بين منحدرات الأزمة ودهاليزها المتشعبة في أكثر من اتجاه معيشي واقتصادي ومالي وصحي، يواصل اللبنانيون رحلة “الهبوط الحرّ” إلى الهاوية، وينزلقون أسرع فأسرع إلى القعر مروراً بيومياتهم الحافلة بمشهديات مأسوية تدور في حلقات مفرغة وشعارات فارغة من أي محاولة جدية لفرملة الانهيار، على وقع استمرار طغيان الذهنية الترقيعية في أداء أهل الحكم والحكومة، ما أبقى الناس أسرى دوامة عبثية من “اللف والدوران” في دوائر تستنسخ الوقائع نفسها على أرض الواقع وتعيد تذكير المواطن بأنه لا يزال في مربع الأزمة الأول… كما حصل خلال الساعات الأخيرة مع عودة طوابير السيارات عند مداخل محطات البنزين.
ومن معاناة اللبنانيين، يستهلّ رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط حديثه لـ”نداء الوطن”، منبّهاً إلى أنّ الأمور ستبقى تراوح مكانها “من بنزين وغير بنزين” طالما بقي الإصلاح الحقيقي والبنيوي غائباً ومغيّباً، لذلك المطلوب ألا يفقد الشباب صوته وأمله بالقدرة على التغيير “لأنّ هناك وجوهاً جديدة قد تستطيع أن تغيّر وتطرح حلولاً وأفكاراً جديدة بغضّ النظر عن الأكثرية والأقلية”، قبل أن يستدرك، في معرض تشديده على وجوب استبدال “الطاقم السياسي الحاكم والمهترئ” بالإشارة إلى أنّ ذلك يتطلب أولاً قانوناً جديداً للانتخاب لأنّ القانون الساري “ليس نسبياً إنما هو قانون طائفي والصوت التفضيلي فيه يجعل الناخب أكثر طائفية”… أما عن مجريات المعركة الانتخابية بأبعادها السياسية والسيادية، فلفت إلى أنّ هناك “أمر عمليات يقضي بتحجيم وليد جنبلاط… “بسيطة شو عليه”؟ وإذا كان عنواننا الصمود في المعركة، فإنّ العنوان الأكبر للانتخابات يجب أن يتمحور حول السيادة لأنه “ما في شي بينفع بلا سيادة” وكل ما نستطيعه راهناً هو العمل ضمن المتاح من الهوامش لا أكثر“.
وفي عمق المشهد الانتخابي وخلفياته، يؤكد جنبلاط أنّ “حزب الله” يريد أن “يفرض نفسه على كل البلد وعلى مختلف الساحات والطوائف، وبالتالي فإنّه أينما استطاع تحقيق مكاسب على الساحة الدرزية “ما رح يقصّر”، لأنّ محور الممانعة يريد تطويقنا وهناك “أمر عمليات” بتحجيمي “والظاهر” حزب الله يشارك بتنفيذه”، وأضاف: “إذا أردتم أن تعرفوا مصير البلد فاسألوا إيران إذا كانت تريد الإبقاء على الكيان اللبناني الذي عمره 100 عام، فحتى في “أيام المتصرفية” تحت السيطرة العثمانية كان لبنان قائماً على التنوع والتطور الثقافي، وكذلك “أيام السوري” كان الوضع أسهل لأنه وضع يده على المفاصل الأساسية والعسكرية والأمنية لكنه لم يلغِ البلد، أما اليوم فمع إيران لم نعد نفهم “شو بدها”، وهذا يعيدنا إلى القول بأنه لا شيء ينفع ولن يتغيّر شيء في لبنان من دون سيادة“.
صدّرنا “الثلث المعطل” إلى العراق
ولفت جنبلاط إلى أنّ “النظرية التي كانت تراهن على أنّ الانهيار الاقتصادي سيؤدي إلى سقوط “حزب الله” أثبتت أنها رهان خاطئ، وبالعكس استفاد “الحزب” من سقوط النظام الاقتصادي أكثر مما تضرر منه”، وسأل: “ماذا بقي اليوم من مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟ كل ما تبقّى مبدئياً هو إمكانية الإصلاح من أجل الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، والإصلاح يبدأ من الكهرباء…! و”جبران باسيل في كل مكان” فهو يبتزّ “حزب الله”، وألله يعيننا شو كلفنا هذا الحلف وشو رح يكلفنا بعد سياسياً واقتصادياً”، فلبنان كانت أهميته التاريخية بالمرفأ، طار اليوم المرفأ وأصبحنا نصدّر “الثلث المعطّل” إلى العراق”، مؤكداً أنّ “التشابه الحاصل في الأحداث السياسية بين بيروت وبغداد مرده إلى وجود يد واحدة تتحكم بالبلدين”، وذكّر بأنّ المسؤولين الإيرانيين أنفسهم يتباهون بالسيطرة على عواصم عربية من بيروت إلى بغداد وصنعاء.
“التوازن انهار“
واستذكر جنبلاط زمن الرئيس فؤاد شهاب حين “كان التوازن قائماً بين الرئيس جمال عبد الناصر والغرب، وفي لبنان تجلى التوازن في “اجتماع الخيمة” الشهير على الحدود اللبنانية – السورية، يومها قال شهاب لعبد الناصر نحن معك في الخارج لكن أترك لنا شؤوننا الداخلية”، مشيراً إلى أنّ “التوازن انهار عندما هُزم العرب عام 1967، ثم أُخرجت مصر من المعادلة في “كامب دايفيد” والغلطة الكبرى كانت في “أوسلو” عندما لم يناقش أبو عمار الوضع النهائي للقدس والمستوطنات، فكانت النتيجة مزيداً من الاستيطان والتهويد، واليوم إذا فرضت نتائج الحرب الأوكرانية نزوح 200 ألف يهودي من أوكرانيا إلى إسرائيل، فماذا ستكون النتيجة؟ توسعة المستوطنات أكثر في الضفة لإيوائهم“.
الساحة السنية بلا قيادة
وبالعودة إلى الحديث الانتخابي، من الواضح أنّ جنبلاط يتعامل مع الاستحقاق باعتباره حاصلاً في موعده في أيار، مؤكداً في الوقت نفسه وجود “مشكلة على الساحة السنّية بعدما تركها الرئيس سعد الحريري من دون قيادة، مستبعداً أن تتمكن أي شخصية سنّية ملء الفراغ الذي خلّفه الحريري”، وأضاف: “فقدنا حليفاً كبيراً عند السُنّة بعد حلف كبير دام بيننا قرابة 17 سنة”. لكنّ زعيم المختارة لا يُبدي خوفه من إرجاء الانتخابات رغم كل العناوين التي تُطرح راهناً وتوحي بتعمّد اختلاق الذرائع التقنية والمالية لتأجيل الاستحقاق المقرر في 15 أيار.
الترسيم من خط… “الزيرة“
أما في الاستحقاقات والملفات الأخرى، فأعاد جنبلاط التشديد على مقولة: “جبران في كل مكان” سواءً في تحديد مصير الانتخابات الرئاسية، أو في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إٍسرائيل، مشيراً إلى أنهم “زايدوا على الرئيس نبيه بري” في هذا الملف، وأردف متهكماً: “برأيي كان يجب أن يبدأ الخط الحدودي للبنان من “جزيرة الزيرة” في صيدا، ومن هناك نغوص بالتقنيات الحديثة ونشقّ البحار “بالعرض” نحو الحقول النفطية الحدودية، فكما حصل أيام ترسيم حدود مزارع شبعا حين أهدانا العميد (أمين) حطيط وادي العسل، اليوم أوصلنا العميد (بسام) ياسين في ترسيم حدودنا إلى مشارف عكا“.
غادة عون أشبه بـ”المهداوي“
وتطرق جنبلاط إلى تداعيات مشهد البؤس اللبناني، فأكد أنّ المساعدات الحزبية في المناطق لم تعد تكفي، والمطلوب “تحسين القدرة الشرائية للمواطن وحسم موضوع من يتحمل الخسائر؟ لأنه لا يجوز تحميلها للمودعين إنما هناك حلول متاحة نستطيع من خلالها إنشاء صندوق سيادي واستثمار أو تأجير أملاك الدولة، لكن المشكلة تكمن في الحلقات الخاصة لكبار المستشارين حيث يعملون على حماية المصارف”، وأضاف: “ماكرون كان لديه اسم حاكم مصرف مركزي جديد للبنان لكنهم أفشلوه، وأصبحت الأمور عبارة عن مجرد نكايات ضد رياض سلامة، فهل يعقل ما تقوم به القاضية غادة عون التي باتت أشبه بـ”مهداوي” العراق، وهم أنفسهم بالأمس وضعوا قانون استقلالية القضاء “على الرف” في المجلس النيابي”، كما لم يفته التصويب على نهج المحاصصة الذي أعاد إحياء “سد بسري” من خلال الغمز من قناة الشركة المتعاقدة على تنفيذ المشروع التي يملكها داني خوري والتي تتولى بناء مقر “التيار الوطني الحر” على التلة الأثرية في نهر الكلب، مكتفياً رداً على سؤال عن الأسباب الكامنة وراء رضوخ مجلس الوزراء لطلب إحياء مشروع “السد” بعبارة: “إسألوا نجيب” (ميقاتي).