كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: مع إقفال باب الترشيحات، وتركز الأنظار على أسماء المرشحين عن المقاعد السنية في كل لبنان، أثبتَ سعد الحريري قدرته على إلزام الأنصار بالمقاطعة، وإحراج الحلفاء بالعزوف عن الترشح، تاركاً الجميع في مهبّ معركة تستهدف الحصول على أصوات من تركته. أما المتمردون على قراره فلا يزالون يعانون من صعوبة نسج التحالفات، ما يجعل خريطة المقاعد السنية غير واضحة.
وفيما تنشط ماكينات سياسية حليفة لخصوم الحريري من نفس فريقه السياسي لتركيب تحالفات، تبين أن معظمها سيؤدي إلى تشتت الصوت السني المعارض لحزب الله وحلفائه، يسود الإحباط الطائفة السنية، وسط مؤشرات على تدنّي نسبة المشاركة في الاقتراع، الأمر الذي استدعى مشاورات على صعيد خارجي. إذ كثّف فريق من المكوّنات الأساسية لـ 14 آذار، من الرئيس فؤاد السنيورة إلى سمير جعجع ووليد جنبلاط ومجموعات من المجتمع المدني، اتصالاتهم مع الأميركيين والفرنسيين طالبين دعمهم لإقناع السعودية بالتدخل، منعاً لما يسمونه اجتياح حزب الله للشارع السني.
وقبلَ شهر بالتمام على موعد الانتخابات، يتقدّم صوت إجراء الاستحقاق في 15 أيار المقبل على الهمس باحتمال «تطييره»، ربطاً بالأزمة التي تدفع لبنان في اتجاه الانفجار الاجتماعي والكلام عن عدم حماسة بعض الدول الإقليمية والدولية لانتخابات لن يترتّب عليها حالياً أي تغيير في موازين القوى. لذلك، تحولت وزارة الداخلية قبل ساعات قليلة من إقفال باب الترشيحات منتصف ليل أمس إلى خلية نحل بفعل تهافت المرشحين الراغبين إلى الترشح، والذين بلغَ عددهم لدى إقفال باب الترشيح 1043، بينما وصل عدد المرشحين عام 2018 إلى 976، بينهم 111 مرشحة.
ومع إغلاق باب الترشيحات، ينتقل التركيز إلى توقعات النتائج أو التحالفات التي قد تنشأ. فلبنان الذي يقف على حافة الانتخابات، تتحضر القوى السياسية فيه لخوض معارك وجودية على قاعدة «يا ربّ نفسي» بعدَ أن قلبت التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية الأولويات، فضلاً عن تبدّل خريطة الاهتمام العربي والدولي التي تتصل بمفاوضات فيينا وصولاً إلى انفجار الميدان في شرق أوروبا. كل هذه العوامل مجتمعة، جعلت الجميع من دون استثناء مأزوماً انتخابياً ويواجه صعوبة في هندسة التحالفات. غير أن العامل الرئيسي الداخلي الذي ساهمَ في إرباك القوى السياسية، هو إعلان الحريري قبلَ أشهر قليلة من الاستحقاق النيابي قراره بتعليق عمله السياسي وعزوفه عن المشاركة في الانتخابات، هو وعائلته وكل تياره السياسي، إذ شدد أكثر من بيان وتعميم صدر عن قيادة التيار على أن على كل «الذين يريدون خوض الاستحقاق عدم استخدام اسم التيار أو شعاراته، والتقدم بالاستقالة من المستقبل». انسحاب الحريري أربكَ الجميع، حلفاء وخصوماً، بخاصة أنه تركَ الساحة فارغة من أي بديل للتعاون معه، وهذا الفراغ جعل تركته عرضة للتناتش والتقاسم، ما دفع كل طرف داخل الطائفة وخارجها إلى العمل على أن تكون له حصة فيها.
على ضفة السنة، لا تزال المعلومات متضاربة. صحيح أن باب الترشيحات قد أقفل لكن باب التحالفات لا يزال مفتوحاً وهنا العقدة. وهذه العقدة مرتبطة بعوامل عدة:
أولاً، لا يزال تيار المستقبل، رغمَ انسحابه، موجوداً في العملية الانتخابية، ويدفع باتجاه مقاطعتها سنياً. لكن ذلك لا يعني خروجه من المشهد، ما يحصل حالياً أن الحريري يعمل جاهداً على أن تكون نسبة التصويت السنية في كل المناطق متدنية جداً، بهدف تكريس زعامته وربط السنة بشخصه والقول للداخل والخارج إنه الممثل الوحيد للطائفة. ولأجل هذه المهمة جنّد الحريري الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري ورئيس جمعية بيروت للتنمية أحمد هاشمية اللذين التقاهما في الإمارات قبل أيام، لعقد اجتماعات مع شخصيات فاعلة والعائلات.
ثانياً، محاولة قطع الطريق على كل الذين قرروا التمرد على قرار الحريري وشنّ حملات تخوين وتهويل، كما حصل مع الرئيس السنيورة والنائب مصطفى علوش وآخرين أبدوا رغبة في خوض المعركة وعملوا ولا يزالون على دفع الناس إلى صناديق الاقتراع بحجة اجتياح حزب الله للشارع السني، وضرورة مواجهة الاحتلال الإيراني.
ثالثاً، وجود جو من الخيبة والاستياء لدى الجمهور السني من كل الطبقة السياسية، ومن المملكة العربية السعودية، إذ يشعر هذا الجمهور بأنه مهزوم، وأن مقاطعة الانتخابات ستكون عقاباً لكل من تسبب بخروج الحريري من الحياة السياسية، وهذا الشعور هو ما يمنع نسبة كبيرة من التفاعل مع المرشحين السنة.
وعليه، لا تزال اللوائح غير محسومة حتى الآن والجميع يواجه مشاكل في نسج التحالفات. وهذه الصعوبة لا تشمل فريق ما يسمى 14 آذار، بل أيضاً فريق حزب الله وحلفائه الذي لا يبدو من المعطيات المتوافرة حتى الآن، أنه حجز حصة سنية إضافية عن حلفائه المعروفين. ففي بيروت، مثلاً، لم يستطع ثنائي حزب الله وحركة أمل حتى الآن الاتفاق مع أي مرشح سني ليكون على لائحتهما، علماً أن هناك حوالي 10 أسماء يجري التفاوض معها