كتبت صحيفة ” الأنباء ” الالكترونية تقول : نسترجع في 16 آذار من كل عام ذكرى المعلّم الشهيد كمال جنبلاط. نقرأ في كتبه، ونستذكر طروحاته العصرية التي كان هدفها الأول والأخير الإنسان، وتطوير طريقة عيشه، والتي لم تتوقف على السياسة فحسب رغم نشاطه في هذا الميدان على وجه الخصوص، بل تعدّت ملعبها لتصل إلى الاقتصاد والاجتماع والفلسفة والدّين وغيرها من المجالات.
ورغم مرور 45 عاماً على استشهاده، إلّا أنّ أفكاره ما زالت تشكّل مخرجاً واضحاً للبنان من الدوامة التي غرق فيها إبّان انطلاق الحرب الأهلية، وفشلت مختلف المساعي من انتشاله من أزمته. ففي سبعينيات القرن الماضي، أطلق كمال جنبلاط ورفاقه في الحركة الوطنية برنامجاً إصلاحياً شاملاً سُمّي آنذاك بالبرنامج المرحلي، وتطرّق إلى مختلف الحقول المتعلّقة بالسياسة، والتي من شأنها تحسين معيشة المواطنين.
وبموازاة طروحاته، كان كمال جنبلاط رجل اعتدال ولقاء بين مختلف الأقطاب السياسية والطائفية، ورجل سلام وقضية وحق. ناصر القضية الفلسطينية، وطالب بالدولة العلمانية، ورفض إلغاء الآخر. إلّا أنّ المتربصين بلبنان رأوا في كمال جنبلاط خطراً على مشاريعهم التي بدأ لبنان يعاني بسببها منذ الحرب الأهلية وحتى الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي يتجلّى اليوم، فقرّروا حينها اغتيال كمال جنبلاط اعتقاداً منهم أنّ تصفية جسده سوف تنهي أفكاره، إلّا أنّ إرادة كل لبناني حر بالخروج من السجن الكبير ونضال اللبنانيين المتواصل في هذا المجال، أثبت فشل الغرف السوداء في أقبية النظام السوري التي حاكت عملية الاغتيال ونفّذتها.
من قرأ كمال جنبلاط يعلم أنّ إنقاذ لبنان ليس مستحيلاً، والحلول موجودة في سياق برنامجٍ كامل متكامل، وما المطلوب اليوم إلّا اعتماده كهيكلية للشروع في الإصلاحات المطلوبة في مختلف الميادين، والتي من شأنها انتشال لبنان من الحفرة التي وقع فيها، وإعادته إلى السكّة الصحيحة، ولا شكّ أنّ ذلك يبدأ بإلغاء الطائفية السياسية، والانتقال إلى الدولة المدنية، ومنها إلى العلمانية.
الوزير السابق عبّاس خلف، الذي عاصر كمال جنبلاط، أشار إلى أنّ “واقع لبنان ما كان ليكون كما هو عليه اليوم لو أن المعلّم ما زال حيّاً بيننا، فهو كان قائداً وقدوةً، وقائداً يعطي الرأي الصواب دائماً ويتولّى القيادة، وقدوةً للغير بتصرفاته وأخلاقه وفكره واحترامه للآخر، ونفتقد حضوره بشدّة في ظل غياب صفات المعلّم عن أي من سياسيّي السلطة في الوقت الراهن”.
وفي حديثٍ لجريدة “الأنباء” الإلكترونية، لفت خلف إلى أنّ، “مشكلة البلد الرئيسية تكمن في غياب الأخلاق عن العمل السياسي، كما والإلتزام، إذ يتطلّب هذا الميدان من أهل السلطة المشاريع والبرامج الإصلاحية التي بدورها تنقل لبنان من الطائفية – وهي مرضٌ مريب وأحد أهمّ أسباب الفشل – إلى الدولة المدنية والعلمانية التي تحدّث عنها كمال جنبلاط”.
وفي هذا السياق، شدّد خلف على أنّ “برنامج الحركة الوطنية الإصلاحي يصلح اليوم. وكل طروحات وأفكار المعلّم كمال جنبلاط تصلح، وهي مطلوبة وبشدّة دون استثناء، وهي قادرة على الانتقال بالبلاد نحو الأفضل”.
وختم خلف حديثه متوجّهاً إلى روح المعلّم، “وهو كان شهيد لبنان والعروبة. كمال جنبلاط القائد والقدوة، الرفيق والصديق الذي ستبقى ذكراه في ضميري إلى الأبد”.
وفي ذكرى استشهاد كمال جنبلاط يبقى التحدي الأكبر هو إنقاذ لبنان، وما تبقى منه، قبل القضاء على كامل سيادته واستقلاله وذوبانه في لعبة المحاور. فالمصالح الإقليمية والدولية أكبر بكثير من لبنان الغارق في أزماته، وكل ما يحتاج إليه هو حبل نجاة يصنعه أبناؤه، لا مستقبلاً ترسمه طاولات التفاوض.