إذا كانت السلطة ستمضي في مواجهة الازمات المتعاظمة على طريقة “لا داعي للهلع” أكثر من أي معالجة جدية لما يمكن ان يشكل أسوأ ازمة محروقات موعودة في الفترة المقبلة، فعبثا الرهان على مرور أمن وتعبيد الطريق بشكل طبيعي إلى موعد الانتخابات النيابية المقبلة. ولم يكن ينقص هذه السلطة سوى ان تتكشف بعض اتجاهاتها أمس عن الدفع الصريح نحو تأجيل الانتخابات لثلاثة أشهر وسط بلبلة افتعلت فجأة وعكست التخبط الكبير الذي يطبع عمل الحكومة في هذه الظروف.
وإذا كانت ممارسات الاستقواء والاستعراضات الاستفزازية تمددت لدى اتباع “محور الممانعة” إلى عالم الثقافة والكتب والفكر ايضا كمثل الاعتداء الهمجي الذي حصل أمس في معرض الكتاب العربي، فعبثا الرهان على تغيير جدي في الانتخابات ما دام الترهيب سلاحا يستبيح كل المعايير والقيم. هذه الظاهرة مرت مرور الكرام لدى اهل سلطة “لا داعي للذعر” لان اهل هذه السلطة اعتادوا الصمت على كل مآثر “الممانعين” في الهيمنة وتجاوز القانون والدستور والأصول فيما يزعم بعض منهم بان آخر إبداعاتهم الانتخابية التبشير بتعلقهم بالدستور والميثاق.
ولان ما جرى في معرض الكتاب العربي لا يجوز مروره مرور الخنوع الصامت يمكن القول ان هذا الامر يشكل ظاهرة متقدمة خطيرة على ما يمكن حصوله تباعاً.
فقد حصل اعتداء على ناشطين، عُرف من بينهم شفيق بدر ونيللي قنديل، في معرض بيروت الدولي للكتاب، بعد احتجاجهم على صور وُضعت أمام بعض الأجنحة في المعرض لقائد فيلق القدس السابق اللواء قاسم سليماني وجنحت بصورة المعرض نحو تصويره كأنه تحول ساحة استعراض استفزازي وليس معرضا ثقافيا وفكريا. وأفيد أنّ الاعتداء بالضرب حصل بعد دخول ثلاثة ناشطين إلى المعرض عند الواجهة البحريّة لمدينة بيروت، وعبّروا عن استيائهم من انتشار الأعلام الإيرانيّة وصور اللواء قاسم سليماني أمام عددٍ من الأجنحة، وبدأوا بإطلاق هتاف “بيروت حرّة حرّة، إيران طلعي برّا”. وحينها، قام عددٌ من الشبّان بالاعتداء عليهما، وقد تعرّض بدر لضربٍ شديد كما أُخذ منه هاتفه الخليوي وسُحب إلى خارج المعرض.
أزمة المحروقات
اما الجانب الاخر من المشهد الداخلي الضاغط فتمثل في تمادي وتفاقم أزمات المحروقات وفقدان المواد الغذائية الأساسية والتخوف من ازمة خبز. وعادت ظاهرة طوابير السيارات أمام محطات المحروقات “على وقع” التطمينات التي أطلقها وزير الطاقة والمياه وليد فياض بأن مادتي المازوت والبنزين متوفرتان” ولا داعي للهلع”، فيما تنتظر الشركات المستوردة للمحروقات وأصحاب المحطات صدور جدول أسعار المحروقات الذي قد يشهد إرتفاع بأكثر من 70 الف ليرة على سعر صفيحة البنزين نتيجة تحليق اسعار النفط عالميا على وقع المعارك في اوكرانيا وتهديد الغرب بفرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسية. وبدا مؤكدا ان عددا من البواخر الراسية في عرض البحر ال#لبناني والمُحمَّلة بالبنزين والمازوت، تنتظر فتح اعتمادات من مصرف لبنان كي تبدأ بتفريغ حمولتها في وقت تؤكد مصادر المحروقات ان المخزون يكفي السوق لأسابيع ولكن تهافت المواطنين على المحطات قد يقلّص من فترة المخزون علما ان معالجات الوزارة تبدو اشبه بالدوران في حلقة مفرغة نظرا إلى انعدام وضع أي استراتيجية لمواجهة تفاقم أكبر في الازمة بعدما بدأ سعر برميل النفط عالميا يقترب من سقف قياسي يناهز ال150 دولارا بسبب الحرب الروسية على اوكرانيا. وفهم ان الشركات المستوردة للمحروقات تعمل على تأمين مصادر متعدّدة للبنزين والمازوت بعيدا عن النفط الروسي في حال فرضت عقوبات على قطاع الطاقة الروسية كما توجد حاليا مجموعة اتفاقات معقودة مع الشركات العالمية لتأمين تزويد السوق بالبضاعة.
مداولات التأجيل
وسط هذه الإجراء بدأت اللجنة الوزارية المكلفة بحث مدى إمكان اعتماد “الميغاسنتر” في الانتخابات النيابية لعام ٢٠٢٢، مهمتها فعقدت اجتماعاً عصر أمس في وزارة الداخلية والبلديات وأعلن بعده ان اجتماعا ثانيا سيعقد بعد ظهر اليوم لاستكمال مهمة اللجنة بوضع تقريرها وتقديمه إلى مجلس الوزراء الذي يفترض ان يبت امر اعتماد الميغاسنتر او عدمه في جلسته الخميس المقبل. وبدا لافتا تسريب معلومات تحدثت عن طلب وزير السياحة وليد نصار تأجيل اجراء الانتخابات النيابية عن موعدها المحدد في 15 أيار المقبل لفترة ثلاثة أشهر إضافية!
وسارعت مصادر نصار إلى التوضيح ان ما سرب من ان وزير السياحة اقترح في جلسة اللجنة الوزارية المخصصة للبحث بموضوع الميغاسنترغير صحيح وحقيقة ما حصل ان كلام نصار اتى ردا على مداخلات كل من وزيري الثقافة والمال والتي تحدثت بصراحة عن معوقات مادية وقانونية لا تزال تمنع اجراء الانتخابات بموعدها. وعندها اقترح نصار على وزير الداخلية بسام المولوي وامام الجميع ان يستاذن رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية للتوجه مباشرة إلى رئيس مجلس النواب والطلب منه دعوة الهيئة العامة لمجلس النواب لاجتماع هذا الاسبوع لتمرير كل المواضيع المادية والقانونية الضرورية، وذلك بهدف اجراء الانتخابات بموعدها وكي نكون صادقين مع المواطنين، ولنؤكد لهم ان الانتخابات ستجري فعلا بموعدها والا إذا كنتم عاجزين فلنصارحهم ونقول فلتتأجل الانتخابات. واستغربت مصادر نصار اجتزاء المداولات التي حصلت وتسريب جزء من كلامه الذي أتى رداً على بعض الطروحات علماً أنه أكد في مستهل الجلسة ضرورة حصول الاستحقاق في موعده. وأكد وزير الداخلية بسام مولوي ان اقتراح نصار جاء في اطار جواب على ما طرح عن الصعوبات التي تواجه الانتخابات. كما افيد ان نقاشا حصل حول مسالة تعديل قانون الانتخابات لجهة اعتماد الميغاسنتر وان الاتجاه النهائي اليوم سيكون بإحالة الموضوع على مجلس النواب.
ولوحظ ان الوزير مولوي كان استبق اجتماع اللجنة بلقاء مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واعلن باسمهما معا ” تأييدنا انشاء “الميغاسنتر” كخطوة اصلاحية ضرورية للمواطنين والانتخابات، إنما هناك ثلاث عقبات قانونية ولوجستية ومالية وطلب دولة الرئيس ان تتشكل ضمن اللجنة الوزارية ثلاث لجان فرعية هي اللجنة القانونية لدراسة الأمور القانونية وإيجاد الحلول لها، وفي حال إستقر رأي اللجنة على وجوب تعديل قانوني، اعداد مشروع القانون فورا ورفعه إلى مجلس الوزراء لأخذ الموقف القانوني والدستوري منه، ثم احالته إلى مجلس النواب” .وشدد على عدم تأجيل الانتخابات ولو دقيقة واحدة “فنحن نؤكد ان الميغاسنتر خطوة اصلاحية لكن الاهم هو عدم تأجيل الانتخابات”.
لبنان والحرب
على صعيد المواقف من الازمة الاوكرانية، أكد الرئيس ميقاتي “أن لبنان الذي عانى من إجتياحات وحروب على مر تاريخه متمسك بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ولا يقبل اي اعتداء على سيادة اي دولة وسلامتها، ويعتبر ان المشكلة بين روسيا واوكرانيا تحل بالمفاوضات وليس بالخيارات العسكرية”. وجاء موقفه خلال استقباله وفدا من “حزب الشعب الاوروبي”الذي يضم نوابا وبرلمانيين منتخبين في مختلف مجالس نواب وبرلمانات الدول الأوروبية ورأس الوفد النائب الفرنسي في المجلس الأوروبي فرانك بروست الذي أوضح ان زيارة الوفد “تتمحور حول درس الإمكانات المتوافرة لدى أوروبا من أجل مساعدة أصدقائنا اللبنانيين بشكل أفضل، في ظل تحديات جيوسياسية راهنة تجعل الوضع في أوروبا أكثر حساسية، خصوصاً في ما يتعلق بالنزاع في أوكرانيا وتداعياته على أوروبا، وهي تداعيات بدأت تظهر بشكل مباشر على مسألة الأمن الغذائي في لبنان”.