على وقع التحولات العسكرية من «البوابة» الاوكرانية، وفيما تشهد العلاقات الاميركية الخليجية توترا غير مسبوق على خلفية الموقف من روسيا، مع اعلان ولي العهد الامير محمد بن سلمان بانه غير «مهتم» بموقف الرئيس الاميركي جو بايدن منه، يواكب لبنان الرسمي التحولات الكبرى في العالم والمنطقة «بالتذاكي»، فمع استمرار السقوط في الهاوية اقتصاديا بغياب اي خطة تعاف قابلة للحياة، ووسط مخاوف جدية من انزلاقات امنية وعسكرية غير محسوبة في المنطقة لن يكون لبنان بمناى عنها، على وقع استمرار الحرب المفتوحة على كافة الاحتمالات في اوكرانيا، تلقى المسؤولين اللبنانيين تحذيرات جدية للغاية من اكثر من دولة مهتمة بالاستقرار الداخلي، للتعامل بجدية ومسؤولية مع التطورات والاحداث لان «الدعسات الناقصة» ستكون نتائجها غاية في الخطورة في وقت يعاد فيها رسم الخرائط في المنطقة والعالم، وهو موقف علمت «الديار» ان موفد رئيس الجمهورية الى موسكو امل ابوزيد سيتبلغه على نحو «صارم» من المسؤولين الروس الذين يرون ان المعركة التي تخاض ضدهم اليوم هي مسألة «حياة او موت» ولا تحتمل «انصاف الحلول» مع الاخذ بعين الاعتبار ان المسؤولين الروس يعتقدون بان الموقف اللبناني الرسمي «لا يقدم او يؤخر» في البعد الاستراتيجي الذي يتم نسجه مع المحور الذي يضم ايران وسوريا وضمنا حزب الله، فضلا عن «التفاهمات» المشجعة مع دول الخليج الرئيسية التي استطاعت ان تاخذ مسافة مقبولة جدا عن السياسة الاميركية وتتعاون مع موسكو تحت «سقف» المصالح المشتركة ما يطرح اكثر من علامة استفهام حيال كيفية تقدير الجانب اللبناني للمصلحة الوطنية حيث كان بالامكان تجنب اللهجة العدائية تجاه موسكو وتبني «حياد بناء» في الازمة؟
ضغط اميركي لانجاز الترسيم؟
في هذا الوقت، تحاول واشنطن استغلال التوتر من خلال الضغط على لبنان لاستعجال حسم موقفه في ملف «الترسيم» البحري مع اسرائيل، وفي هذا السياق، تحركت السفيرة الاميركية دوروثي شيا على الخط مجددا وابلغت كلا من رئيس الجمهورية، ومجلس النواب، والحكومة، «رسالة» من «الوسيط» عاموس هوكشتاين، تفيد بانه توصل مع الاسرائيليين الى تفاهم مبدئي حول خط متعرج يضع «حقل قانا» من حصة لبنان، دون تقديم ايضاحات وافية حول ماهية «التعرج» لكنها طالبت باجماع سياسي على الفكرة وطالبت بموقف صريح اما برفضه، او قبوله، او تعديله، كما طالبت بتوضيحات عملية حول ملاحظات رئيس الجمهورية ميشال عون التي سبق وابلغها لهوكشتاين، وطالبت باعدادها قبيل عودة المبعوث الاميركي الى بيروت، علما انه يربط زيارته الى بيروت بنضوج الموقف اللبناني، فيما عادت سيا والمحت الى ربط انتهاء ملف الترسيم باستجرار الكهرباء والغاز من الاردن ومصر!
مناورة خاسرة!
في المقابل، ووفقا للمعلومات، يسعى الجانب اللبناني «للمناورة» وبعد تثبيت الخط 23 واحلاله مكان الخط 29 للحصول على اتفاق يتضمن اتفاقا على خط 23 معدلا، بحيث يمكن التسويق والترويج بتحقيق انجاز في عملية التفاوض، علما ان اي انجاز تحت خط الـ 29 يعتبر خسارة محققة !
«اللعب على الحبلين»
وفي الملف الاوكراني، يجد المسؤولون اللبنانيون المجال واسعا «للتذاكي» واللعب على الحبال، ففي محاولة شرح خلفيات الموقف اللبناني، تروج الخارجية التي تنسق مواقفها مع بعبدا، ان لبنان لا يريد سابقة تاييده «لغزو» بلد لآخر كون لبنان معرضا دوما للاعتداءات الاسرائيلية، فان النظرية الجديدة التي يجري تسويقها بين المقرات الثلاثة المسؤولة عن الموقف اللبناني، بعبدا، السراي الحكومي، والخارجية، تقوم على الاقرار بوجوب الاستفادة من واقع وجود حزب الله كقوة اقليمية قادرة على نسج تحالف عميق مع الروس في المدى المتوسط والطويل «برعاية» ايرانية نتيجة تقاطع المصالح بين الدولتين حيث يجمعهما العداء للغرب، وبالتالي فان الحفاظ على هذا التحالف وتمتينه في المستقبل سينعكس ايجابا على لبنان لانه لا يمكن استثناء الحزب من مفاعيل هذا الاطار الاستراتيجي، ولذلك لا ضير راهنا بان يكون الموقف الرسمي متماهيا مع المطالب الاميركية بما ان لبنان دولة «مفلسة» ويحتاج للمعسكر الغربي لمده «بالاوكسيجين» بما ان التوجه شرقا بات خيارا صعبا مع دخول الحصار الاقتصادي الغربي لموسكو حيز التنفيذ، ولهذا فان «اللعب» على «الحبلين» يفيد ولا يضر في هذه المرحلة البالغة الخطورة، ويدعي وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب في هذا السياق، ان هذه الاستراتيجية وان كانت لا ترضي حزب الله ولكنها لا «تغضبه» بما ان القرار الاستراتيجي في نهاية الامر عنده عندما يتطلب الامر تسييل المواقف، والا لو كان الامر عكس ذلك «لعلق» مشاركته في الحكومة؟!
«سذاجة استراتيجية»
وفي هذا السياق، ترى اوساط وزارية بارزة في هذه الاستراتيجية، تعبيرا عن مدى «سذاجة» «طباخيها»، لان لبنان لن يكسب الغرب الذي سيبقي على شروطه «الانقاذية» للبنان ارتباطا حصريا بطبيعة العلاقة مع حزب الله، وفي المقابل سيخسر لبنان الرسمي «ماء وجهه» مع الجانب الروسي الذي لم يعد مجرد رقم عادي في المعادلة الدولية، خصوصا ان البعض يتجاهل ان روسيا موجودة على الحدود اللبنانية الشرقية، والاستخفاف في مقاربة العلاقات معها سيؤدي الى نتائج سلبية على لبنان بينما لن يؤثر الموقف اللبناني في الاستراتيجية الروسية، ولهذا تعاملت موسكو ببرودة مع الموقف الانتهازي اللبناني «غير المؤثر»، لكن الامر المقلق يبقى انكشاف الساحة اللبنانية امام استحقاقات داهمة في غياب «عقل» استراتيجي يسعى لتحقيق المصالح الوطنية.
عون يرفض «التراجع»
وفي السياق نفسه، لفتت اوساط مطلعة على موقف الرئاسة الاولى ان الرئيس عون رفض كل المراجعات حيال ضرورة عدم المضي قدما في التصعيد ضد موسكو، متسلحا برد الفعل الروسي الذي اعتبره «متفهما» للموقف اللبناني، ومع توجه مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية امل ابوزيد الى موسكو، لنقل رسالة شفهية من عون للمسؤولين الروس، فلا جديد في ماهية الموقف بعد الاجتماع «الثلاثي» في بعبدا، لكن الموفد الرئاسي لم يعد في مهمة لنفي مسؤولية الرئيس عن بيان الخارجية، خصوصا ان رئيس الجمهورية تعمد بعد لقائه ميقاتي وبوحبيب تمرير»رسالة» واضحة انه كان خلف البيان الاخير، هو لن يتراجع عنه، وقد تم تثبيته رسميا بالتصويت ضد روسيا والى جانب الدول الغربية في الجمعية العامة للامم المتحدة.
ترحيب اروروبي «لفظي»
وفي سياق الثناء الاوروبي «اللفظي»على موقف لبنان، والذي بقي كلاما «معسولا» دون اي تغيير في السياسات، التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سفيرة فرنسا آن غريو واجرى معها جولة افق تناولت مواضيع الساعة، وعلم انها اشادت بموقف لبنان من الحرب في اوكرانيا وكذلك بموقفه في التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة . من جهته عقد وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب اجتماعا مشتركا مع سفراء دول فنلندا تارجا فرنانديز، الدانمارك ميريت جول، السويد آن ديسمور والنروج مارتن إيترفيك، الذين شكروا للبنان موقفه تجاه الازمة الاوكرانية- الروسية، كما تم البحث في إمكان تقديمهم للمساعدة لإعادة اللبنانيين من أوكرانيا.
«تذاكي» لبناني وقلق اسرائيلي
وفي مقارنة بسيطة عن كيفية مقاربة الحرب الاوكرانية في اسرائيل، يمكن اكتشاف مدى الاستخفاف اللبناني في مقاربة هذا الملف، فمنذ نشوب الحرب في أوكرانيا وإسرائيل تسير «برقة» في سوريا على ألا تثير غضب الدب الروسي، حسب تعبير صحيفة «يديعوت احرنوت» التي قالت انه» صحيح أن إسرائيل لم تتخل عن الهجوم على أهداف إيرانية في سوريا، ولكنها تأخذ هذه الأيام هوامش أمنية أوسع وكل هدف يفحص بأكثر من «7 عيون»، قبل اتخاذ قرار بالهجوم. فحساسية الروس وتأهبهم العسكري عاليان في هذا الوقت، ومدى تسامحهم لما قد يعتبرونه عرقلة إسرائيلية أو مساً بالمصلحة الروسية أقل وضوحاً.
«الانقلاب» الروسي؟
ولفتت الصحيفة الى ان السلوك الروسي حيال اسرائيل في سوريا لم يتغير، لكن قد ينقلب هذا في لحظة واحدة. فقد وقف الإيرانيون إلى جانب الروس في الحرب في أوكرانيا، وسيطلبون من الروس الثمن. وستبدأ إسرائيل بتلقي القيود بهذا الشكل أو ذاك. أما في المدى البعيد، فيرى الإيرانيون في التعاون الاقتصادي مع روسيا، ولا سيما في مجال المشتريات العسكرية، اختراقاً للطريق يتجاوز العقوبات. هكذا فإن روسيا وإيران الدولتين «المنبوذتين»، بحسب تعبير «يديعوت» ستدعم إحداهما الأخرى، وستتعاونان عسكرياً واقتصادياً، بينما في الخلفية اتفاق اقتصادي لثلاثين سنة بين إيران والصين. فاين لبنان من هذه «المعادلات»؟
خطر اندلاع «الحريق»؟
هذا القلق الاسرائيلي من الخطر الاستراتيجي للحرب الاوكرانية، دفع مصادر دبلوماسية الى التحذير من محاولة اسرائيل «الاستثمار»في التهاء العالم بالحرب الاوكرانية لمحاولة فرض وقائع على الارض على الجبهتين الشمالية والجنوبية، وسط قلق اقليمي، ومصاعب داخلية تهدد بانهيار الحكومة، وسط تسريبات استخباراتية تركية تفيد بان اسرائيل مستعدة اكثر من اي يوم مضى، للمجازفة بتوجيه ضربات لايران او حزب الله وكذلك غزة.
تنسيق ايراني – سوري
ووفقا للمعلومات، فان هذه المخاطر كانت مدار بحث بين رئيس مجلس الامن القومي الايراني علي شمخاني ورئيس الاستخبارات الوطنية السورية علي المملوك الذي تبلغ من المسؤول الايراني ان بلاده ابلغت الغربيين عبر الاتراك ان الرد من طهران سيكون كبيرا جدا على اسرائيل اذا ما تجرأت على فرض وقائع جديدة للاشتباك في المنطقة، وفهم ان الجبهة السورية لن تكون بمناى عن اي مواجهة مفترضة.
القمح: لا داعي للهلع؟
في هذ الوقت، ووسط المخاوف من شحّ مادة القمح وحصول نقص في بعض المواد الغذائية كالزيوت والسكر وغيرها، دعا وزير الاقتصاد والتجارة، أمين سلام، المواطنين إلى عدم الهلع، مجدّداً التأكيد أنّ مخزون القمح يكفي لمدة شهر ونصف شهر وأنّ الوزارة تتواصل مع دول عدة بما فيها الولايات المتحدة التي أبدت الاستعداد للمساعدة. ووفقا لمصادر مطلعة، يسعى الوزير للحصول على هبة من القمح من واشنطن لان ثمة صعوبة في تامين الدولارات المطلوبة من مصرف لبنان لتامين «طلبيات» كبيرة من القمح، وسيكون الامر مدار نقاش اليوم مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع العلم ان مجلس الوزراء وافق الأسبوع الماضي على «منح مديرية الحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد موافقة لشراء 50 ألف طن من القمح من الخارج لتأمين احتياط لمدة شهر إضافي عن الاحتياط الموجود.
«نار» المحروقات
وربطا بتداعيات الحرب الاوكرانية، سجلت اسعار المحروقات قفزة كبيرة مع ارتفاع سعر صفيحة البنزين 95 و98 أوكتان 28000 ليرة، فيما ارتفع سعر المازوت 41000 ليرة وسعر الغاز 15000 ليرة. واكد عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس ان «انعكاس ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، وتخطّي سعر برميل النفط الـ 116 دولاراً أميركيًّا، أدّى إلى ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان في ظل ثبات واستقرار في سعري صرف الدولار». من جهته، اكد رئيس تجمّع الشركات المستوردة للنفط مارون شماس، «أن أحداً لا يمكن أن يتوقّع إلى أي مستوى يمكن أن تصل أسعار المحروقات فهي قد تتراجع أو ترتفع».
«تحالف الضرورة» لم يكتمل
انتخابيا، وبعد ساعات على اعلان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن مرشحي الحزب في الدوائر كافة، اطلق نائبه الشيخ نعيم قاسم الماكينات الانتخابية التي يبلغ عدد افرادها في كافة المناطق 5000 شخص، وفي انتظار اعلان حركة امل، والتيار الوطني الحر عن مرشحيهما، تسير على قدم وساق محاولة اقناع الطرفين بضرورة الالتزام بـ «تحالف الضرورة» في غالبية الدوائر المشتركة، وفيما بات الاتفاق منجزا على التعاون في دائرة بعبدا – المتن الجنوبي، وبيروت، تتجه الامور الى فراق في البقاع الغربي – راشيا وجزين – صيدا بعد ان اصطدمت مساعي حزب الله بشروط «تعجيزية» من قبل الطرفين.
سقوط «الميغاسنتر»؟
في هذا الوقت، حصلت اتصالات سياسية رفيعة المستوى قبيل جلسة الحكومة اليوم، لعدم «تفجير» الحكومة اليوم على خلفية اصرار رئيس الجمهورية وفريقه السياسي على تطبيق «الميغاسنتر» التي يبدو انها غير قابلة للتطبيق عمليا، ويبدو ان المخرج سيكون في «رمي الكرة» في احضان مجلس النواب، ووفقا لدراسة اعدتها وزارة الداخلية وسيعرضها الوزير بسام المولوي اليوم شملت النواحي القانونية، الاجرائية واللوجستية ، والموارد البشرية المطلوبة. وخلُصت الوزارة إلى أنه يتعذّر اعتماد مراكز الاقتراع الكبرى ضمن المهل المفروضة في قانون الانتخاب الحالي في ظل الحاجة لاجراء تعديلات قانونية، إضافة إلى العقبات اللوجستية والاجرائية، والحاجات على صعيد الموارد البشرية والمادية، مشيرة إلى أن الوقت المطلوب لانجاز التحضيرات لا يقلّ عن خمسة أشهر تبدأ من تاريخ نشر القانون وإصدار المراسيم التطبيقية عند الحاجة، وأنّ الكلفة الاجمالية للمشروع تبلغ حوالى 5،872،500 دولار أميركي. وهو امر متعذر قبل نحو شهرين ونصف من موعد الانتخابات.