزب في الدوائر وهم : محمد رعد في دائرة الجنوب الثالثة عن قضاء النبطية وحسن فضل الله عن بنت جبيل وعلي فياض عن مرجعيون، وحسن عز الدين وحسين جشي عن صور وامين شري عن بيروت الثانية ورامي ابو حمدان عن زحلة وحسين الحاج حسن وابرهيم الموسوي وإيهاب حمادة وعلي المقداد عن بعلبك الهرمل وعلي عمار عن بعبدا ورائد برو عن جبيل .