غداة تسلمّ لبنان “عرضاً مكتوباً” من الوسيط الأميركي يرسم الأسس التفاوضية لعملية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، بات جلياً أنّ السفير آموس هوكشتاين تقصّد وقف “بازار” التفاوض الشفهي وإنهاء تلاطم المواقف اللبنانية على ضفاف خطوط الترسيم، فأنجز ما طُلب منه عبر تقديم طرحه الخطي “ليحصل في المقابل على جواب نهائي وخطي أيضاً من الجانب اللبناني”، حسبما عبّرت مصادر مواكبة للملف، مشيرةً إلى أنّ “الوسيط الأميركي رمى الكرة في الملعب اللبناني وينتظر راهناً الجواب الرسمي من لبنان، فإذا أتى إيجابياً أو قابلاً للتعمق فيه فسيدفعه ذلك إلى زيارة لبنان في وقت قريب، أما إذا كان الجواب سلبياً أو غير حاسم فسيصرف النظر عن القيام بهذه الزيارة“.
وإذ نوهت بكون الرسالة الأميركية التي نقلتها السفيرة دوروثي شيا إلى كل من رئيسي الجمهورية والحكومة، ميشال عون ونجيب ميقاتي، تقضي بالسير في “خط متعرج يعتمد إحداثيات الخط 23، بمعنى الانطلاق من هذا الخط ثم يتعرّج ليمنح لبنان حقل قانا كاملاً، قبل أن يعود للاستقامة فيحصل لبنان بنتيجته على مساحة بحرية بحدود860 كيلومتراً”، رأت المصادر في المقابل أنّ “الهجوم الشرس الذي شنه “حزب الله” في مواجهة الوساطة الأميركية يؤكد أنّه قرر سحب زمام المبادرة والمناورة من يد الدولة والتصدي بنفسه لمهمة تحديد الموقف اللبناني من عملية الترسيم، فأصبح عملياً “جواب” لبنان المرتقب على الطرح الأميركي بيد “حزب الله” أكثر مما هو بيد عون أو ميقاتي“.
وفي هذا السياق، لفتت المصادر إلى أنّ “ذلك لا يعني أنّ قيادة “حزب الله” كانت غائبة أو مغيّبة عن دائرة النقاشات الرئاسية التي دارت مع الوسيط الأميركي في الفترات السابقة، بل على العكس من ذلك كان “الحزب” هو من أمّن الغطاء لهذه النقاشات، وقد أعطى رئيس الجمهورية تطمينات واضحة للأميركيين بهذا الخصوص، لكنّ مجريات الأمور على الساحتين الإقليمية والدولية أعادت خلط الأوراق في حسابات “حزب الله” فحتّمت عليه مصالحه الاستراتيجية “فرملة” الموضوع بانتظار انقشاع الرؤية في اتجاه المسارات على خطي مفاوضات “جنيف” ومعارك “كييف” لإعادة تقويم الموقف في ما يتصل بمصير ملف الترسيم”، مشيرةً إلى أنّ “حزب الله” ورغم أنه يدرك تمام الإدراك “مدى حاجة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى مجاراة المطالب الأميركية في هذا الملف على أمل بأن يسهم ذلك في رفع العقوبات عنه، ولا يمانع “الحزب” بمساعدته في تحقيق غايته هذه، لكنه في المقابل لن يفرّط بسهولة بورقة ترسيم الحدود مع إسرائيل ولن يقدّمها مجاناً للأميركيين، لا سيما وأنّ “حزب الله” يرى تسرعاً رئاسياً واستعجالاً لتقديم تنازلات في هذا الموضوع من دون تلقي أي مقابل وازن وملموس حتى الساعة“.
تزامناً، برزت خلال الساعات الأخيرة معطيات ومعلومات عن النهج الفضائحي الذي يطغى على عمل اللجنة المؤقتة لإدارة مرفأ بيروت، بما يشمل تمرير حزمة محاصصات وتنفيعات وتعيينات وتعويضات “فوق أنقاض” المرفأ، وكأن انفجار الرابع من آب لم يحصل وكأنّ العاصمة لم تُدمر فوق رؤوس أبنائها وقاطنيها. إذ كشفت مصادر معنية في مرفأ بيروت لـ”نداء الوطن” عن سلسلة قرارات قضت بالتعاقد مع عدد من المستشارين برواتب تناهز 3000 دولار نقداً شهرياً، من بينهم “عارضة أزياء” تم التعاقد معها بهذا الراتب بصفة مستشارة إعلامية، فضلاً عن تعيين 3 محامين بصفة مستشارين قانونيين يتقاضى كل منهم هذا الراتب، بالإضافة إلى تعيين سيدة في منصب محوري في أمانة اللجنة نتيجة تدخلات جرت على أعلى المستويات لفرض تعيينها، ومضاعفة بدل حضور جلسات لجنة الإدارة ليُصبح مليوناً وثلاثمائة ألف ليرة عن كل جلسة مع رفع عدد الجلسات الشهرية إلى سبعة بعدما كانت محددة سابقاً بأربع جلسات“.
أما “الفضيحة الكبرى”، بحسب المصادر نفسها، فتمثلت بموافقة اللجنة المؤقتة على “تسديد مبلغ 1.2 مليون دولار نقداً لشركة كانت تدير محطة الحاويات وانتهى عقدها، وذلك رغم عدم تنفيذ موجباتها التعاقدية وإخلالها بشروط العقد”، لافتةً الانتباه إلى أنّ كل الأموال التي يتم صرفها بالدولار النقدي هي من الأموال المخصصة “لتمويل صيانة المرفأ و تتكبدها شركات الشحن ويتحملها المواطن نتيجة ارتفاع ثمن السلع الاستهلاكية مع ارتفاع الرسوم الجمركية وكلفة الشحن والتخليص والضريبة على القيمة المضافة“.