كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: على أبواب مرحلة اصطفافات وتقاطعات مفصلية، لن تكون المنطقة العربية بمنأى عن تداعياتها المشتعلة على صفيح الحرب الروسية – الغربية في أوكرانيا، وعلى أعتاب ما ستفرزه هذه الحرب من متغيرات مرتقبة في خارطة المواجهة الجيوستراتيجية بخطوطها العالمية والإقليمية، يقف لبنان عند مفترق استحقاقات متزاحمة داخلياً وخارجياً تضع مصيره على المحك تحت وطأة أكثرية حاكمة متحكمة بدفة قيادة البلد وتدفعه دفعاً باتجاه منزلقات جهنمية تمعن في إذلال شعبه وسلخه عن هويته العربية.
ولأنّ الأمل الوحيد بات معقوداً على أن يشرع الاستحقاق الانتخابي أبواب التغيير المنشود في قيادة المركب اللبناني، بدا واضحاً تركيز الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط على أهمية هذا الاستحقاق ومحوريته لأنّ الانتخابات النيابية المقبلة في 15 أيار “ستكون حاسمة” في تحديد مستقبل لبنان والمساهمة في “تحقيق الاستقرار ولمّ الشمل وانطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”، كما قال من السراي الحكومي.
في حين آثر أبو الغيط من قصر بعبدا عدم الإفصاح عما نقله إلى رئيس الجمهورية ميشال عون من “ردود أفعال” عربية على الجواب اللبناني الرسمي إزاء مقتضيات المبادرة الكويتية، علماً أنّ مصادر واسعة الاطلاع أكدت لـ”نداء الوطن” أنّ هذه المبادرة “أصبحت بحكم المجمّدة في الوقت الراهن، وقرار إعادة تحريكها بيد لبنان دون سواه”، موضحةً أنّ “رسالة العرب واضحة في هذا المجال إلى اللبنانيين ومفادها: حرروا أنفسكم ولا تنتظروا من أحد أن يقوم بهذه المهمة عنكم“.
وكشفت المصادر عن “أجواء سلبية تحيط بالمقاربة العربية لرد الحكومة اللبنانية على النقاط الواردة في متن المبادرة الكويتية”، مشيرةً إلى أنّ “لبنان لم يلتزم بأي بند من بنود المبادرة، لا سيما ما يتصل منها بإعادة بناء الثقة مع الدول العربية والخليجية، فلا الحملات السياسية والإعلامية توقفت، ولا الخطاب التصعيدي التحريضي توقف ضد دول مجلس التعاون وتحديداً المملكة العربية السعودية، بل على العكس من ذلك بيّنت الوقائع أنّ هناك تصميماً من جانب “حزب الله” على الإمعان والمضي قدماً في مواصلة استهداف العرب في كل مناسباته وسلوكياته وأدائه مقابل وقوف الدولة اللبنانية عاجزة عن لجم هذه الأجندة والنأي بلبنان ومصالح اللبنانيين عنها“.
وفي ضوء ذلك، لم تستبعد المصادر أن “ينعكس هذا السلوك اللبناني صعوبةً في فترة رئاسة لبنان للمجلس الوزاري العربي، خصوصاً وأن المطلوب في هذه المرحلة اتخاذ قرارات متقدمة في ما يخص حرب اليمن والتدخل الايراني في الشؤون العربية”، لافتةً إلى أنّ “المسار اللبناني في ما يتصل بالتزام التضامن العربي لا يزال متعثراً، سيّما وأنّ لبنان الرسمي لم يبادر إلى اتخاذ أي خطوة نوعية من شأنها تحريك المبادرة الكويتية المجمّدة ولم تقدّم الحكومة أي مؤشرات ملموسة تؤكد عزمها جدياً على التحرر من قيود “حزب الله” والإمساك بزمام الأمور سياسياً وسيادياً واقتصادياً في البلد“.
انتخابياً، وعشية إقفال باب الترشيحات لدورة 15 أيار، والتي بلغت حتى مساء أمس 745 مرشحاً تقدمواً بأوراقهم الرسمية في وزارة الداخلية، أقفل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي باب التكهنات والتحليلات حول موقفه من الاستحقاق فأعلن عزوفه عن الترشح مفضلاً تكرار “تجربة حكومة العام 2005” التي ترأسها وقدمت حينها “نموذجاً في الفصل بين إدارة الانتخابات وعدم الترشح، واستطعنا من خلالها نقل البلد من ضفة إلى أخرى في أصعب مرحلة، وكان هذا الخيار موضع تقدير محلي وخارجي”. على أنّ ميقاتي حرص على ألا يشوب قرار عزوفه أي شبهة مقاطعة للانتخابات، فتوجه إلى اللبنانيين داعياً إياهم إلى “الاقبال على الاقتراع، لأن التغيير الحقيقي المنشود يبدأ في صناديق الاقتراع (…) وكل ورقة إنتخابية توضع في الصندوق قادرة على إحداث التغيير المنشود“.
تزامناً، أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري جملة مواقف ورسائل انتخابية أمس عزف من خلالها على وتر “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” في تخوين الخصوم واتهامهم بتلقي تمويل خارجي بهدف “تسييل كل العناوين المحقة في صناديق الإقتراع أصواتاً لتحقيق مآرب سياسية وإستراتيجية لتغيير وجه لبنان وهويته وخياراته وثوابته من بوابة الإستحقاق الانتخابي” وفق تعبير بري خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في عين التينة وأعلن من خلاله أسماء مرشحي “حركة أمل” للاستحقاق الانتخابي.
أما في معراب، فاختار رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ذكرى 14 آذار لإطلاق الحملة القواتية الانتخابية مشدداً على أنّ المعركة اليوم هي “معركة وجود… فإما نحافظ على ما تبقى من لبنان ونسترد ما خسرناه أو نشهد زواله، وإما نحافظ على ما تبقى من الحرية ونعيد سوياً وطن الحريات أو نعود جميعنا إلى السجن الكبير، وإما نحافظ على ما تبقى من السيادة أو نتحوّل رسمياً إلى مقاطعة من جمهورية لا تشبه حضارتنا ولا تاريخنا ولا قيمنا بشيء، وإما نقوم ببناء دولة جديدة أو يسقط ما تبقى من سقف هذه الدولة المهترئة على رؤوسنا، وحينها لا ينفع الندم“.